كشفت دراسة "صادمة" في الأردن، عن تعرض معظم الأطفال للعنف الجسدي على نحو واسع في البلاد التي كانت من أوائل الدول العربية التي وقعت على الاتفاقيات العالمية، وآخرها الانضمام للشراكة العالمية لإنهاء العنف ضد الأطفال.
وتظهر الدراسة التي ترصد حجم العنف ضد الأطفال في الأردن، الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" والمجلس الوطني الأردني لشؤون الأسرة، أن 75 في المئة من الأطفال الأردنيين يتعرضون للعنف الجسدي.
ويقول مراقبون، إن حقوق الأطفال الأردنيين لا تزال تُنتهك بصمت خلف جدران وأبواب موصدة، ولا تقتصر على العنف فقط، بل تتعداها إلى مظاهر أخرى كعمالة الأطفال والحرمان من التعليم.
الذكور أكثر تعنيفاً
ووفقاً للأرقام الرسمية، فإن أغلب الأطفال الأردنيين الذين يتعرضون للعنف هم من الذكور وبنسبة 79 في المئة، كما بلغت نسبة الأطفال الذين تعرضوا للعنف في مخيمات اللجوء السوري 70 في المئة، في حين تعرض أكثر من نصف الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة للعنف أيضاً.
وتتحدث السلطات الرسمية عن كل ما يتعرض له الأطفال من عقاب وضرب أو صفع أو عنف لفظي وجنسي عبر استخدام وإطلاق كلام بذيء أو مخجل، لكنها تشير إلى أن الصفع على الوجه ومؤخرة الرأس، أكثر أنواع العنف الجسدي شيوعاً، يليه الركل واستخدام أداة.
وتتعدد أسباب تعرض الأطفال للعنف ما بين السرقة، ومغادرة المنزل أو المدرسة من دون علم الأهل، وضعف الآداء الأكاديمي.
كورونا والعنف
وشكل مرتكبو العنف ضد الأطفال ما نسبته 47 في المئة من الأهالي، في حين حل المعلمون والمعلمات في المرتبة الثانية. ودفعت هذه الأرقام بعض المراقبين والمتخصصين إلى إرجاعها لمرحلة جائحة كورونا وما رافقها من ضيق اقتصادي وإجراءات مشددة، كالحجر المنزلي والإغلاقات، ما جعل هذه الفئة أكثر عرضة للتعنيف من قبل ذويهم.
ويرصد مختصون من بينهم هاني جهشان حالات عنف طالت الأطفال وشيوع جرائم القتل داخل الأسرة، وانتهاكات حقوق الأطفال في دور الرعاية الاجتماعية بما فيها مراكز رعاية ذوي الاحتيجات الخاصة.
وكان لافتاً ما أظهره المسح السكاني الأردني من تأييد نسبة كبيرة من الأردنيين لاستخدام العقاب الجسدي كوسيلة لتربية الأطفال وضبطهم وتعليمهم. وفيما يميل الآباء للعقاب الجسدي، تميل الأمهات لاستخدام الأساليب غير العنيفة في التهذيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قانون حقوق الطفل
وسط هذه الإحصائيات، توصي جمعيات حقوقية الحكومة الأردنية بالموافقة على قانون حقوق الطفل كقانون خاص، وإلغاء البنود التي تسمح بإسقاط الحق الشخصي عن مرتكبي العنف في الأردن، فضلاً عن توفير بيئة آمنة للأطفال.
بينما تقول الحكومة الأردنية، إن المملكة بلد رائد في مجال القضاء على العنف ضد الأطفال، واعتبار حمايتهم ورفاههم ضمن أهم الأولويات على المستوى الوطني، عبر الخدمات المقدمة أو التشريعات التي تُعزز حقوقهم.
وأطلقت الحكومة أخيراً موقعاً إلكترونياً باسم "أطفال الأردن" بهدف توفير منصة لعرض أوضاع الأطفال في البلاد ضمن خطة وطنية للحد من العنف ضدهم.
ويؤكد هاني جهشان أن من واجب الحكومة المباشر أن يتعدى العموميات والتعامل السطحي مع انتهاكات حقوق الطفل، إلى ضمان تحقيق العدالة والحماية الصحية والاجتماعية والقانونية لجميع الأطفال المتعرضين لكافة أشكال العنف الجسدي والجنسي والنفسي والإهمال، مشيراً إلى أن العنف ضد الطفل يؤدي إلى تكاليف إنسانية واقتصادية باهظة تفقر الأفراد والأسر والمجتمعات، كما وإنه يعيق التنمية الشاملة للوطن.
ويدعو جهشان إلى التعامل مع جذور العنف ومنعه بمرجعية دستورية وقانونية وبمرجعية الاتفاقيات الدولية، فضلاً عن تأهيل الضحايا وتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم.
جذور العنف
وأظهر تقرير تحليل أوضاع الأطفال في الأردن أعدته "يونيسف" والمجلس الوطني لشؤون الأسرة، أن الأردن قد أحرز تقدماً ملموساً في مجال حقوق الأطفال ورفاههم، على الرغم من بعض الأرقام المقلقة حول انخراطهم في سوق العمل وتعرضهم للزواج المبكر وارتفاع معدل انتشار العنف ضد الأطفال في المدارس والمنازل.
وتتحدث الأرقام الرسمية عن وجود 100 ألف طفل في سوق العمل، على الرغم من القوانين التي تحظر عمل الأطفال، لا سيما في قطاعات إصلاح المركبات يليها قطاع المطاعم والمخابز، وما يرافق هذه القطاعات من حوادث عنف ضدهم.
ويحذر مختصون من جذور العنف، خصوصاً ما يتعلق بالثقافة السائدة بالمجتمع حول التكتم والوصمة المرتبطة بتجنب التوعية عن العنف الجنسي والمخاطر المرتبطة به.
فضلاً عن مخاطر تتعلق بعلاقة الطفل مع الآخرين في الحي والمدرسة، ومع الأقارب ومع المهنيين في المؤسسات التي يتردد عليها الطفل، ومخاطر تتعلق بالبيئة المحلية للأسرة كالانعزال الاجتماعي أو الاكتظاظ السكاني.