في 20 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحبطت أجهزة الأمن في قطاع غزة (تسيطر عليه حركة حماس) محاولة تهريب كمية كبيرة من مادة "مرجوانا" المخدرة، كانت محملة في شاحنة نقل بضائع تجارية، ودخلت إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.
وفي التفاصيل، يقول مدير إدارة مكافحة المخدرات في الشرطة الفلسطينية أحمد القدرة، إنه بعد عمليات تفتيش مكثفة، تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط 10 كيلوغرامات من مادة يشتبه أنها مخدرة، وإجمالي سعرها يزيد على 200 ألف دولار أميركي، وجرى تسليمها لجهة الاختصاص وتوقيف المشتبه فيهم في التهريب.
ولا تعد هذه المحاولة الأولى لتهريب المخدرات من بوابة المعابر الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بل تعددت كثيراً في الفترة الأخيرة، الأمر الذي أثار شكوك الأجهزة الأمنية في غزة بأن تل أبيب على صلة بعمليات تهريب المواد الممنوعة، وتتعمد إغراق القطاع بالمواد المخدرة.
وتتصل غزة مع إسرائيل في معبرين، "إيريز" ويقع شمالاً، وهو مخصص لحركة الأفراد فقط، وكرم أبو سالم جنوباً، ويقتصر عمله على التبادل التجاري وتسمح فيه حركة الشاحنات، ويعد هذا المعبر التجاري الوحيد في القطاع.
إسرائيل متهمة
ويعد الاتجار بالمخدرات أو تعاطيها في غزة جرماً يعاقب عليه القانون الفلسطيني، بالسجن والسجن مدى الحياة، مع غرامات مالية، حسب نوع المخالفة المرتكبة، وكذلك يعاقب عليه القانون الصادر عن المجلس التشريعي (تسيطر عليه كتلة حماس البرلمانية) بعقوبة تصل إلى الإعدام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول مسؤول دائرة مراقبة المعابر والموانئ في جهاز مكافحة المخدرات أحمد الشاعر، إن المهربين يستغلون شاحنات البضائع التي تدخل من إسرائيل إلى غزة، ويضعون داخلها المواد المخدرة وهي ممنوعة وفق القانون، الأمر الذي يشكل عبئاً كبيراً علينا في عمليات التفتيش التي تجرى عادة بشكل يدوي، ويضيف الشاعر، "ما من شك أن للجانب الإسرائيلي يداً في ترويج وتهريب المواد المخدرة إلى قطاع غزة لإغراقها بذلك، في محاولة للنيل من فئة الشباب"، مشيراً إلى أن دائرة المعابر الإسرائيلية تمتلك أجهزة تكنولوجية تستطيع بواسطتها اكتشاف المخدرات من بين البضائع، وبإمكانها الحد من ظاهرة التهريب أو منعها بالكامل، لكنها تتعمد تمريرها إلى القطاع لأهداف سياسية.
أجهزة كشف المواد المخدرة ممنوعة
ويوضح الشاعر أن إسرائيل ترفض إدخال أجهزة إلكترونية وتقنية للسلطات الفلسطينية في القطاع، لتتمكن من اكتشاف المواد المخدرة المهربة بين البضائع أو عبر الأفراد، لافتاً إلى أن عمليات جهاز المكافحة مقتصرة على طرق بدائية تتمثل في التفتيش اليدوي والكلاب المدربة، ويشير الشاعر إلى أن عملية تهريب المخدرات إلى غزة من المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل تحول إلى معركة خفية، ونجح جهاز المكافحة في تحقيق نجاحات وضبط كميات، على الرغم من العمل يدوياً، بواسطة كادر بشري محدود، إذ تمكنوا أخيراً من تحريز 35 ألفاً من الحبوب المخدرة، قبيل تهريبها من معبر كرم أبو سالم الواصل مع إسرائيل.
ومن ضمن الجهود التي نجحت فيها السلطات في غزة، القضاء على ظاهرة تعاطي أحد العقاقير (وهو من المسكنات الأفيونية)، بنسبة وصلت إلى 95 في المئة، وفقاً لبيانات الإدارة العامة لشرطة مكافحة المخدرات في القطاع.
للحصار دور
واتهام السلطات في القطاع أن إسرائيل وراء عمليات تهريب المواد المخدرة إلى غزة لم يأت من فراغ، فمعظم عمليات الضبط التي تمكنت الأجهزة الأمنية من تحقيقها، كانت تجرى عبر المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، لكن تل أبيب تنفي صلتها بالموضوع، ويقول منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان إنهم على غير دراية بهذه الادعاءات، ويحاولون تقديم تسهيلات اقتصادية للسكان عبر المعابر المتصلة مع غزة.
على أي حال، فإن المواد المخدرة المضبوطة يتم إتلافها بأمر من القضاء العسكري في غزة، وأخيراً، جرى حرق وإتلاف نحو 389880 حبة عقاقير طبية مخدرة، وكميات أخرى من مادتي "البانجو" والـ "مرجوانا".
ووفقاً لدراسة أجراها باحثون في الجامعة الإسلامية في غزة عام 2012، على عينة من 100 شخص يخضعون لإعادة تأهيل داخل المراكز الحكومية، فإن 60 في المئة منهم بدأوا في تعاطي المواد المخدرة بعد حصار إسرائيل قطاع غزة عام 2007، ومعظمهم ذوو مستوى علمي متدن.
الإعدام عقوبة
وعادة، ما تتم محاسبة المتورطين بالتعاطي أو الاتجار بالمخدرات في محاكم عسكرية، وفقاً للقانون المعدل، "المخدرات والمؤثرات العقلية"، الذي أقره المجلس التشريعي في غزة (الأغلبية فيه كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس)، وخلاله حولت السلطات في غزة تعاطي المواد المخدرة من جنحة إلى جناية، كما تصل فيه العقوبة إلى الإعدام في بعض الحالات.
وفي إطار ملاحقة مروجي المخدرات ومتعاطيها، أصدرت هيئة القضاء العسكري في القطاع 13 حكماً بحق متداولي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، ومن بين هذه الأحكام كان الإعدام بحق أحد المتهمين، ويقول رئيس هيئة القضاء العسكري ناصر سليمان، إنهم أجروا تعديلات داخل الهيئة لتشمل التفرغ التام لتسريع محاكمة المتهمين بقضايا جلب المخدرات والاتجار بها عبر المناطق الحدودية العسكرية المغلقة.
ومن المفروض أن يحاكم مروجو المخدرات في محاكم مدنية، إلا أن سليمان يوضح أنه بحسب الاختصاص والتعديلات التشريعية، فإن المحاكم العسكرية تقع ضمن مهامها قضايا الجلب والاتجار بالمواد المخدرة، كون تهريبها يجرى عبر المناطق العسكرية المغلقة، نافياً وجود أي قضايا أطرافها مدنيون داخل أروقة القضاء العسكري.