في مشهد لا يبدو مألوفاً في قطاع غزّة، تتنقل غدير في منشرتها الصغيرة، بين المنشار الكهربائي الذي تقص به الأخشاب، على شكل مكعبات صغيرة، وجهاز تنعيم وتشذيب الحواف، منهمكة تعمل على طرقها بمسامير كأول خطوة في صناعة الألعاب الخشبية التعليمية للأطفال ذوي الإعاقة البصرية.
ترى غدير أن مهنة النجارة فرصة عمل رائعة لها، على الرغم من خطورتها وصعوبتها، تقول "لا أنظر لعملي في هذه الحرفة بأنني مجبرة على ذلك، بل أتقن وأتفنن في استخدام المنشار الكهربائي، وجميع الآلات الخاصة بالمنشرة".
المنشرة حلم
ولدت فكرة إنشاء منشرة للسيدات لدى غدير منذ طفولتها، حين كانت تزور والدها في ورشته المخصصة لصناعة المنحوتات والديكورات الخشبية البسيطة، وكانت تساعده في قص الأخشاب وتنعيم حوافها والطرق عليها، تضيف "دائماً كنت أقول لوالدي سأصبح أول نجارة في غزّة".
كبرت غدير، وكبر معها حلمها، وبعد تدريب طويل على استخدام الآلات، وطرق تجميع الأخشاب، تمكنت من افتتاح ورشتها المخصصة للسيدات فقط، موضحة أن الدخل المالي للمنشرة بسيط، لكنها في الوقت ذاته تمكنت من توفير فرصة عمل لعدد من النساء ليصبحن فاعلات في المجتمع.
لكل واحدة مهمة
داخل المنشرة ترتدي غدير ثوباً أزرق مخصصاً لأعمال النجارة، وكمامة طبية، ونظارات واقية من غبار الأخشاب المتطاير، وتفرض هذا الزي على جميع العاملات في ورشتها، وترى في هذه الخطوة أنها تطبيق معايير السلامة المهنية.
ضمن مخطط يومي يتم تحضيره في اجتماع الصباح، توزع مهام العمل على الفتيات، كل واحدة منهن تعمل على آلة محددة لإنجاز الطلبات المطلوبة، مشيرة إلى أن ورشتها تستقبل عديداً من المشاريع من المؤسسات التنموية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حالياً، تعمل الفتيات على صناعة الألعاب الخشبية التعليمية والتربية للأطفال ذوي الإعاقة، ومن ضمن منتجاتهن لعبة الطاولة الروسية، توضح غدير قبل البدء بصناعة أي لعبة، أنه يجري تعريف العاملات بالهدف منها والفئات المستهدفة، وبهذه الطريقة تشعر بأنهن يتقن ويتفنن في صناعتها.
منتجاتهن تجوب العالم
وبحسب غدير، فإنهن يصنعن منتجات بجودة عالية، وتصدر إلى الأراضي الفلسطينية وسويسرا، وعدد من الدول العربية والأوروبية، وعادة ما يستفيد من مشغولات النسوة، ذوو الإعاقة والأطفال الذين يعانون من ضمور عقلي.
من بين القطع الخشبية والمسامير، تقول غدير إنها فخورة في مشروعها، بخاصة أنه تطور كثيراً، بعدما افتتحته بأدوات بسيطة لا تتعدى المنشار والمطرقة وبعض المسامير، والقليل من الأخشاب.
التقاليد عائق
من خلال منشرتها، شجعت غدير نساء غزّة على ممارسة كل شيء دون خوف من العادات والتقاليد، فالورشة التي تعمل فيها الفتيات تقع وسط قرية بدوية يحافظ سكانها على معتقداتهم المتوارثة التي تمنع النساء من العمل والخروج من المنزل.
وتوضح بأن عمل السيدات في مهنة النجارة بالنسبة إلى أهالي القرية يعد أمراً غريباً وخارجاً عن المألوف لعدم اعتيادهم رؤية النساء يمارسن مهنة تحتاج إلى جهد عضلي وتعد حكراً على الرجال، لكنهن كسرن هذه النظرية وما زلن يعملن بها وسط هذه العادات البالية.
في الواقع، يعد العمل في المنجرة لباقي الفتيات فرصة ذهبية لتوفير لقمة العيش، بخاصة في ظروف قطاع غزّة الذي ارتفعت فيه مؤشرات البطالة إلى 65 في المئة، وبات 300 ألف من العمال عاطلين دون عمل.