أغلق باب الانتخابات الليبية ففتحت أبواب الخلافات القديمة على مصراعيها، التي كانت بدايتها تجدد صراعات النفوذ العسكري في العاصمة، وكان تاليها عودة ظاهرة إغلاق الحقول النفطية التي اختفت تماماً طوال عام ونصف العام.
ومع تواصل تبادل الاتهامات حول أسباب فشل الاستحقاق الانتخابي ومن يفصح عنها ويعلن عن موعدها الجديد، حذرت شخصيات سياسية رسمية من مآلات أشد لفشل العملية السياسية في العبور بالبلاد من المرحلة الانتقالية، التي قد تصل بحسب هؤلاء، إلى الحرب الأهلية وانقسام البلاد.
إغلاق جديد لحقول النفط
وأقدمت مجموعة عسكرية من حرس المنشآت المكلف تأمين الحقول النفطية على إغلاق أربعة حقول نفط في الغرب الليبي، من بينها "الشرارة" أكبر الحقول، بسبب مطالب مادية ووظيفية.
وقالت مدير مكتب الإعلام بحرس المنشآت النفطية آلاء الأدهم، إن "مجموعة تابعة لحرس المنشآت هي من أغلقت حقل الوفاء، ولديها مطالب"، موضحة في تصريحات صحافية أن "الوفاء فقط جرى إغلاقه وباقي الحقول مفتوحة، ولم يتم إغلاقها من قبل المحتجين الذين لهم مطالب أبرزها صرف العلاوة الحقلية التي أوقفتها الوزارة، وإصدار أرقام ورتب عسكرية لهم".
وأشارت الأدهم إلى أن "الحصول على الرقم العسكري يجب أن يكون بالانضمام لدورات تأهيل وتدريب وفقاً للقوانين واللوائح لتنطبق عليهم الشروط، وبعد التخرج يتحصلون عليه"، مؤكدة أن إعطاء أرقام عسكرية من دون تدريبات "يعد أمراً مخالفاً".
خسائر ضخمة
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط بأن "إيقاف إنتاج حقول الشرارة والفيل والوفاء والحمادة أدى مباشرة إلى فقدان أكثر من 300 ألف برميل من الإنتاج اليومي".
واعتبرت المؤسسة في بيان لها أن "إيقاف الإنتاج بواسطة أفراد تابعين لحرس المنشآت النفطية سيؤدي من جديد إلى إهدار ثروات البلاد وإفقار الشعب الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت، "نأسف على ما آلت إليه الأمور بعد إغلاق أفراد وجهات غير متخصصة خارج إطار القانون ضخ الخام من الحقول"، لافتة إلى أن "ما يحدث فصل جديد من مسلسل الإغلاقات كلما تحسنت أسعار النفط".
وقالت المؤسسة إنها "ستقوم بإبلاغ النيابة العامة، وعلى يقين أن مكتب النائب العام سيتخذ الإجراءات اللازمة من تحر وجمع معلومات واستدلالات لكشف المخططين والمنفذين والمستفيدين من هذا العمل المشين".
إعلان القوة القاهرة
في المقابل، أعلن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله حال القوة القاهرة على حقول الشرارة والفيل والوفاء والحمادة.
وصرح صنع الله بأنه "لا يمكن غض الطرف عن هذه الممارسات التي تسبب معاناة للمواطنين، ولا يمكن أن نجعل من هذه الممارسات وسيلة لتسييس قوت الليبيين لأغراض جهوية، أو لتحقيق مكاسب ومصالح أفراد من دون مراعاة لأبجديات العمل المهني".
وأضاف، "أصبح تنفيذ التزاماتنا تجاه العملاء في السوق النفطية مستحيلاً، وعليه فإننا مضطرون إلى إعلان حال القوة القاهرة".
نتائج فورية
وأدى إغلاق الحقول النفطية الأربعة غرب البلاد على يد محتجين إلى نتائج فورية على اقتصاد البلاد، إذ أدى في اليوم نفسه إلى تراجع قيمة الدينار الليبي وفقدان كمية كبيرة من الجهد الكهربائي في الشبكة العامة التي تتغذى على خط غاز كان جزءاً من عملية الإقفال التي تمت في هذه الحقول.
وأعلنت الشركة العامة للكهرباء أن إيقاف الغاز جاء بسبب إغلاق مجموعة تابعة لحرس المنشآت النفطية خط أنابيب النفط الخام المغذي لمحطات الشركة، وهو الخط الذي ينقل الخام المكثف المغذي لعدد من محطات إنتاج الطاقة الكهربائية بالشبكة العامة بالغاز الطبيعي، كوقود رئيس لتشغيل محطات الرويس والزاوية والخمس وجزء من محطة مصراتة.
وبينت الشركة أن هذا الإغلاق سيؤدي إلى زيادة ساعات طرح الأحمال، بخاصة في هذه الأيام التي تشهد انخفاضاً في درجات الحرارة، بسبب فقد ما يقارب عن 2500 ميغاواط، الأمر الذي ستترتب عليه صعوبات فنية في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية".
دعوة إلى إيقاف العبث
في السياق، يقول الكاتب الصحافي عبد الرزاق الداهش إن "أكثر الاعتداءات على المنشآت النفطية كانت من قبل حرس المنشآت الذي يؤمنها، وفي كل مرة إغلاق لحقل نفطي أو صمام غاز أو مرفأ صادرات نفطية، يكون للمطالبة بزيادة مرتب أو حتى تأخر في وجبة الفطور، وعلى طريقة خطف الأطفال مقابل فدية، لكن هذه المرة اختاروا خطف شعب".
وأضاف، "وبدلاً من حل هذا الجهاز الذي صار أكبر عبء على ليبيا وأمنها القومي، نجد تجاوباً مع ابتزاز الخاطفين، وكل مرة نتوقع قراراً بالفصل من الخدمة أو أوامر ضبط وإحضار، نجد قرارات تعيين وزيادة مرتبات".
ورأى الداهش أن التساهل مع التعديات على حقول النفط كانت كلفته باهظة جداً على اقتصاد البلاد، موضحاً "لقد كلفتنا الطبطبة على كتف حرس المنشآت النفطية أكثر من 100 مليار دولار، مما يعني بحسب سعر الصرف قرابة النصف تريليون دينار، وكلفنا عدم الاكتراث كل هذه المعاناة وكل هذا العذاب، والآن قد تقفز مساحة طرح الأحمال الكهربائية إلى 10 ساعات وأكثر في هذا الشتاء الذي يتسلل إلى عظام أطفالنا".
تحذير من الأسوأ
هذا التوتر الذي تشهده ليبيا على أكثر من صعيد في الشق الأمني والسياسي والاقتصادي، ربطه محللون وشخصيات سياسية بارزة بفشل استكمال العملية السياسية بعد تعثر تنفيذ الاستحقاق الانتخابي في موعده المحدد في 24 ديسمبر (كانون الأول).
ورأت عضو مجلس النواب أسمهان بالعون أن "ليبيا مهددة باندلاع حرب أهلية مجدداً في حال انهيار العملية الانتخابية من دون إيجاد حلول واضحة". وقالت، "من المرجح أن تستغل بعض الأطراف المحلية المعرقلة نبأ تأجيل الانتخابات لزعزعة الأمن والاستقرار في مناطق عدة، مستغلة حال الفوضى الدولية بسبب عدم رضا بعض القوة الخارجية عن بعض الأسماء المترشحة للقوائم النهائية للرئاسة، خصوصاً بعد وصول ستيفاني ويلياميز".
وتابعت، "المجتمع الدولي لا يملك رؤية موحدة تجاه ليبيا، كما يعيش حالاً من الانقسام الحاد بسبب مواعيد الانتخابات وأسماء المترشحين، ويخشى أن بعض الخلافات الحالية ما بين مجلسي النواب والدولة يمكن أن تؤدي نهاية الأمر إلى أزمة حرب أهلية طاحنة مشابهة للحرب التي أعقبت انتخابات 2014، بخاصة مع استمرار سيطرة طيف سياسي معين على قرار مجلس الدولة اليوم".
من جانبه، حذر العضو البرلماني السابق والمرشح الرئاسي الحالي الشريف الوافي من أن "تأخر مجلس النواب والجهات المسؤولة في اتخاذ التدابير اللازمة لإنقاذ الموقف من شأنه أن يقود إلى انقسام البلاد وتجدد اندلاع النزاع المسلح".
وطالب الوافي في بيان صدر عن إدارة حملته الانتخابية مجلس النواب بـ " أن يطلع بمسؤولياته في تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وذلك بدعوة أعضائه للانعقاد العاجل والمستمر لتدارك أزمة تأجيل الانتخابات من طريق التعديل في القوانين الحالية ذات الاختصاص، أو إصدار تشريعات جديدة قد تتطلبها المرحلة".