بعد 54 يوماً من المشقات في مواجهة العوائق الجسدية والطبيعية، وصلت أخيراً متسلقة الجبال جويس عزام إلى قمة "إيفرست" الأعلى في العالم، في النيبال، لتصبح اللبنانية الأولى التي تختتم تحدي القمم السبع.
خلال هذه الفترة حرصت عزام على إشراك متابعيها بكل خطوة تقوم بها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، فرافقوها متعاطفين ومشجعين، وهذا ما حفزها أكثر على تحقيق هذا الإنجاز. وعلى الرغم من المرض والإرهاق والمصاعب الكثيرة، لم تتراجع لحظة ولم تترك اليأس يتغلب عليها. قد يكون عشقها للجبال والطبيعة الدافع الأول، لكن شيئاً فشيئاً اتخذت الأمور منحى آخر، لتصبح مثالاً في سعيها إلى نقل اندفاعها إلى الشباب اللبناني.
ففي كل رسالة توجهها، تؤكد عزام أن تحقيق الحلم ممكن مهما كان صعباً ببذل الجهود اللازمة وتحدي الذات والعوائق، كما فعلت عندما تحدت المجتمع بما يحمل من أفكار نمطية سائدة حول دور الفتاة. وليست تجربتها في تسلّق الجبال وبلوغ قممها إلا خير دليل على ما يمكن تحقيقه بالعزم والإرادة.
في العام 2009، اكتشفت عزام عشقها للجبال أثناء تسلّقها قمة "القرنة السوداء" في لبنان، إلا أن القمة الأولى التي تسلقتها من ضمن تحدي القمم السبع كانت عام 2012. وفي كل مرة، كانت تلك الرغبة في تحقيق حلمها وإثبات جدارتها وقدرتها على بلوغ القمم تترسخ فيها أكثر فأكثر.
بعد مرور شهرين على انطلاقها وصلت أخيراً إلى "إيفرست"، حيث مكثت 35 دقيقة مستمتعة بكل لحظة تمر في "القمة الحلم"، متحدثة عن سعادة لا توصف. "يصعب وصف مشاعري حينها بالكلمات، لا بل قد تعجز الصور حتى عن نقل روعة ما شهدته على الرغم من سعيي إلى التقاط أجمل الصور من الأعلى، فالمشاهد تتخطى التوقعات. تملكني شعور لا يصدق عندما رفعت علم لبنان عالياً موقعاً من رئيسي الجمهورية والحكومة. بالنسبة إلي كانت هذه لحظة تاريخية تجمع لبنان، أعتز بها".
الخوف وصولاً إلى القمة
تخلل الوصول إلى ارتفاع 8848 متراً صعوبات لا تخفى على أحد، من عواصف ومرض ومشاهدة حالات وفاة لأشخاص عجزوا عن الاستمرار بسبب التعب أو آخرين أصيبوا بذبحة قلبية، خصوصاً مع ما يمكن التعرض له جراء انخفاض معدل الأكسيجين إلى ما دون الـ40 في المئة.
حرصت عزام بحذر شديد على توفير طاقتها قدر الإمكان تجنباً للمشكلات، التي يمكن أن تعانيها نتيجة الإرهاق كما يحصل مع كثر. فبفضل التدريبات المكثفة والخبرة التي اكتسبتها مع تسلقها حوالى 30 جبلاً في مختلف أنحاء العالم، استطاعت أن تخصص نسبة 60 في المئة من طاقتها لصعود القمة، وأن توفر نسبة 40 في المئة تحتاجها حكماً للعودة نزولاً. علماً أن العودة تكون عبر مسار ضيق، "مخيف أكثر من الصعود"، وفق قولها.
وفيما استغرق الصعود ثماني ساعات و20 دقيقة، استغرق النزول ست أو سبع ساعات. وهي لا تخفي أنها مرضت كثيراً بسبب الإرهاق وتقلبات المناخ.
القمة الأكثر صعوبة
لكل من القمم السبع التي تسلقتها عزام خلال السنوات الماضية صعوبات تميزها. لكن في الوقت نفسه قد تكون قمة "إيفرست" هي الأصعب، وفقها، لأنها تتطلب كثيراً من الاستعدادات والتجهيزات والتدريبات، وبغير ذلك قد لا يكون الاستمرار ممكناً، كما حصل مع كثر.
أما قمة Denali في أميركا الشمالية، فتكمن صعوبتها في ما تتطلبه من اتكال على الذات وحمل المعدات كافة شخصياً من دون الاعتماد على أحد. حينها، كانت ملزمة بحمل 30 كيلوغراماً على ظهرها، إضافة إلى 30 كيلوغراماً على المزلاج.
في المقابل، لكل قمة لذة لا تشبه الأخرى، لدى الوصول إلى أعلاها. طوال عام، عملت عزام جاهدة لتأمين الدعم المادي لتتمكن من تسلق قمة "إيفرست"، فكان لتسلقها أثر بارز في نفسها. وعن تجربتها تقول "كنا نملك التجهيزات والخيم، إضافة إلى التوجيهات المحترفة لنتخطى العوائق. كما كنا على علم بتقلبات الطقس والعواصف التي قد نواجهها وعلى استعداد لها. وعلى الرغم من ذلك، لم يكن سهلاً أن نجد أنفسنا في داخل خيمة والعواصف تشتد في الخارج، مع ما يترافق معها من انزلاق للثلوج لا نعرف متى تدفننا تحتها. لن أنكر أن الجهد النفسي قد يتخطى ذاك الجسدي أحياناً في تجربة من هذا النوع، وكثر قد يفقدون أعصابهم في ظروف كهذه. شخصياً، كنت على أتم استعداد ولم أشعر لحظة باليأس".
لم يتحقق الحلم الأكبر بعد
تعتبر عزام أنها لم تحقق الحلم الأكبر بعد. فهي لم تحلم بالقمم السبع فحسب، بل تنوي اليوم الاستعداد لإنجاز Explorers Grand Slam، الذي يضاف فيه إلى القمم السبع القطبين الشمالي والجنوبي، لتكون المرأة الثانية في العالم التي تحقق ذلك.
شعار عزام بات واضحاً كملهمة للفتيات حتى يتمسكن بطموحهن ويتحدين أنفسهن لتحقيق أحلامهن. "يكفي أن نضع لأنفسنا أهدافاً ونثابر لتحقيقها. صحيح أنه في لبنان ينقصنا الدعم ونعلم جيداً أن نجاحاتنا تُبنى على مبادرات شخصية، لكن الرسالة الأهم التي أريد أن أوصلها إلى الشباب، هي عن أهمية العمل والمثابرة لتخطّي الحواجز التي تعترض طريقهم. قد يكون تحدي الطبيعة الأكثر صعوبة، لضرورة التأقلم معها وصعوبة مواجهتها، إنما بالعزم والإرادة يمكن مواجهة أي تحدي. قد تصادفنا في قلب التحديات عوائق ومن الطبيعي أن نضعف في بعض اللحظات وقد واجهت ذلك مراراً، لكن الإرادة تغلب دائماً. وضعت أمامي صورة العلَم اللبناني الذي أردت وضعه على القمة، ما زادني عزماً لأتابع. أما الرياضة بشكل خاص فهي ليست مجرد نمط حياة نتبعه، بل تولّد روح التحدي لدى من يختارها طريقاً في حياته أيضاً".