بين فينة وأخرى تلتقي سناء وشريكتها الإسرائيلية جولدا ونساء أخريات داخل منزل صغير في مدينة بيت جالا (جنوب الضفة الغربية) للحديث عن الموضة والأعمال التجارية المشتركة وأحدث الصرعات والألوان في عالم الملابس، فشغف تصميم الأزياء الذي جمعهن سراً لسنوات أنساهن الصراع المشتعل في الخارج بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإحدى الشركات الأميركية الناشئة المتخصصة في بيع الملابس والإكسسوارات عبر الإنترنت تمكنت من جمع مواهب التطريز الشهيرة من الفلسطينيات في قرى الضفة الغربية، مع الخياطات ومصممات الأزياء الإسرائيليات.
عمل مشترك
بدأت الشركة عملها عام 2013 كمنظمة غير ربحية توفر مكاناً للاجتماع على الحدود الإسرائيلية الفلسطينية لكي يجتمع الناس ويناقشوا قضايا السلام أملاً في إحداث فارق في حياتهم، ومن ثم تحولت المنظمة إلى شركة تجارية تعمل في الخفاء مع حوالى 50 امرأة فلسطينية وإسرائيلية تجنباً لأي انتقادات حادة من فلسطينيين وإسرائيليين لا يتقبلون فكرة الشراكة بين الجانبين، ينتجن ملابس وإكسسوارات نسائية عالية الجودة تقوم بالأساس على فن التطريز.
تقول إحداهن لـ"اندبندنت عربية"، "من السهل للغاية التعايش في سلام وصنع منتجات جميلة نسجتها أيدينا معاً، وذلك لأننا قررنا العمل بروح من الحب والود".
عدد من الفلسطينيات اللواتي احترفن التطريز باعتباره مصدر دخل لهن، توقفن عن الاجتماع مع المصممات الإسرائيليات خلال الفترة الحالية، ليس لأنهن لم يكن على وفاق، بل تجنباً لموجة الغضب التي اجتاحت الشارع الفلسطيني احتجاجاً على الصور التي نشرت أخيراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أظهرت المتسابقات في مسابقة ملكة جمال الكون لعام 2021، وهن يرتدين الأثواب الفلسطينية التقليدية خلال إقامتهن في إسرائيل، حيث أقيمت المسابقة قبل أيام بمشاركة 80 دولة، ومنها للمرة الأولى البحرين والمغرب، على الرغم من نداءات المقاطعة.
وكتبت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل "نحض جميع المشاركات على الانسحاب لتجنب المشاركة في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وانتهاكه لحقوق الإنسان الفلسطيني".
ورداً على ذلك، قالت ملكة جمال الكون المكسيكية أندريا ميزا في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، "إن على المسابقة أن تنأى بنفسها عن السياسة". وأضافت "ملكة جمال الكون ليست حركة سياسية ولا دينية. إنها تتعلق بالمرأة وما يمكن أن تقدمه".
تراث ثقافي
وزارة الثقافة الفلسطينية رداً على صور المتسابقات، وما رافقها من ترويج" لتجربة الثقافة الإسرائيلية" التي اعتبرها فلسطينيون "استفزازية"، سارعت بإدراج فن التطريز كأحد العناصر الوطنية الفلسطينية على لائحة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو"، وذلك في الاجتماع الـ16 للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، الذي عُقد عبر الإنترنت من 13 إلى 18 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
يقول وزير الثقافة عاطف أبو سيف، "منذ أكثر من عامين عملنا على تجهيز الملفات والمرفقات المطلوبة التي تبرهن على أن فن التطريز تراث فلسطيني خالص يمارسه شعبنا منذ آلاف السنين. وتوقيع فلسطين عام 2011 على اتفاقية 2003 التي تعنى بصون وحماية التراث الثقافي غير المادي، أتاح الفرصة أمام فلسطين لتسجيل عناصر تراثها ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي، ونجحنا في الخامس عشر من ديسمبر الحالي بتثبيت هذا الحق في يونيسكو".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب أبو سيف المنظمات الدولية، "بالوقوف أمام مسؤولياتها في احترام قرار منظمة يونيسكو الجديد، باعتبار التطريز الفلسطيني ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي والمسؤولية القانونية لذلك"، مؤكداً "أن الوزارة بدأت بتقديم ملفات أخرى للتسجيل على القائمة ضمن رؤية الحكومة الفلسطينية وبرامجها في "الحفاظ على التراث وصون الذاكرة والرواية".
ورحبت وزارة الخارجية الفلسطينية بإدراج فن التطريز كأحد العناصر الوطنية الفلسطينية على لائحة التراث الثقافي غير المادي ليونيسكو"، معتبرةً أن الخطوة "تأكيد على تأصل الشعب الفلسطيني في أرضه، واستمراره بالحياة عليها دون انقطاع منذ عشرات آلاف السنين".
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، عبر بيان، "التطريز أحد رموز الهوية الوطنية الفلسطينية، ويرتبط بالأرض والطبيعة، تماماً كما تعكس نقوشه عبق التاريخ والحضارة وهو ما تحاول إسرائيل سرقته"، مشدداً على "أهمية تسجيل التطريز الفلسطيني في هذا الوقت بالذات، في الوقت الذي يتعرض فيه التراث، والإرث، والتاريخ، والثقافة والحقوق الفلسطينية إلى التزوير، والسرقة والتدمير، لحمايتها وحفظ الممارسات والطقوس الاجتماعية الفلسطينية التي توارثها شعبنا من آبائه، وأجداده، جيلاً بعد جيل". فيما أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أن "اعتماد منظمة "يونيسكو الطلب الفلسطيني يمثل خطوة مهمة وفي وقتها".
تاريخ جديد
حكومة تل أبيب التي انسحبت رسمياً من "يونيسكو" عام 2019، بعد اتهامها بنهج سياسة متحيزة ضد إسرائيل، أشارت مراراً أن" المنظمة أصبحت مسرحاً للعبثية، وأنها بدلاً من الحفاظ على التاريخ تقوم بتشويهه من أجل كتابته من جديد، من قبل أناس يكرهون الشعب اليهودي". فيما قال السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون إن "أعداء الدولة اليهودية أفسدوا يونيسكو، وباتت أداة يتلاعب بها أعداء إسرائيل".
عام 1993 اكتشف فلسطينيون بمحض الصدفة أن الثوب الفلسطيني المعروف بثوب العروس (ثوب الملك) مدرج في الموسوعة العالمية THE WORLD BOOK ENCYCLOPEDIA باسم إسرائيل، وبعد مراسلات وإثباتات مكثفة امتدت 14 سنة، أزيل الثوب من الموسوعة.
تقول مها السقا، مؤسسة ومديرة مركز التراث الفلسطيني، في تصريح خاص، "سرقات الإسرائيليين للتراث الفلسطيني مستمرة منذ سنين، ففي عام 2016 قامت ملكة جمال إسرائيل بارتداء الثوب الفلسطيني ذي النجمة الكنعانية (نجمة داود حسب المعتقدات الإسرائيلية)، وسبقتها مضيفات طيران شركة (إل عال) الإسرائيلية بارتدائهن المطرزات الفلسطينية على أنها إسرائيلية. علينا العمل بجهد أكبر على نشر التراث الفلسطيني حول العالم من خلال المعارض والمهرجانات الدولية، كجزء لا يتجزأ من النضال الفلسطيني في إثبات انتمائه وجذوره". وطالبت بتغيير الزي المدرسي الفلسطيني إلى زي كنعاني أحمر مطرز بأيدي الطالبات.
رمز للتعايش
في عام 2006 نشرت صحيفة "جويش كرونيكل" اليهودية الصادرة في لندن، صورة لفتاة إسرائيلية ترتدي كوفية (رمز فلسطيني) للمصمم الإسرائيلي "موشيه هاريل" الذي غير ألوانها من الأبيض والأسود إلى الأزرق والأبيض، وصمم تطريزها على شكل نجمة داوود (شعار دولة إسرائيل)، وفي عام 2016 أثارت مصممة الأزياء الإسرائيلية دودو بار ردود فعل ساخطة بين الفلسطينيين، عندما استخدمت في مجموعتها لـ(ربيع – صيف) 2016 تصاميم أزياء أغلبها مستوحاة من الكوفية الفلسطينية والأردنية، وخلال "أسبوع تل أبيب للموضة" للعام، ذاته، لم يتردد المصمم الإسرائيلي أوري مينكوفسكي في عرض أزياء مستوحاه من الكوفية على أنها "رمز للتعايش".
مينكوفسكي الذي واجه ردود أفعال فلسطينية غاضبة آنذاك، نفى أنه استعمل الكوفية بغرض السرقة، وأنه قام بتحويلها إلى أزياء وفساتين تناسب العرض، وتبعث برسالة "محبة وسلام"، بعد أن بيعت له من مدينة الخليل الفلسطينية. في تصريحات سابقة لـ"تايمز أوف إسرائيل" قال مينكوفسكي،" هدفي من وراء استخدام الكوفية هو تعزيز التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
"البس زِيك"
في السياق شاركت مؤسسات رسمية وأهلية وشعبية فلسطينية قبل أيام في فعالية تراثية احتجاجية وسط مدينة رام الله، رداً على ارتداء المتسابقات في ملكة جمال الكون لعام 2021 الثوب التقليدي الفلسطيني. الفعالية الاحتجاجية التي ارتدى فيها العشرات من الفلسطينيين غالبيتهم من النساء الأثواب الفلسطينية، تخللها إعداد أطباق تراثية فلسطينية مثل "المفتول"، وعرض للأواني التراثية، كما رددوا الأغاني الشعبية.
حرب المطابخ
تراشق تهم سرقة التراث بين اليهود والعرب لم تقتصر على التطريز والأثواب التقليدية وتصاميم مستوحاة من الكوفية الفلسطينية، بل امتدت لحرب مطابخ، فقد نشرت صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" الرسمية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع "فيسبوك" فيديو يروج لطبق "الشكشوكة الإسرائيلي" المعروف بكثرة على المائدة الفلسطينية، وعلقت بالقول "يرجع تاريخ الطبق إلى المهاجرين اليهود القادمين من المغرب وتونس والجزائر وليبيا وشبه الجزيرة العربية، ويتكون بشكل تقليدي من قطع الطماطم المطهية والمتبلة مع البيض المسلوق".
عديد من المعلقين استغربوا زعم الصفحة هوية الشكشوكة الإسرائيلية، ما استدعى ردوداً من الناشطين أشار بعضها إلى "أن طبق الشكشوكة فلسطيني الأصل ومعروف قبل نشأة إسرائيل عام 1948".
وعلى الرغم من كثرة المأكولات التي يدخل مُحبوها في جدل حاد على مواقع التواصل الاجتماعي حول ملكيتها بدءاً من المنسف وصولاً إلى الكنافة، يتصدر الحمص والفلافل أكبر المعارك الثقافية بين العرب والإسرائيليين، إذ نسبت الأخيرة لنفسها طبق الحمص، فحسب الرواية الإسرائيلية الرسمية فإن المصطلح العربي "حمص" هو في الأصل كلمة عبرية "هومتز"، يشار إليها في مقطع من كتاب راعوث ، وهو جزء من القسم الثالث والأخير من الكتاب المقدس العبري، "تعال إلى هنا ، وتناول الخبز، واغمس لقمة في " hometz".
الصفحة الرسمية للناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أشارت أن هناك يوماً مخصصاً للاحتفال بالحمص في 13 من مايو (أيار) كل عام، وهو "اليوم العالمي للحمص". فيما نشرت ذات الصفحة في وقت سابق أن "الفلافل" إسرائيلية الأصل، نقله الإسرائيليون القدماء إلى أرض مصر الفرعونية، وعرف فيما بعد "بالطعمية"، وهو ما دفع المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي لنفي الرواية، وتوضيح أن الطعمية "الفلافل" هي وجبة مصرية يعود تاريخها لأقباط البلاد، الذين لجأوا إليها كبديل عن اللحوم والأسماك في الصيام المسيحي.