بدأ الحديث السياسي في ليبيا ينتقل من الجدل بشأن الانتخابات وفرص المرشحين فيها ومن سيستمر في السباق الرئاسي أو يغادره بقوة القانون وأحكام القضاء، إلى النقاش في شأن السيناريوهات المطروحة أو المحتملة في حال تأجيل موعد الاقتراع الذي بات خياراً مرجحاً بقوة.
وعلى الرغم من إعلان المفوضية العليا استعدادها للخيارات البديلة في حال تأجيل الانتخابات، إلا أن محلليين حذروا من تداعيات محتملة لتأخير الاستحقاق الانتخابي على المستوى السياسي، بعد تراجع الأخطار في شأن الاحتكام للسلاح مجدداً، واللافت هو التقارب بين قادة الجيش أو الجيشين في بنغازي وطرابلس، وحديث مفاجئ عن اتفاق متكامل الأركان لتوحيد المؤسسة العسكرية.
بدائل في حال التأجيل
رمى رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح الكرة في ملعب البرلمان بشأن تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، قائلاً إن "مسألة تأجيل الانتخابات تخضع لعدد كبير من المتغيرات السياسية أو الفنية أو القانونية، وإن السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب وحدها من يقرر التأجيل أو الإبقاء على الموعد المحدد لتنفيذ العملية الانتخابية".
وأكد السايح استعداد المفوضية للخيارات البديلة إذا ما تأجلت الانتخابات، مشيراً إلى أن "طبيعة تنفيذ العملية الانتخابية تتطلب دائماً وضع الخطط البديلة بسبب ارتباطها بتطور الأحداث السياسية غير المستقرة، ولكي تكون المفوضية جاهزة لأية مفاجآت يجب عليها أن تضع ما يكفي من الخطط للتعامل مع الشأن السياسي المتقلب".
وتحدث عن الصعوبات التي تواجه خطط المفوضية لإجراء الانتخابات التي قد تدفعها إلى خيار التأجيل، ومنها الاعتصام في مقرها في طرابلس، الذي قال إن "الهدف الوحيد منه هو عرقلة عمل المفوضية وتعطيل قدراتها على تنفيذ مهماتها الموكلة إليها بموجب القانون".
ولمح السايح إلى الصعوبات الأمنية التي تواجه تنفيذ العملية الانتخابية في موعدها المحدد، مشيراً إلى أن "وزارة الداخلية تواجه مشكلات كبيرة في تأمين كامل العملية الانتخابية في المدن الليبية كلها".
رصد المرشحين المخالفين
من جانبه، نفى مستشار رئيس مجلس النواب فتحي المريمي أن يكون تأجيل الانتخابات غاية في حد ذاته بالنسبة إلى البرلمان، لكنه شدد على أن "المجلس يعمل على إخراج المرشحين المخالفين لقوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".
وضرب المريمي مثلاً برئيس الحكومة الحالية عبدالحميد الدبيبة، قائلاً إنه "تعهد ألا يدخل الانتخابات مثله مثل المجلس الرئاسي، وهذا كان شرطاً ضمن الشروط لحصوله على وظيفته".
ولفت إلى أن "قسم الدبيبة أمام المجلس يلزمه بعدم دخول الانتخابات، إضافة إلى شرط التوقف عن العمل قبل المدة الرسمية المحددة بثلاثة أشهر".
وقال "ليس لدى مجلس النواب نية لتأجيل الانتخابات وهو الذي أخرج القوانين الانتخابية لتجري في موعدها، لكن هناك مخالفات للقوانين طرأت عند تقديم ملفات المرشحين للرئاسة والبرلمان، وسنحاول الوقوف على هذه المخالفات الخاصة بالعملية الانتخابية".
خطر تجدد الانقسام
في المقابل، حذر مراقبون من نتائج تأجيل موعد الاقتراع على المشهد السياسي، واحتمال عودة الانقسام بين المؤسسات السياسية على المستويين التشريعي والتنفيذي، مع تراجع الأخطار الأمنية لتأجيل الحدث الانتخابي بسبب التقارب غير المسبوق بين الأطراف العسكرية، والتقدم الكبير في خطط توحيد الجيش وسحب القوات الأجنبية من البلاد.
وبدأت تظهر المخاوف من التداعيات السياسية لإرجاء موعد الانتخابات مع بروز مؤشرات هذا التأجيل، وذلك بإعلان الحكومة الموحدة في بيان رفضها تسليم مهماتها إلا إلى سلطة منتخبة، وهو الأمر الذي يتوقع أن يرفض من قبل أطراف كثيرة شرق ليبيا وعلى رأسها البرلمان، ويفتح الباب من جديد لظهور حكومة موازية في بنغازي.
وكان اتفاق جنيف الذي انبثقت عنه الحكومة مطلع 2021، حدد نهاية ولايتها في نهاية ديسمبر المقبل، بعد نهاية العملية الانتخابية التي كلفت الإشراف عليها.
الحكومة ترفض التأجيل
في السياق، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية المكلف رمضان أبو جناح، الأحد 12 ديسمبر، إن "حكومة الوحدة لن تسلم مهماتها إلا إلى السلطة التي تنتخب في ديسمبر"، مشدداً على ضرورة أن "تتم المحافظة على ما تحقق من استقرار عبر الانتخابات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال أبو جناح خلال مؤتمر صحافي عقده مع عدد من وزراء الحكومة في طرابلس، إن "حكومة الوحدة داعمة لقيام الانتخابات في موعدها".
وفي خصوص مراجعة الطعون الانتخابية لبعض المرشحين الذين تم استبعادهم وعادوا إلى السباق الرئاسي بأحكام قضائية ومن بينهم رئيس الحكومة الدبيبة، شدد أبو جناح على أن "القضاء قال كلمته في شأن الطعون الانتخابية".
وأكد وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية اللواء خالد مازن خلال المؤتمر الصحافي نفسه، أن "الأمور كلها تسير وفق خطة الوزارة لإجراء الانتخابات، وأن الوزارة أكملت الاستعدادات الخاصة بتأمين العملية المرتقبة".
ظهور جديد للبرلمان الموازي
وفي طرابلس أيضاً، ووسط الانقسام والجدل بشأن مصير العملية الانتخابية، فوجئ الجميع بظهور جديد للبرلمان الموازي في طرابلس، الذي اختفى من المشهد طوال الأشهر الماضية، بعد أن دعا رئيس مجلس النواب المكلف في العاصمة فوزي النويري أعضاء مجلس النواب لجلسة تشاورية.
وقال النويري إن "الجلسة ستنعقد في طرابلس لمناقشة تطورات العملية السياسية في البلاد".
وانتقد عضو مجلس النواب سعيد امغيب دعوة النويري إلى جلسة لمجلس النواب في العاصمة، قائلاً إن "الإعلان عن عقد جلسة تشاورية لمجلس النواب في مدينة طرابلس لا يمكن تفسيره إلا بمحاولة عودة انقسام مجلس النواب وتأجيل الانتخابات".
وأضاف، "المقر الدستوري لمجلس النواب مدينة بنغازي والمقر المؤقت مدينة طبرق، وأي جلسة تعقد في أي مكان آخر يعتبر الهدف منها إفساد العملية الانتخابية تحت مسمى تعديل قانون انتخاب الرئيس".
وليامز تصل إلى طرابلس
وسط هذا المشهد السياسي المضطرب والانسداد في مسار العملية الانتخابية، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وصول المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لليبيا ستيفاني ويليامز، الأحد، إلى طرابلس.
وأشارت البعثة إلى أن "وليامز ستعمل على قيادة الجهود الساعية إلى متابعة تنفيذ المسارات الثلاثة للحوار الليبي - الليبي، ودعم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية".
وأشادت البعثة بـ "عمل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، إذ حققت تقدماً كبيراً في الاستعدادات الفنية للعملية الانتخابية، على الرغم من التحديات وضيق الوقت"، مؤكدة "دعم العملية الانتخابية التي يمكن أن تفضي إلى الوحدة والاستقرار وإيجاد مؤسسات شرعية في البلاد".
وتلقت وليامز العائدة لمنصبها الذي شغلته بشكل مؤقت في فترة سابقة، دعماً من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، في بيان مشترك نشر على موقع السفارة الأميركية.
ووفقاً لتغريدة للسفارة الأميركية، أبدت الدول الخمس "دعمها الكامل لجهود ويليامز لمساعدة الليبيين في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية سلمية وحرة ونزيهة وشاملة وذات صدقية، تمهد الطريق لمستقبل موحد ومستقر لليبيا".