تسابق إندونيسيا الخُطى أخيراً في زيادة طرق استخدامات زيت النخيل كوقود حيوي، في محاولة لاعتماد بدائل بيئية تتماشى مع خططها بتقليل انبعاثات الكربون للحد من آثار التغير المناخي للالتزام بتعهداتها، خصوصاً مع رئاستها لقمة العشرين المقبلة، وسعي منظمة "آسيان" الحثيث نحو الطاقة المتجددة القائمة على زيت النخيل التي من الممكن أن تسهم في حل مشكلة الطاقة العالمية.
كما أعلنت الحكومة الإندونيسية عن قرارات عدة دخلت حيز التنفيذ، فشركة الطاقة الحكومية بدأت باستخدام الوقود الحيوي المستخلَص من زيت النخيل في محركات الطائرات. لكن الدول الغربية، بخاصة الاتحاد الأوروبي، وقفت بالمرصاد لخطط آسيان بتأهيل زيت النخيل وزيادة استعمالاته، فالغرب لا يرى في تلك المادة طريقة مستدامة بيئياً، فأصدر الاتحاد الأوروبي قانوناً بالتوقف التدريجي عن استخدام زيت النخيل باعتباره وقوداً حيوياً حتى عام 2030. وأثار القرار حفيظة إندونيسيا وماليزيا أكبر مصدري زيت النخيل إلى العالم، إذ يقارب سعر الطن الألف دولار، ويشكل حوالى 2.5 من الناتج الإجمالي المحلي الإندونيسي، فيما افتتحت دول في جنوب شرقي آسيا مراكز عالمية إقليمية في السعودية لتلبية الطلب المتزايد على زيت النخيل بالتزامن مع التعافي الاقتصادي العالمي.
ووصف بعض المسؤولين القرار الأوروبي بمنع زيت النخيل بكونه قراراً "عنصرياً وسياسياً"، هدفه التأثير على الاقتصاد الإندونيسي بشكل كبير، ونابع من نزعة حمائية مخفية باتهامات مختلفة.
المادة الخام الأكثر استخداماً
ويُعد زيت النخيل من المواد الطبيعة الخام الأكثر استخداماً عالمياً، ونتيجة لخصائص المنتجات الوظيفية فإن الطلب عليه في تزايد خلال الأربعة عقود الماضية. ويُستخدم زيت النخيل وزيت نواة النخيل في مكونات منتجات عدة، فأكثر من نصف السلع الموجودة على رفوف محلات التموين والأغذية تحتوي مكوناتها على زيت النخيل، متضمنةً منتجات الطعام وغيرها.
كما يدخل زيت النخيل في تصنيع زيت القلي ومنتجات الطعام والوجبات الخفيفة ومنتجات العناية الشخصية والجمال إلى جانب الوقود الحيوي والطاقة وطعام الحيوانات والمنتجات الأدوية والمنتجات الصناعية وخدمات الغذاء وخدمة التصنيع.
الزيت الضار
ويقول الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) إن "زيت النخيل الطاغي على معظم مكونات الطعام عالمياً له أضرار على الكوكب وسكانه، إلى جانب خطورته على الغابات الاستوائية المطيرة، وفقدان السيطرة في تنظيف هذه الغابات من أجل زيت النخيل واستزراعه قد يتسبب في خسارة هذه الغابات الغنية بالتنوع الحيوي، وكذلك خسارة وتدمير الفصائل النادرة مثل الأورانجوتان والنمور والأفيال ووحيد القرن". وتابع "كما يسهم قطع أشجار النخيل في إطلاق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الهواء أثناء إزالة الغابات المطيرة، حيث تحتوي التربة على حوالى 45 في المئة من الكربون الأرضي في العالم، وقطعها يشبه إطلاق قنبلة كربونية. ومن بين الأمور الأخرى التي يُتهَم بها زيت النخيل، هي كون مزارعه تعمل على تسريع ارتفاع درجات الحرارة العالمية".
وتتسبب زراعة أشجار زيت النخيل في تجريف التربة، عند إزالة النباتات الموجودة لزراعة النباتات الجديدة، ما ينتج عنه تآكل التربة المحيطة بها، ويُفضي ذلك أيضاً إلى تدهور جودة التربة مع امتصاص أشجار زيت النخيل العناصر الغذائية ويقلص من مستوى العناصر الغذائية المتبقية للأشجار الأخرى.
وعلى الرغم من انتقاد "الصندوق العالمي للطبيعة" إلا أن زيت النخيل أكد أنه من أكثر زيوت النباتات فاعلية في النمو فلا يحتاج إلا مساحات قليلة من الأراضي مقارنةً مع باقي زيوت البذور الأخرى. ووصل سعر زيت النخيل الماليزي إلى 928 دولاراً أميركياً لكل طن، بينما وصل في عام 2019 إلى 763 دولاراً.
إنتاج الوقود الحيوي
وتحاول بلدان عدة التخلي عن الوقود الأحفوري، باعتباره من ملوثات البيئة ومسببات انبعاثات الكربون، والانتقال إلى الوقود الحيوي، الذي يُنتَج من المصادر الحيوية المتجددة باعتباره طاقة متجددة تُستمد من الكائنات الحية النباتية أو الحيوانية. ومن بين هذه الدول، إندونيسيا التي تُعَد من أكبر الدول المنتجة للوقود الحيوي، فهي الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة، المعتمدة على زيت فول الصويا في إنتاج الوقود الحيوي، والبرازيل التي تعتمد بشكل كبير على الإيثانول الحيوي في مجال الطاقة الحيوية، حيث تركز إندونيسيا بشكل رئيس على تطوير وتسريع استخدام الوقود الحيوي.
وتمتلك جاكرتا برنامجاً طموحاً يهدف لاستخدام الوقود الحيوي بنسبة 30 في المئة اعتماداً على زيت النخيل، والمعروف باسم بي 30 (B30)، الذي يهدف إلى تقليل استخدام الوقود الأحفوري وخفض استيراد الوقود إلى جانب زيادة الإنتاج الداخلي لزيت النخيل. كما يُعَد البرنامج ضمن خطة العمل لإندونيسيا لبلوغ هدفها الوطني بخصوص الطاقة المتجددة. ويوفر زيت النخيل، الغالبية العظمى من الوقود الحيوي في إندونيسيا، إذ يمثل حوالى 39 في المئة من إجمالي الوقود الحيوي المستخدَم في البلاد.
وفي إطار تنفيذ هذه الخطة، أعلنت شركة الطاقة المملوكة للدولة في إندونيسيا، "بيرتامينا"، هذا العام، التزامها التحول للوقود الحيوي الناتج من زيت النخيل، وذلك لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغاز الهيدروكربوني بنسبة تتراوح ما بين 20 و50 في المئة.
ويشهد زيت النخيل ازدهاراً يعود إلى خطط التعافي الاقتصادي. ووفقاً للرابطة الإندونيسية، انتعشت خلال العام الحالي صناعة زيت النخيل، بخاصة مع ارتفاع أسعاره وتوقع زيادة الطلب عليه بالتزامن مع التعافي الاقتصادي في بلدان العالم.
ويرى مسؤولون إندونيسيون أن زيت النخيل ليس فقط بديلاً للوقود الأحفوري، بل حلاً لأزمة الطاقة التي ألقت بظلالها على عدد من الدول الكبرى في الفترة الماضية. وأكد رئيس رابطة زيت النخيل الإندونيسي، أن "الطاقة المتجددة القائمة على زيت النخيل يمكنها أن تسهم في حل مشكلة الطاقة العالمية". وأشار إلى إمكانية أن يصير زيت النخيل حلاً أو بديلاً لمصادر الطاقة المتجددة، ما يجعل منه صناعةً بارزة في قطاع الطاقة.
ووصل إنتاج إندونيسيا من الديزل الحيوي من زيت النخيل العام الماضي، إلى حوالى 7 ملايين طن، في قفزة كبرى عما أنتجته البلاد في عام 2015 حيث قُدِّر الإنتاج بـ 1.4 مليون طن. أما في الجارة ماليزيا، فوصل ناتج الوقود الحيوي من زيت النخيل لعام 2020 إلى حوالى 880 ألف طن، في زيادة مطردة عن عام 2015 بما يقرب من 25 في المئة.
النخيل يقتل الغابات
لطالما انتُقد استخدام زيت النخيل في الوقود الحيوي وزراعته، من قبل الدول الغربية والجماعات البيئية، باعتباره ضاراً للبيئة ويتسبب في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وإزالة الغابات وتسريع الاحتباس الحراري، وهو ما يهدد الخطط الطموحة التي تقدم عليها ماليزيا وإندونيسيا في الركون إليه كمصدر للوقود الحيوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما يُعتقَد أن البرنامج الطموح الذي تعمل عليه إندونيسيا له وجه آخر يمكنه أن يتسبب بأضرار بيئية محتمَلة، فالطلب المتزايد على الوقود الحيوي في البلاد، سيخلق حاجة إلى مزيد من الإمدادات الآمنة والمستدامة على المواد الأولية المتمثلة في أشجار زيت النخيل، فيما يطالب مختصون وناشطون بيئيون بتنويع مصادر الطاقة التي تستخدمها البلاد في إنتاج الوقود الحيوي لتشمل زيت الطعام المستعمل، والكائنات الدقيقة مثل الطحالب.
وتلقي الدراسات البيئية العلمية الضوء على وجود آثار ضارة على البيئة ناتجة من استخدام المحاصيل الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي، فعلى الرغم من أن زيادة الطلب على إنتاج الوقود الحيوي بواسطة زيت النخيل كان لها جانب إيجابي مثل زيادة الوظائف وتقليل معدلات الفقر، وكذلك خفض كمية انبعاثات الغازات الدفيئة في البلاد، لكن عمليات الزراعة ارتبطت بإزالة الغابات وبشكل غير مباشر بتغير استخدام الأراضي. فيما أوصت الدراسات الدول بأخذ زمام المبادرة في تطوير صناعة الطاقة الحيوية باستبدال المحاصيل الغذائية بمواد أولية أخرى تكون أكثر استدامة.
وعلى الرغم من الاعتماد الكلي على الوقود الحيوي من زيت النخيل، فإن استخدام مزيد من الأراضي لزراعة أشجار النخيل قد يغير الأوضاع البيئية في المستقبل، ما يُنذر بتهديد مزيد من الغابات، وذلك بفعل زيادة الطلب على الوقود.
وتقابل دراسات أخرى مناهضة للنخيل وزيته بدائل نباتية كزيت عباد الشمس أو الصويا، وتثبت أن تلك المحاصيل قد تستهلك مزيداً من الأراضي، وزيادةً في ريها بالمياه وتزويدها بالأسمدة مع إنتاجية أقل وعمر أقصر وتخزين أقل لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الاتحاد الأوروبي
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، أقرّ الاتحاد الأوروبي قانوناً للتخلص التدريجي من استخدام زيت النخيل في الوقود الحيوي بدءاً من عام 2030 باعتباره يسبب ضرراً على البيئة. وكانت دراسة في عام 2015 ممولة من المفوضية الأوروبية، خلُصت إلى أن زيت النخيل والصويا لديهما أعلى نسبة انبعاثات دفيئة بشكل غير مباشر بسبب إزالة الغابات. وتسبب هذا القرار في استياء كبير لدى ماليزيا وإندونيسيا أكبر دولتين مصدرتين لزيت النخيل بنسبة تصل إلى 85 في المئة من الناتج العالمي.
ويمثل الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر سوق لزيت النخيل لكل من إندونيسيا وماليزيا، حيث صدرت جاكرتا إلى الاتحاد الأوروبي حوالى 4.37 مليون طن في عام 2016، بينما وصلت واردات زيت النخيل الماليزي إلى التكتل الأوروبي لما يصل إلى 2.6 مليون طن.
ونتيجة لهذا القانون الذي وضعه الاتحاد الأوروبي بالتخلص التدريجي من استخدام الوقود الحيوي من زيت النخيل حتى عام 2030، رفعت الحكومة الماليزية والإندونيسية كل على حدة، دعوى أمام منظمة التجارة العالمية باعتبار إجراءات بروكسل تمييزية. وفي مايو (أيار) الماضي، وافقت المنظمة على تشكيل لجنة لمراجعة قانون الاتحاد الأوروبي عن تقييد استخدام الوقود الحيوي الناتج من زيت النخيل.
كما أقدمت ماليزيا على محاولة نفي التهم الخاصة بكون زيت النخيل غير مستدام في الموازنة بين حماية البيئة وصناعة الزيت، وأنشأت خطة وطنية إلزامية لإصدار الشهادات لاستدامة إنتاج زيت النخيل تُعرف باسم "أم أس بي أو" (MSPO) نالت تقدير كثيرين من بينهم بيئيون.
وأعربت وزيرة الصناعة الماليزية زريدة قمر الدين أخيراً عن "ضرورة تكاتف الدول المنتجة لزيت النخيل في فضح الخرافات المحيطة به، والاستفادة من التطورات التكنولوجية لمواجهة الدعاية المضادة له، والتأكيد على كونه محصولاً أكثر كفاءة مقارنة مع المحاصيل الأخرى المنتجة للزيت". فيما تعهدت ماليزيا وإندونيسيا في أكتوبر الماضي على تكثيف التعاون الثنائي في صناعة زيت النخيل والتصدي للحملات السلبية عنه.
تسويق عالمي
وتعمل الدول المصدرة لزيت النخيل على تسويق منتجها، ومحاربة ما يتعرض له من هجمات وانتقادات خاصة في الدول الغربية. فأعلنت إندونيسيا وماليزيا أخيراً عزمهما على تكثيف العلاقات بينهما والتعاون في مجال زيت النخيل من خلال إطلاق حملات فعالة ومؤثرة عن منتجهما، تحقق الهدف من الرد على الحملة السيئة التي تواجهه.
إلى جانب ذلك، تطمح ماليزيا في جعل المملكة العربية السعودية مركزاً لزيت النخيل في منطقة الشرق الأوسط، حيث أعلنت زيادة صادراتها من زيت النخيل إلى الرياض من 300 ألف طن إلى 500 ألف طن بقيمة 1 مليار رنجت ماليزي تقريباً.
كما أعلنت وزارة الصناعات الزراعية والسلع الماليزية في مارس (آذار) الماضي، عزمها إنشاء مكتب إقليمي ماليزي للسلع الزراعية في جدة، للاستفادة من إمكانات سوق السلع الزراعية في البلاد وفي الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، الذي سيشمل أيضاً مجلس زيت النخيل الماليزي. ووفق تصريحات الوزير، سيمنح المكتب الجديد للشركات المحلية في ماليزيا الفرصة لتصدير زيت النخيل بكميات أكبر وتعزيز قبول منتجاته زيت الماليزي في الأسواق العالمية.