تابع العالم باهتمام جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لجهة التوقيت والنتائج. شملت الجولة دول مجلس التعاون الخليجي بدءاً من سلطنة عمان وصولاً إلى الكويت، أي من جنوب الخليج العربي إلى شماله، مروراً بالإمارات وقطر والبحرين. معلقون عرب تناولوا الجولة من زوايا عدة. أحدهم كتب "تبدو مثل زيارات داخلية". وقال آخر "الجولة تعزز التكاتف الخليجي". وأضاف ثالث "الزيارة قد تُفضي إلى تغييرات إيجابية مع بعض دول الجوار… سيكون لها الأثر الطيب في العلاقات بين دول المنطقة وحل الخلافات من دون تدخل الدول الكبرى".
وفي المقلب الآخر من العالم، رأت "وول ستريت جورنال" أنها جولة استثنائية في محاولة لبناء توافق في الآراء بشأن التهديد الذي تشكله إيران، بينما تُجري القوى العالمية محادثات لإحياء الاتفاق النووي مع طهران". ولاحظت الصحيفة الأميركية أن جولة ولي العهد بدأت في اليوم الذي زار فيه الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني الإماراتي طهران والتقى قادتها.
كان يمكن تصنيف الجولة بوصفها حركة سياسية طبيعية وعادية نتيجة العلاقات التي تربط المملكة العربية السعودية بأشقائها الخليجيين، غير أن ظروف وتوقيت حصولها تعطيها أهمية إضافية بما لا يُقاس. فهي جاءت أولاً عشية استضافة الرياض لقمة مجلس التعاون الـ42 في 14 من الشهر الحالي، وبعد قمة العُلا التي أعادت ترتيب البيت الخليجي .
والجولة ومعها القمة تكتسبان رمزية خاصة إذ إنهما تصادفان مع مرور 40 عاماً على تأسيس المجلس الذي عليه أن يبحث في تطوير هياكله على طريق تحقيق حلم قادته المؤسسين في الاتحاد والتقدم وبناء عوامل القوة في محيط تسوده المنافسة والتوترات .
ثانياً، تمت جولة ولي العهد إثر زيارة مهمة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة، رُسم خلالها إطار موحّد لرؤية مشتركة لأوضاع المنطقة والعالم، تناولت بالتفصيل الموقف من خطورة السياسة الإيرانية وتدخلاتها في لبنان واليمن ودول أخرى، إلى جانب التأكيد على ضرورة تسوية المشكلات الإقليمية استناداً إلى القرارات الدولية والاتفاقات المنجزة .
ثالثاً، سبق الجولة انعقاد القمة الأميركية الروسية التي تناولت مختلف القضايا الدولية الحادة ومنها ما يتصل بالاهتمامات العربية والخليجية خصوصاً.
وعلى الرغم من كثرة التحليلات والتوقعات، تميّزت القمة "بالجدّية والاحترام المتبادل" وأطلقت عليها صحيفة "زافترا" الروسية صفة "قمة التحلّي بالمسؤولية".
وقال الكرملين إن المحادثات بشكل عام كانت صريحة وعملية، وتطرقت بشكل خاص إلى تنفيذ نتائج القمة الروسية الأميركية المنعقدة في جنيف (يونيو/حزيران 2021).
رابعاً، تزامنت الجولة مع عودة المفاوضات في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، وهي مفاوضات تشعر المنطقة العربية أنها معنيّة بها مباشرة وبنتائجها .
وترافقت المفاوضات هذه مع مباحثات أميركية - إسرائيلية لوّح خلالها الطرفان بخيارات عسكرية ضد إيران، فيما كانت أصوات أخرى ترتفع على الجبهة الروسية – الأوكرانية، منبئةً باحتمال صدام واسع الشهر المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كل تلك العوامل والتطورات جعلت وتجعل من الحركة السعودية خطوةً شديدة الأهمية والضرورة في الجواب عن سؤال المرحلة: أين الخليج وأين الدول العربية مما يجري في العالم ومن حولها وحتى داخل أراضيها؟ وكان الجواب في نتائج هذه الحركة بالذات، في حصول جولة الأمير محمد بن سلمان وفي ما أسفرت عنه من توافقات ستكون معالم طريق لدول مجلس التعاون وللقمة العربية المفترض انعقادها في الجزائر خلال مارس (آذار) المقبل.
لقد أكدت البيانات المشتركة الصادرة بنتيجة المباحثات السعودية مع دول الخليج الأخرى تمسك المجموعة الخليجية بعلاقات حسن الجوار مع إيران ووقف تدخلاتها في الشؤون العربية وأهمية التعامل بشكل جدي وفاعل مع الملف النووي والصاروخي لطهران بمكوناته وتداعياته كافة.
وتطابقت مواقف دول مجلس التعاون في النظرة إلى مختلف المسائل المطروحة، من اليمن إلى لبنان والعراق والسودان وليبيا وسوريا، انطلاقاً من علاقات ثنائية وطيدة ومتطورة بين السعودية وهذه الدول، وستجد هذه المواقف صيغها النهائية في قمة الرياض الخليجية .
كانت جولة ولي العهد السعودي تجسيداً لـ"لحظة الخليج" في بحر الأزمات المتلاطم. التقطت السعودية هذه اللحظة في التوقيت المناسب وحوّلت المنطقة العربية الخليجية من متلقٍّ لما يتقرر في عواصم العالم إلى شريك فاعل، وهذه هي السياسة التي تنتظرها الشعوب العربية وتراهن عليها .