بينما تكافح الصين مع تباطؤ الاقتصاد، بسبب التداعيات السلبية والعنيفة التي خلفتها جائحة كورونا، تشير البيانات إلى أن عملتها "اليوان" تفوقت بنسبة كبيرة على الدولار الأميركي هذا العام، حتى مع استعداد البنك المركزي الأميركي لرفع أسعار الفائدة.
ووفق البيانات فإن العملة الصينية ارتفعت بأكثر من 8 في المئة خلال العام الحالي، وذلك وفقاً لمؤشر يقيس أداء اليوان مقابل 24 عملة أخرى يجري تداولها داخل الصين. كما اكتسب اليوان مكاسب مقابل الدولار، حيث ارتفع ما بين 2.4 و2.8 في المئة هذا العام مقابل الدولار في تداولات "اليوان" خارج الصين.
وكلا الإصدارين الآن في أعلى مستوياتهما مقابل الدولار في ثلاث سنوات أو أكثر. ويجري تداول السعر الخارجي حالياً عند 6.34 يوان لكل دولار، وهو مستوى لم نشهده منذ مايو (أيار) من عام 2018.
وكانت مكاسب اليوان هذا العام هي "الأفضل في العالم"، كما قال مارك تشاندلر، العضو المنتدب لشركة "بانو كبيورن غلوبال فروكس"، وهي شركة تجارية لأسواق رأس المال، مقرها أوهايو.
لماذا قفز اليوان بنسبة كبيرة؟
في مذكرة بحثية حديثة، قالت رئيسة استراتيجية الاقتصاد الكلي للصين في بنك "ستاندرد تشارترد"، بيكي ليو، إن الصادرات المزدهرة والأموال الساخنة التي تسعى إلى تحقيق عائدات كبيرة نسبياً على سندات الحكومة الصينية كانت وراء هذا الارتفاع، على الرغم من ضعف النمو الاقتصادي.
ويمكن أن يستمر الأداء القوي للعملة الصينية حتى عام 2022، حتى مع معاناة الاقتصاد الصيني من موجة التضخم، وتسببت أزمة الطاقة في إغلاق عدد كبير من المصانع، وتباطؤ كبير في العقارات، إضافة إلى الحملة التنظيمية المستمرة التي تستهدف القطاع الخاص.
وبينما رجح "ستاندرد تشارترد"، أن يرتفع سعر اليوان إلى 6.3 للدولار في الأشهر القليلة الأولى من العام المقبل، يشير المحللون في "غلومان ساش"، إلى أن الأمر نفسه قد يحدث في النصف الأول من عام 2022، لأسباب مماثلة. ففي عام 2014، لامس اليوان الخارجي ما يقرب من 6.01 مقابل الدولار، وهو أعلى مستوى له منذ أن أجرت الصين إعادة تقييم تاريخية لعملتها في عام 2005.
وهناك إيجابيات لهذا الاتجاه. فكلما كان اليوان أقوى، زادت احتمالية احتفاظ البنوك المركزية بقدر كبير من العملة في الاحتياطي، مما يعزز استخدامها العالمي. كما يمكن أن يساعد في جعل الواردات أرخص وكبح التضخم المرتفع. تشتري الصين كثيراً من السلع المسعرة بالدولار.
لكن هناك جانباً سلبياً كبيراً إذا ارتفعت العملة بسرعة كبيرة. ونظراً إلى قوة الصادرات الصينية في الوقت الحالي، فإن ارتفاع سعر العملة يمكن أن يتسبب أيضاً في جعل هذه الصادرات أقل قدرة على المنافسة في الخارج. بالنظر إلى مدى أهمية التجارة بالنسبة إلى اقتصاد الصين، فقد يهدد ذلك تعافياً هشاً بالفعل.
صادرات قوية في 2021
وتضرر الاقتصاد الصيني في الأشهر الأخيرة، بسبب اضطرابات الشحن وأزمة العقارات المتفاقمة. كما أسهمت أزمة الطاقة الشديدة، التي خفت حدتها منذ ذلك الحين، في توسع الاقتصاد بأضعف معدل له في الربع الأخير من العام الحالي، وفق ما ذكرته شبكة "سي أن أن" في تقرير حديث.
ومع ذلك، فقد صمدت الصادرات الصينية بشكل جيد. ووصلت الشحنات من الصين إلى 325.5 مليار دولار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بزيادة 22 في المئة عن العام السابق، وفقاً للإحصاءات الحكومية. وارتفعت الصادرات خلال الأشهر الـ 11 الأولى من العام 31 في المئة، لتصل إلى أكثر من 3 تريليونات دولار، أي أكثر من عام 2020 بأكمله.
وأرجع المحللون هذا الأداء بشكل أساسي إلى تعزيز الطلب على السلع الصينية مع تعافي العالم من جائحة كورونا. كما تجنبت الصين، التي اتبعت نهج عدم التسامح المطلق مع فيروس كورونا، إلى حد كبير الاضطراب الذي يعانيه المصدرون المنافسون، مثل فيتنام وإندونيسيا، بسبب تفشي كورونا في هذه الدول.
ويرى لاري هو، رئيس اقتصادات الصين في مجموعة "ماكواري"، أن "السبب الرئيس لارتفاع اليوان هو حجم الأموال المتدفقة إلى الصين، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع الصادرات. وقال إنه من المحتمل أن تظل الصادرات قوية حتى مع استجابة العالم لمتحورة "أوميكرون"، بخاصة أن الصادرات الصينية لم تتأثر بسبب المتحورة دلتا".
وأشار تقرير "ستاندرد تشارترد" إلى أن صادرات الصين قد تحصل على دفعة مع زيادة الولايات المتحدة لطاقة الشحن. وأشار محللو البنك، في مذكرة بحثية، إلى أن القيود المفروضة على هذه السعة يجب أن تخفف مع زيادة عمليات الموانئ الأميركية.
المراهنة الكبيرة على السندات الصينية
سبب آخر لارتفاع اليوان، وفقاً للمحللين، هو مقدار الحماس الدولي للسندات الصينية. فقد ارتفعت قيمة السندات المقومة باليوان التي يحتفظ بها المستثمرون الدوليون للشهر الثامن على التوالي في نوفمبر لتصل إلى 3.9 تريليون يوان (620 مليار دولار)، وفقاً لبيانات بنك الشعب الصيني.
وتسارعت الاستثمارات العالمية المتدفقة على السندات الصينية، بعد أن أضافت "فوتسي راسل"، مزود المؤشر العالمي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سندات الحكومة الصينية إلى مؤشر السندات الحكومية العالمية الرائد. وهذا واحد من أكثر معايير السندات العالمية استخداماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما يتوقع المحللون في "إي أن زد"، أن يؤدي إدراج الصين في المؤشر إلى استثمار ما قيمته 130 مليار دولار في سندات الحكومة الصينية على مدى السنوات الثلاث المقبلة. كما قدروا أن المستثمرين الأجانب سيمتلكون ما قيمته 4 تريليونات يوان (625 مليار دولار) من السندات الصينية الداخلية بحلول نهاية هذا العام.
وكتب المحللون في تقرير بحثي الشهر الماضي، إن "المخاوف من مخاطر الهبوط على توقعات النمو في الصين على المدى القريب لن تمنع المستثمرين الأجانب من زيادة مخصصاتهم للأصول الصينية". وأضافوا أن المستثمرين العالميين يسعون وراء عوائد "جذابة" من سندات الحكومة الصينية.
وتقدم الصين الآن عائداً لمدة 10 سنوات بنسبة 2.9 في المئة، مقارنة مع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات، الذي يبلغ 1.44 في المئة. وتوقع محللو "إي أن زد"، أن تحافظ هذه السندات على جاذبيتها بمساعدة التقلب المنخفض لليوان، الذي لا يزال لا يتداول من دون تدخل حكومي تماماً.
استقرار ارتفاع اليوان مقابل الدولار
وربما تتدخل بكين حتى الآن لكبح الارتفاع السريع لليوان. حيث أعلن بنك الصين الشعبي أنه سيرفع نسبة متطلبات احتياطي النقد الأجنبي إلى 9 في المئة مقابل نحو 7 في المئة، وهي الزيادة الثانية للنسبة هذا العام. وستجبر هذه الخطوة المؤسسات المالية الصينية على الاحتفاظ بمزيد من الأموال الأجنبية كاحتياطي، وقد جرى تفسيرها على نطاق واسع على أنها محاولة لتهدئة ارتفاع اليوان.
كتب جوراف جارج وفيليب ين، المحللان في "سيتي غروب"، إن "هذه واحدة من أقوى الإشارات على أن البنك المركزي غير مرتاح لوتيرة رفع قيمة اليوان".
وكان البنك المركزي الصيني قد حذر الشهر الماضي بالفعل من أن المؤسسات والشركات المالية يجب أن تمتنع عن وضع رهانات "مضاربة" على اليوان. وقال محللون إن المنظمين قلقون من أنه إذا كان اليوان قوياً للغاية، فإنه سيضر بالقدرة التنافسية للسلع الصينية في جميع أنحاء العالم. ويمكن أن تهتز الأسواق المالية أيضاً، بسبب التدفق السريع لرأس المال إذا ارتفعت العملة بسرعة كبيرة جداً.
وقال "ستاندرد تشارترد"، إنه "من المرغوب فيه أن يظل اليوان مستقراً إلى حد كبير بالنسبة إلى السلطات الصينية". ومع ذلك، فإنه يتوقع أن "تظل الاحتمالات منخفضة بأن تنشر الصين تدخلاً مباشراً ثقيلاً، مثل الشراء المباشر للدولار وبيع اليوان". وقد يؤدي رفع سعر الفائدة الأميركية مرة أو مرتين أيضاً إلى تخفيف حدة اليوان، حيث تتجه الصين في الاتجاه المعاكس للسياسة النقدية في محاولة لتعزيز النمو.
وكتب محللو "غولدمان ساكس"، في تقرير بحثي حديث، "ما زلنا نتوقع مزيداً من المكاسب في اليوان، لكن بوتيرة أكثر تدريجاً"، مشيرين إلى أن "شركاء الصين التجاريين الرئيسين" بدأوا في تشديد السياسات.