تطل المخرجة والممثلة نضال الأشقر الليلة في عرض استثنائي لعملها الفني "مش من زمان" الذي كانت قدمته سابقاً في بيروت، والغاية جمع تبرعات لدعم مسرح المدينة الذي أسسته وتديره، والذي يعد المسرح الوحيد القائم على جهد شخصي بعيداً من أي دعم رسمي أو خارجي، وهو يمثل حالاً ثقافية بذاتها، بل مختبراً مسرحياً وفنياً يقدم أبرز التجارب الجديدة والشابة، ويرعى الحركة المسرحية والفنية مقدماً لها مساحة حرة وطليعية.
يعاني مسرح المدينة اليوم أزمة مادية صعبة مثله مثل معظم المؤسسات الأهلية الثقافية والفنية، وهي الأزمة نفسها التي يشهدها لبنان ككل اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً. العرض الذي تقدمه الأشقر هو من تأليفها وإخراجها، وتمثل فيه إلى جانب الفنان خالد العبدلله والموسيقيين محمد عقيل ونبيل الأحمر وإبراهيم عقيل. والعرض ه مسرحي غنائي موسيقي شامل تسترجع فيه المخرجة والممثلة الرائدة شذرات من مسيرتها الخاصة والفنية الطويلة، وهي التي أدت دوراً رائداً في مسيرة الفن المسرحي والدرامي في لبنان والعالم العربي من خلال حرصها على التجديد في تقنياته وأدواته ولغته.
علاقتها بالمسرح بدأت منذ الطفولة، ورسختها بدرس الإخراج في المعهد الملكي في بريطانيا. أسست في الستينيات مع مجموعة من الفنانين اللبنانيين من بينهم روجيه عساف "محترف بيروت للمسرح"، وفي الثمانينيات فرقة "الممثلون العرب" مع المسرحي المغربي الكبير الطيب الصديقي مع ممثلين كبار مثل العراقي قاسم محمد واللبناني رفيق على الحاج والمغربية ثريا جبران وسواهم، وقد جالت الفرقة في عروضها مختلف البلاد العربية والأوروبية. برز اسم نضال كممثلة مسرحية في أعمال كبار الكتاب والمخرجين، وحققت طموحها الأكبر عبر "مسرح المدينة" الذي أسسته وتديره وقدمت على خشبته مسرحيات مهمة، مثل "طقوس الإشارات والتحولات" و"منمنمات تاريخية" عن نصين لسعدالله ونوس، و"3 نسوان طوال" عن نص لإدوارد ألبي.
نشاطها وشغفها بالمسرح شغلاها عن السينما والتلفزيون، مع أنها برعت في تجسيد الأعمال التاريخية على الشاشة الصغيرة، كما شاركت في أفلام عدة مثل "الأجنحة المتكسرة" ليوسف معلوف عن نص لجبران خليل جبران، و"السيد التقدمي" لنبيل المالح، إلى جانب مشاركتها في فيلم "في حاجة إلى الحب" للمخرج الأميركي جيري شاتزبرغ و"ساحة" مع النجمة العالمية كاترين دونوف.
امرأة الصعوبات
نضال الأشقر تؤكد مرة تلو أخرى أنها امرأة الصعوبات، رغم الأزمتين المالية والاقتصادية اللتين تركتا تداعياتهما السلبية على السينما والمسرح في لبنان. في هذا الإطار تؤكد، "هو ليس خياراً بل أجبرت على ذلك. لبنان عجز أن يكون دولة قادرة على حماية الفن والثقافة والناس، ولم يتمكن من تنشئة مواطن لديه حقوق وعليه واجبات، ودولة لديها حقوق وعليها واجبات، لذلك اعتمد كل منا على نفسه. نحن نعمل في صناعة السينما والمسرح، ولكن صناعة المسرح أكثر صعوبة، لأن هناك موزعاً في السينما يقوم بعملية التوزيع ومنتجاً لا يمكن الاستغناء عنه لصناعة الفيلم، بينما نحن المسرحيون نقوم بكل المهمات وحدنا، لذلك أجبرنا على الاعتماد على أنفسنا ولا زلنا. الإنسان الموهوب في مجال ما لديه عناد داخلي لتحقيق أهدافه، وأنا أحب أن أخدم لبنان وأن آخذ من هذا المجتمع وأن أعطي مسرحاً جديداً ومتجدداً من خلال استخدام تقنيات اكتسبتها في الخارج، ثم ابتكاري لتقنية خاصة، وقمت بتدريب الممثلين بطريقة تناسب مسرحي، وهو مسرح نابع من حياتنا الحقيقية، وجودنا، تاريخنا ولغتنا، وهذا ما يجعلني أصر على الاستمرار".
المسرح تاج الفن
نضال الأشقر التي اختارت المجال الأصعب وجدت نفسها ممثلة فجأة عندما قررت درس الإخراج. تقول، "المسرح هو تاج الفن بالنسبة إلي كما لكل الناس في العالم. هو فن الناس والمجتمع والوحيد الذي يقدم بشكل حي أمام الجمهور، وخلال الأداء على الخشبة يمكن للفنان أن يتعرض لأي وضع طارئ، حتى يمكن أن يسقط ميتاً. المسرح تجربة إنسانية رائعة ومهمة، وأنا اخترته لأنه المجال الذي أشعر من خلاله أنني أكثر قدرة على التعبير من المجالات الأخرى، وسافرت إلى لندن لكي أتخصص في الإخراج، بينما جاء التمثيل على الهامش، فخلال وجودي في إنجلترا اكتشفت أنه يجب علي أن أتعلم كل التقنيات المتعلقة بالإخراج كي أصبح مخرجة، ومن بينها التمثيل، وهناك اكتشفوا أنني أملك هذه الموهبة التي لم أكن أعرف أنني أملكها. كان اختباراً تعجبت منه كثيراً إلى أن اكتشفت أنا أيضاً أنني كي أكون مخرجة ترى من الخارج جيداً، لا بد من أن أعرف كل خفايا ومزايا المهنة، ومن هنا أصبحت ممثلة".
وعن تعاملها مع أهم الأسماء في عالم الإخراج والثقافة وبينهم شكيب خوري ويعقوب الشدراوي وريمون جبارة وبول شاوول وغيرهم، تتحدث الأشقر قائلة إنه "في مسرحية (الحلبة) استعان فؤاد نعيم بنص للشاعر بول شاوول وحوّله إلى عمل عبثي رائع، وأنا استفدت كثيراً من تجربتي مع شاوول كصديق أولاً، وثانياً كونه يتميز بلغة عبثية سريعة. كان يراقب التمارين من دون أن يوجه أي ملاحظات تاركاً حرية التصرف للآخر كي يعطي وفق ما يراه مناسباً، بينما غيره من الكتاب يرفضون أن يحيد المخرج والممثلون قيد أنملة عن النص من دون موافقتهم، ولقد شاركني في هذه المسرحية الممثل القدير رفيق علي أحمد، وحققت نجاحاً باهراً وتعتبر من بين أفضل أعمالي، وكان يفترض أن نجوب العالم بها ولكن الحرب العراقية أوقفت كل شيء. ومن الأعمال المهمة أيضاً مسرحية (البكرة) التي تعد تجربة خاصة جداً عن نص للشاعرة تيزيز عواد. هي كانت كتبتها لـ 10 شخصيات، لكن فؤاد نعيم حولها لشخصيتين وموسيقي، وكتبت عنها الصحافة كثيراً بسبب نجاحها الكبير. أما (المتمردة) فرافقها حدث مشابه للذي حصل معنا عند عرض مسرحية (مجدلون). فؤاد نعيم أخذها عن مسرحية "أونتيغون"، وهي تحكي قصة شقيقين الأول مع الجيش والثاني مع المقاومة، وبعد قتلهما يقام احتفال كبير للأول أما الثاني فيمنع الملك دفنه. هذه المسرحية هي الأكثر تأثيراً بالواقع اللبناني، لأن أحداثها كانت متوازية مع الأحداث التي كانت تحصل في الشارع عام 1975، ولذلك هي كانت مهمة سياسياً".
وتتابع الأشقر، "أما ريمون جبارة فدوره كبير في المسرح اللبناني، ولكنني قدمت معه عملاً مسرحياً واحداً على الطريقة الكلاسيكية، وقد كان في بداياته وأنا كنت عدت حديثاً من لندن، وأحاول أن أختبر نفسي ولم أكن قد بدأت مسيرتي الإخراجية يومها، كما تعاونت مع شكيب خوري في عملين مسرحيين الأول للتلفزيون بعنوان "مكتب الجحيم" الذي شاركني فيه تمثيلاً أيضاً إلى جانب الراحل رياض غلمية، والثانية "السرير الرباعي الأعمدة" وهي من أولى المسرحيات التي مثلت فيها عند عودتي من بريطانيا، كما أنه شاركني كممثل في مسلسل "تمارا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتؤكد الأشقر أنها لم تتأثر بأي من المخرجين عندما قررت امتهان الإخراج، "في المدرسة كنت أحظى بتشجيع من المعلمات على التمثيل والكتابة، وعندما وصلت إلى المرحلة الجامعية قررت أن أدرس الإخراج في لندن. وبدأت المسيرة بإخراج الأعمال المسرحية في مدرسة المغتربين في قريتي "ديك المحدي" عند عودتي صيفاً إلى لبنان، ومن بينها "الآباء والبنون" لمخائيل نعيمة، ثم تعرفت على روجيه عساف وغبريال البستاني اللذين زاراني في القرية عندما سمعا عني كمخرجة، وأعجبا بعملي وطلبا مني أن أشارك في أعمالهما".
دورها الفعال في حركة المسرح لم يقتصر على لبنان حين أسست "محترف بيروت للمسرح"، بل تعداه إلى الدول العربية إذ توضح: "عندما انتقلت خلال الحرب مع زوجي الذي كان يعمل في وكالة الصحافة الفرنسية إلى الأردن، كان لا بد من أن أكمل مسيرتي المسرحية عربياً، فكانت "ألف حكاية وحكاية" في (سوق عكاظ)، وأسست فرقة (الممثلون العرب) مع الطيب الصديقي وكنا نجول في كل دول العالم العربي. وكان يطلب مني أن أعمل كمستشارة في كل دولة عربية أزورها، وأنا لم أمانع أبداً".
كاترين دونوف
إلى المسرح، كانت للأشقر تجارب تمثيلية في مسلسلات عدة من بينها "تمارا"، "زنوبيا"، "نساء عاشقات"، "شجرة الدر"، "المعتمد بن عباد"، وأخرى سينمائية في أفلام باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وهي لا تخفي شعورها بالندم لأن تجربتها في السينما والتلفزيون كانت محدودة، وتقول إن "المسرح كان مشروع حياتي وكرست له 26 عاماً من عمري. ومسرح المدينة كان بمثابة مركز ثقافي في مدينة بيروت، وأنا أعطيته كثيراً من وقتي، ولكنني نادمة جداً لأنني لم أشارك في كثير من الأعمال التلفزيونية، ولغاية اليوم تطلب مني المشاركة في بعض الأعمال".
أما سينمائياً فشاركت في أفلام عدة من بينها مع النجمة العالمية كاترين دونوف في فيلم للمخرجة نيكول غارسيا، وعن هذه التجربة والإضافة التي قدمتها لها تجيب، "اتصلت بي المخرجة للمشاركة في الفيلم فاعتذرت لأنني كنت غارقة في المسرح وفي مهرجانات بيروت، وعندما أصرت وافقت. كانت تجربة جميلة وناجحة كما سواها من التجارب الأخرى، وكل عمل مكتوب بشكل جيد ومنفذ بشكل صحيح يضيف إلى تجربة الفنان".