زيارة مفاجئة في توقيت غير متوقع تلك التي قام بها وفد كبير من مجلس النواب الليبي إلى العاصمة التركية وأدت إلى نتائج لافتة تنبئ بتجاوز كل الخلافات السابقة التي أدت إلى قطيعة تامة بين الطرفين خلال الأعوام الماضية، وفتح قنوات جديدة للتواصل السياسي والتعاون الاقتصادي بين شرق ليبيا وتركيا.
وكانت المفاجأة في الزيارة البرلمانية إلى أنقرة في أسماء النواب الذين مثّلوا المجلس، إذ كان جلّهم من أشد المعارضين لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، والرافضين لسياسات حكومته في الملف الليبي، خلال أعوام الأزمة في بلادهم.
جاءت الزيارة بعد أيام من نظيرتها التي أجراها وفد اللجنة العسكرية (5+5) إلى تركيا، وأحرز عبرها تقدماً كبيراً في المفاوضات مع أنقرة لسحب قواتها من الغرب الليبي، فهل بدأت تركيا تراجع سياساتها في البلاد استجابة للضغط الدولي والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها؟
وقف التدخلات الخارجية
بدأت الزيارة اللافتة بلقاء رئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري، أردوغان إذ ناقش الطرفان بحسب المتحدث باسم البرلمان الليبي عبدالله بليحق، "مستجدات الأزمة الليبية ووقف التدخلات الخارجية". وأضاف أن "النويري والوفد الرسمي المرافق له بحثا مع أردوغان سبل تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا والمنطقة، وتطرقت المحادثات إلى عدد من الملفات المشتركة، في مقدمتها الملفات الاقتصادية".
العودة إلى الشرق الليبي
أوضح بليحق أن "الوفد البرلماني الذي يزور تركيا هذه الأيام تناول سبل عودة الشركات التركية إلى العمل في المنطقة الشرقية بليبيا، بعد أعوام من القطيعة السياسية والاقتصادية بين الجانبين، وصلت حد وقف الرحلات الجوية بينهما في مرات كثيرة، بسبب الاعتراضات على الدعم العسكري التركي لقوات حكومة الوفاق السابقة أثناء الحرب على طرابلس". وتابع، "الوفد تطرق أيضاً مع رئيس لجنة الصناعة في مجلس الأمة التركي زيا التوني الدز، إلى سبل عودة الشركات التركية المتعاقدة في مجالات النفط والكهرباء".
دعوة للاستثمار النفطي
من جهته، أثنى عضو مجلس النواب عيسى العريبي، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس لجنة الطاقة في البرلمان، على الزيارة، داعياً تركيا إلى "العمل في مجال النفط الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال العريبي، الذي كان في وقت سابق من أشد المعارضين لدور أنقرة في بلاده، في تصريحات لصحف تركية إن "ليبيا بحاجة إلى دعم دولة كبيرة مثل تركيا، التي ساندتها سابقاً في ظل ظروف صعبة، ومن المستحيل أن ننسى مساعدتها في مسيرة الثورة، بخاصة في بدايتها في بنغازي". وأضاف "الرئيس رجب طيب أردوغان أيضاً دعم بنغازي وأظهر مساندته للثوار بزيارته لها، ونريد أن تعمل تركيا في ليبيا بمجالات النفط والغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية".
لا صديق ولا عدو دائم
في المقابل، دافع عضو مجلس النواب صالح همة عن زيارة الوفد البرلماني إلى تركيا، قائلاً إن "لقاء وفد النواب مع لجنة الصداقة التركية الليبية، يأتي ضمن الجولات البرلمانية التي تتابع القضايا السياسية على مستوى العلاقات مع الدول". وأضاف أن "تركيا كانت ضد توجهات البرلمان الليبي، ولكن هذا لا يمنع فتح كل المسارات السياسية معها، فالسياسة فن الممكن، فلا يوجد صديق ولا عدو دائم، وهذه التحركات تحكمها مصلحة ليبيا وشعبها".
وأوضح أن "اللجنة الموفدة إلى تركيا ستقدم تقريرها إلى مجلس النواب"، مشيراً إلى أن "موقف أنقرة واضح، وهو دعم طرف معين في ليبيا وأن البرلمان موقفه كذلك، إضافة إلى دعمه لاتجاه معين، وهو مشكّل من كل الأطياف والمدن في ليبيا ويمثل الجميع، وأحد الاحتمالات المطروحة في الزيارة التوافق بين البرلمانين التركي والليبي لحل مشكلة المعاهدة الموقعة مع حكومة الوفاق المنتهية ولايتها".
ضغط الأزمة الاقتصادية
ورأى أستاذ الاقتصاد الليبي علي الفايدي أن "فتح تركيا قنوات لحل الإشكالات العالقة مع مجلس النواب أسبابها اقتصادية أكثر منها سياسية، بسبب الأزمة التي تعصف باقتصادها وحاجتها الملحة إلى تنشيط استثماراتها في ليبيا، خلال العام الجديد". وأشار إلى أن "ليبيا كانت قبل الثورة واحدة من أكبر الوجهات الاستثمارية للشركات التركية، بحيث وصلت قيمة مشاريعها مع طرابلس في عهد القذافي إلى نحو 16 مليار دولار قبل أن يتعطل استكمال هذه المشاريع بسبب الأوضاع الأمنية".
ولفت إلى أن "استئناف هذه المشاريع الضخمة واستكمال المتوقف منها مع الحصول على عقود جديدة في ليبيا، من الممكن أن يرفع حجم الاسثمارات التركية مع طرابلس إلى أكثر من 25 مليار دولار خلال عام واحد، وهو رقم ضخم سينعش نوعاً ما الاقتصاد التركي المترنح، بسبب تهاوي قيمة الليرة إلى مستويات قياسية".
وكان رئيس مجلس الأعمال التركي الليبي في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية مرتضى قرنفيل شدد على أهمية ليبيا بالنسبة إلى تركيا واقتصادها، قائلاً في تصريحات نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إن "حجم التبادل التجاري بين البلدين زاد 43 في المئة خلال العامين الأخيرين، وليبيا تُعدّ السوق الأجنبية الأولى للمقاولين الأتراك، ولذلك فهي مهمة بالنسبة إلى اقتصاد أنقرة". وعدّد الأسباب التي تجعل ليبيا تحظى بأهمية كبيرة لدى تركيا، مبيّناً أنها "تبعد عنها مسافة 3 أيام عبر البحر، وهي بوابة مهمة على بلدان القارة الأفريقية"، ومتوقعاً أن "يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 3 مليارات دولار للمرة الأولى، بداية العام الجديد".
جدل قانوني جديد
في سياق آخر، فتحت محكمة استئناف مصراتة باباً جديداً للجدل القانوني بشأن الانتخابات العامة، التي بات تأجيلها عن موعدها نهاية ديسمبر (كانون الأول) مؤكداً، بإصدارها حكماً يلغي اعتماد القائمة الأولية لمرشحي الانتخابات الرئاسية، مع إيقاف جميع إجراءات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
واستند قرار المحكمة إلى "بطلان تشكيل المفوضية العليا للانتخابات الحالي، ومن ثم بطلان قراراتها كافة". وقررت دائرة القضاء الإداري في المحكمة وقف تنفيذ قرار المفوضية العليا للانتخابات بشأن اعتماد القائمة الأولية لمرشحي الرئاسة، ما يعني إيقاف جميع الإجراءات التي تقوم بها المفوضية لانتخاب رئيس البلاد.
واستند الحكم إلى نص المادة 8 من القانون رقم 3 لعام 2012، بشأن إنشاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، التي تلزم تعيين رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ونائبه من السلطة التشريعية.
وقالت المحكمة إنه "بعدم صدور أي قرار من السلطة التشريعية بتسمية عماد السايح، رئيساً للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، يجعله منتحلاً لصفة رئيس المفوضية، ويكون إصداره للقرار كالعدم".
وعلّق الناطق باسم البرلمان الليبي عبدالله بليحق على الحكم، معتبراً أن "محكمة مصراتة ليس من اختصاصها وقف عمل المفوضية العليا للانتخابات". وأضاف أن "القائمة النهائية للمرشحين لم تُعتمد حتى الآن، ولم تتم إحالتها إلى مجلس النواب، والجلسة المنتظرة له لمناقشتها لم تُوجّه بشأنها دعوة للنواب".