ستكون "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا) في مثل هذا الوقت من الشهر المقبل، فارغة الجيوب، لا مال لديها. ولست واثقة من أن كثيرين يفهمون ذلك أو يهتمون بالأمر على الإطلاق.
ولكن إذا أفلست الاونروا فعلاً، فإنّ مليون فسلطيني سيصبحون بدون غذاء وستغلق المدارس في غزة والضفة الغربية أبوابها، كما ستتوقف عيادات التلقيح عن العمل وقد يتمّ بتر أطراف ما يزيد عن 1700 شخصاً. وستضطرّ الأمم المتحدة، ثاني أكبر ربّ عمل في غزة، أن تُلغي بعض وظائفها ممّا سيرفع نسبة البطالة التي تُسجّل أصلاً أعلى نسبة في العالم.
تطول لائحة التداعيات المقلقة. وأخشى بأنني ربما أتعبتكم بهذه التفاصيل المزعجة سلفاً فتوقفتم عن متابعتها.
حتّى وإن كان تأمل الأزمة الإنسانية الفلسطينية التي تبدو بلانهاية، يصيب المرء بالإعياء، يتوجّب على الجميع فهم ما يلي: إنّ انهيار الأونروا سيؤثّر على أمن اسرائيل والمنطقة.
وسواء أحببتم الأونرا أو لا (وقوم دونالد ترمب لا يحبونها في الحقيقة)، فليس من بديل لها مطروح حتّى اللحظة. ومن دون خدمات "الوكالة" التي تحول دون انهيار إنساني شامل، أعتقد أنّ الجميع سيكونون في خطر.
لا شكّ أنّ الأونروا، 69 عاماً، ليست مؤسسة مثالية على الإطلاق . فهي غير فعالة، ويقول البعض أنّها مُكلفة إذ اعتبر النقاد أنّ مدارسها التي يزيد عددها عن 700 مدرسة، علاوة على خدماتها الصحية وإعاناتها الغذائية، هي من بين الأمور التي تُبقي الوضع الراهن على ما هو عليه.
وهذا يعني أن "الوكالة" تجعل الاحتلال في الضفة الغربية محتملاً يمكن للناس أن يعيشوا في ظله، وأنها في غزة تُضمدّ الجراح الإنسانية النازفة التي أحدثها، جزئياً، الحصار الاسرائيلي والمصري، فضلاً عن اقتتال الفصائل الفلسطينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويكره جيسون غرينبلات، الممثل الخاص للمفاوضات الدولية في الولايات المتحدة، "الوكالة" لأسباب أخرى. فقد دعا في خطابٍ ألقاه أمام جلسة مجلس الأمن في الأمم المتحدة الأربعاء الماضي، إلى تفكيكها لأنها "تعاني عيوباً لا يمكن إصلاحها" ولكونها "خذلت الشعب الفلسطيني"، على حدّ تعبيره. وقال إنّ "نموذج الأونروا التشغيلي، الذي يرتبط بشكلٍ متأصّل بمجتمعٍ من المستفيدين الذي يتمدّد بشكلٍ لامتناهٍ ومطّرد يعاني من أزمة دائمة".
ودافع غرينبلات عن القرار الأميركي القاضي بخفض كلّ التمويل الذي تحصل عليه الأونروا، قائلاً إن الفلسطينيين بحاجة إلى بديلٍ " يحظى بمزيد من الثقة وأكثر استدامة". وأضاف "أخشى أنّه حان الوقت بالنسبة إليكم جميعاً لمواجهة حقيقة أنّ نموذج الأونروا قد خذل الشعب الفلسطيني."
وبغضّ النظر عن أيّ شي آخر، إنّ المنطق معكوس في مداخلة غرينبلات هذه، فالأونروا لم تكن السبب في تهجير 700 ألف لاجىء فلسطيني فرّوا أو أجبروا على ترك منازلهم خلال حرب الـ 1948 التي أدّت إلى إنشاء دولة إسرائيل. كما لم تكن الأونروا السبب في استمرار حالة الركود السياسي الذي أغرق خمسة ملايين من أبناء وأحفاد هؤلاء اللاجئين الأوائل، في اليأس والفقر.
لقد تمّ إنشاء الأونروا نفسها في محاولة للتخلّص من أسوأ المشاكل الناجمة عن قضية فلسطين ولتجنّب الكارثة، وهو ما كانت تقوم به بالفعل.
إذا أردتم إنهاء عمل الأونروا، فليس بوسعكم أن تكتفوا بشطبها من الوجود وانتظار نتائج أفضل. عليكم أولاً إيجاد بديل قابل للحياة. وإن أردتم انهاء الحاجة لمنظمة كهذه، فلتعثروا على حلّ سياسي فعلي للصراع الاسرائيلي-الفلسطيني من شأنه أن يمنح الفلسطينيين حقوقهم في المعاملة على قدم المساواة لجهة فرص العمل والرعاية الصحية والتعليم وحقوق الإنسان.
لا شكّ أنّ غرينبلات وترمب يأملان بأن تحقّق ورشة العمل الاقتصادية التي سيحضرانها الشهر المقبل في البحرين هذا الهدف. وقد أعلنا، في بيانٍ للبيت الأبيض هذا الأسبوع، أنّ الورشة ستعمل على تحقيق "مستقبل زاهر للشعب الفلسطيني والمنطقة" من خلال "الحوكمة الاقتصادية، وتطوير الرأسمال البشري وتسهيل النموّ السريع للقطاع الخاص."
يشكّل هذا جزءاً من المشكلة فحسب.
ليس بوسعكم تغيير الوضع الاقتصادي بشكلٍ فعال على الأرض ما لم تملكوا حريّة الحركة للبشر وللسلع أيضاً. ولاتستطيعون محاربة الفقر وتحفيز النمو الاقتصادي الجماهيري إذا استمرت إسرائيل في تدمير منازل الفلسطينية وبناء المستوطنات الاسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية، بوتيرة متعاظمة. ولا يمكنكم بناء اقتصاد سليم إن بقي الفلسطينيون محرومين من الحصول على مواردهم الطبيعية. كما أنّ ذلك كله لن ينجح أيضاً إذا واصلت الفصائل الفلسطينية تقاتلها.
حمّل غرينبلات خلال اجتماع مجلس الأمن، جماعتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني المسلّحتين مسؤولية ما يعانيه السكان في غزة قائلاً إنه "لا يمكن إصلاح أيّ شيء بشكلٍ مجدٍ ما لم ينبذوا العنف."
وهذا أيضاً ليس سوى جزءٍ من المشكلة.
أتفق مع الرأي القائل بأنّ المساعدة التي لاتنتهي لاتُعتبر حلّاً طويل الأمد. ولكن، القليل من الاستثمار والنموّ في القطاع الخاص من دون إحداث تغييراتٍ على الأرض لايشكّل حلّاً هو الآخر.
على كلّ حال، فعلى المدى القصير الكارثي، سيتعذر إصلاح الضرر الذي ستتمخض عنه الأزمة الإنسانية التالية من دون الدعم الذي تقدّمه الأونروا للفلسطينيين، وفي ظلّ غياب أيّ بديل قابل للتطبيق.
© The Independent