على مدى العام ونصف العام الماضيين، بدت "اللقاحات المستندة إلى تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" messenger RNA (اختصاراً، أم آر أن أي mRNA في إشارة إلى نوع الحمض النووي الوراثي الذي تستند إليه) أشبه بالسحر في بعض الأوقات، على الرغم من أن تلك التكنولوجيا الوراثية وضعت قيد التطوير منذ عقود، إلا أن لقاحات كورونا ظهرت على الساحة بسرعة مذهلة. بعد مضي أقل من 12 شهراً على رصد العلماء "كوفيد-19" طورت شركتا "فايزر بيونتيك" و"موديرنا" لقاحين يعتمدان على تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال"، أثبتا فاعلية تخطت الـ 90 في المئة.
في البلاد القادرة على شراء كميات كبيرة من الجرعات التحصينية، شهد معدل إصابات كورونا انخفاضاً بالغاً مع ارتفاع نسبة التلقيح، لهذا أشرنا في مقالة نشرتها "فورين أفيرز" الربيع الماضي، إلى ابتكار لقاحات تستند إلى تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال"، وقدمناها بوصفها "معجزة طبية".
ولكن خلال الأسابيع القليلة الماضية كشف ظهور متحورة "أوميكرون" صاحبة القدرة الفائقة على نشر العدوى، أنه حتى المعجزات قد تكون لها حدود تعجز عن تجاوزها. على الرغم من أن السباق بين الباحثين ما زال جارياً من أجل معرفة مدى قدرة اللقاحات المعتمد على تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" (وجميع اللقاحات الأخرى المضادة لفيروس كورونا) على الوقاية من مضاعفات "أوميكرون"، يشير بحث أولي إلى تراجع واضح في الكفاءة. وجدت إحدى الدراسات أن جرعتين من لقاح "فايزر بيونتيك" توفران حماية من العدوى بـ 30 في المئة، وأن جرعة ثالثة معززة قد زادت الفاعلية حتى 75 في المئة. (كذلك تبين أن اللقاحات توفر حماية شديدة القوة ضد المضاعفات الصحية الخطيرة والوفاة نتيجة "أوميكرون"). ومجدداً يتفاقم عبء الإصابات في شتى أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، ويحذر خبراء في علم الأوبئة من أن مساحات شاسعة من العالم قد تغمرها موجات جديدة مدمرة من "كوفيد-19".
في مواجهة النسخة المتحورة الجديدة من كورونا، هل تواصل لقاحات "الحمض النووي الريبوزي المرسال" صنع العجائب؟ تتوقف الإجابة عن هذا السؤال على تعزيز الجهود المبذولة فعلياً في هذا المجال من قبل العلماء والحكومات والشركات المصنعة للقاحات، بغية تحقيق أقصى استفادة من هذه التكنولوجيا، ويتوجب على الجهات الفاعلة المذكورة توظيف استثمارات كبيرة تسمح بإنتاج كميات ضخمة من اللقاحات (بما فيها جرعات معدّلة تستطيع إعطاء حماية من المتحورات إذا لزم الأمر)، وتخزينها بسهولة وتقويم مدى سلامة استخدامها وحجم فاعليتها، ثم التعجيل في توزيعها، لا سيما في البلاد التي لم تحصل بعد على إمدادات تسد حاجات سكانها من الجرعات.
كذلك سيتعين على تلك الجهات أن تحرص على أن تتمكن الدول الفقيرة من تطعيم سكانها على وجه السرعة، ذلك أن نسبة التحصين المرتفعة تحد من إمكانات تحور الفيروس جينياً، وسيتعين عليها أيضاً تطوير لقاحات جديدة قادرة على توفير حماية أوسع نطاقاً وأطول ضد المتحورات الموجودة اليوم، وتلك التي ستطرأ في المستقبل.
ولكن ثمة ما يبعث على التفاؤل بأن تكنولوجيا "أم آر أن أي" ستواصل أداء دورها الريادي في هذه الجائحة، إذ تتميز هذه اللقاحات بمرونة وفاعلية مذهلتين، فيما تحاول الجهات الفاعلة كافة تقريباً، سواء كانت دولاً أو جهات مصنعة أو علماء، الاستفادة حاضراً من هذه التقنية المذهلة في ابتكار جرعات أكثر متانة وقابلة للتوزيع بسهولة، وتستطيع هذه اللقاحات أن تساعد العالم في تحقيق الهدف الذي طرحه "تحالف ابتكارات التأهب الوبائي" Coalition for Epidemic Preparedness Innovations اختصاراً " سيبي" CEPI (حيث نعمل) وتبنته مجموعة "مجموعة الدول الكبرى السبع"، ويرمي إلى تطوير لقاحات مضادة لأي جائحة [قد تطرأ مستقبلاً] في غضون أقل من 100 يوم.
ربما يبدو حجم هذا التطلع أكبر من القدرة على تحقيقه، ولكن كذلك كان هبوط الإنسان على سطح القمر، بل إن الرهانات على احتواء الجوائح تعتبر أعلى من ذلك. ربما يبقى الفيروس المسؤول عن كوورنا موجوداً بيننا إلى الأبد، لذا من شأن لقاحات "الحمض النووي الريبوزي المرسال" أن تقف سداً أمام تكرار سيناريو الماضي سواء في ما قد تحمله الأيام المقبلة من الجائحة الراهنة، أو مسار أي جائحة أخرى تتفشى لاحقاً.
كشفت السنة الماضية عن أوجه قصور في تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال"
أولى أدوات التصدي للجائحة
منذ أن حازت الموافقة على الاستخدام الطارئ، منذ سنة ونيف، أكدت لقاحات الـ "أم آر أن أي" أنها تشتمل على كثير من المواصفات المطلوبة في جرعة توفر استجابة عاجلة، ففي المستطاع إنتاجها في وقت قصير نسبياً، فضلاً عن أنها مأمونة وتثير استجابة مناعية قوية في الجسم، ولا تتطلب فاصلاً زمنياً طويلاً بين الجرعتين الأولى والثانية، أضف إلى ذلك ألا شيء يمنع "إعطاء الملقحين جرعات إضافية معززة منها"، وكذلك يعتقد العلماء أنه من المستطاع إدخال تعديلات سريعة عليها حين ظهور أي طفرات جينية جديدة تستدعي القلق، على شاكلة "دلتا" أو "أوميكرون".
وفي المقابل، كشفت السنة الماضية أيضاً عن عيوب تشوب تقنية "أم آر أن أي"، بعضها ينبع من بنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" نفسه، إذ يعطي الأخير تعليمات للخلايا في الجسم من أجل إنتاج أجزاء أساسية من بروتين التركيبات الجينية الفيروسية الموجود في "الأشواك" التي تغلف "كوفيد"، ولذا يسمى "البروتين الشوكي" spike protein، علماً أن تلك الأشواك تمثل أداة الفيروس في لالتصاق بخلايا الجسم البشري الذي يدخله، ثم الولوج إليها. هكذا، [بفضل تعرضه للحمض النووي الريبوزي المرسال" في اللقاح] يتعلم الجسم كيف يحارب الفيروس من دون أن يضطر إلى مواجهة عدوى حقيقية.
واستطراداً، يستطيع الـ "أم آر أن أي" والجسيمات الدهنية النانوية [تشكل نوعاً من الدعامات التي تستند إليها بقية التراكيب الهشة في "الحمض المرسال"]، وهي ضرورية لإيصال اللقاح إلى الجسم، يمكنهما توليد استجابة مناعية تضاف إلى التفاعل الذي يساعد الجسم في تطوير أجسام مضادة واقية، وبالتالي تعتبر تلك الاستجابة المتنوعة هي السبب في مكابدة كثيرين آثاراً جانبية قصيرة الأجل، إنما مزعجة، بعد تلقي هذا النوع من اللقاحات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستكمالاً، تعتبر بنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" نفسه السبب أيضاً في صعوبة توزيع هذه اللقاحات تحديداً. إن الجسيم النانوي الدهني، علماً أنه عبارة عن كرة دهنية تغلف جزيئات "الحمض المرسال"، شديد التأثر بالحرارة والاحتكاك، مما يجعله هشاً تماماً. قدمت الجائحة فرصة للعلماء كي يستجمعوا معرفة كبيرة بشأن لقاحات "أم آر أن أي"، وأظهرت تجارب مختبرية تحققت من مدى ثبات "الحمض المرسال" أن في وسعنا تخزين الجرعات المعمول بها حالياً لفترة أطول نسبياً مما كان يعتقد في البداية، حتى في درجات حرارة التبريد العادية. تنطوي ابتكارات مستقبلية من قبيل تجفيف جزيئات الـ "أم آر أن أي" مع وجود عناصر مثبتة مضافة، على إمكان تحسين ظروف التخزين بشكل أكبر، لكن في الوقت الحالي ما زال شحن اللقاحات من منطقة إلى أخرى وحفظها فترة زمنية طويلة يتطلبان درجات حرارة شديدة البرودة، مما يفرض مصاعب لوجستية في بعض البلاد.
وكذلك قاد الطابع الابتكاري غير المألوف والمعقد الذي تتسم به هذه اللقاحات إلى عدم مساواة في الإنتاج. حالياً تتمركز الغالبية العظمى من مواقع تصنيع لقاحات "الحمض النووي الريبوزي المرسال"، في أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي. وفي آسيا تملك شركات قليلة القدرة على إنتاج جرعات مستندة إلى الـ "أم آر أن أي"، وتقع جميعها في الصين والهند، ويستخلص من ذلك أن كل الجرعات تقريباً المخصصة للعالم النامي من هذه التطعيمات لا تصل إلى وجهتها قاطعة المسافات الطويلة إلا بصعوبة بالغة، وعلاوة على ذلك تستورد المكونات المطلوبة لهذا النوع من اللقاحات (وغيرها) من جميع أنحاء العالم، إذ تقدر "فايزر بيونتيك" أن 28 معبراً حدودياً تتشارك في صناعة وتعبئة وإنهاء وتوزيع جرعات لقاحهما.
يخضع كثير من هذه المعابر لإجراءات الجمارك ويتعرض لتأخير سلسلة الإمداد، وعلى الرغم من الجهود المهمة التي يشهدها العالم الآن لبناء مصانع في الدول الأقل ثراء، لم تتشارك "فايزر بيونتيك" أو "موديرنا" خبراتهما التكنولوجية مع جهات أخرى، وحتى لو لاح في الأفق إنشاء مصانع إضافية فإن تصنيع أي لقاح يتطلب أشخاصاً مدربين وأنظمة مراقبة الجودة وعمليات تنظيمية تحرص على أن تلبي الجرعات معايير الجودة والسلامة. ربما يكون تصنيع لقاحات مستندة إلى تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال"، سريعاً ومرناً من الناحية الفنية، لكنه لا يتسم بالسهولة.
أخيراً، يبدو أن الأجسام المضادة الناجمة عن الـ "أم آر أن أي"، ومن ثم الحماية من العدوى، تتضاءل بعد مرور ما يتراوح بين ستة أشهر إلى سنة على أخذ الجرعة. تبعث هذه الحقيقة على التساؤل حول مدى حاجة المطعمين إلى جرعة ثالثة، ومدى كفايتها أيضاً.
نظراً إلى الشكوك المحيطة بانخفاض المناعة لا يبدو واضحاً إذا كانت لقاحات "الحمض النووي الريبوزي المرسال" ستشكل الحل المناسب للسيطرة الطويلة المدى على الأمراض المتوطنة، أو إذا كان ينبغي في الأساس اعتبارها خط الدفاع الأول في مواجهة هذه الأزمات.
وفي المقابل، يبدو جلياً أنه سواء باستخدام تقنية "أم آر أن أي" أم لا، يحتاج العالم إلى لقاحات توفر في آن حماية أكبر وحصانة أكثر ديمومة ضد مجموعة واسعة من فيروسات كورونا ومتحوراتها. ويحتدم السباق إلى تطوير هذا الشكل من الجرعات، إذ أعلن "تحالف ابتكارات التأهب الوبائي" و"المعاهد الوطنية للصحة" عن توفير دعم مالي لمصلحة هذه الجهود، سيشتمل كثير من المقاربات المتبعة، وليس جميعها، على تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال". مثلاً، ثبت أيضاً فاعلية اللقاحات المصنعة بتقنية "الناقل الفيروسي" Viral Vector [تقنية مستخدمة في صنع لقاحي "أسترازينيكا" و"جونسون أند جونسون"، تعتمد على أخذ جزء غير مؤذ من جينات كورونا المسؤولة عن صناعة "البروتين الشوكي"، ثم إدخالها في فيروس ضعيف ومسالم، كذلك الذي يسبب الزكام العادي، وصنع لقاح منها]، وكذلك اللقاحات التي تعتمد على تقنية "البروتين المؤتلف"Recombinant Protein [يستعملها لقاح "نوفافاكس" الأميركي، وتعتمد أخذ جزء من تركيبة "البروتين الشوكي" يكون غير مؤذ من جهة، ويقدر على إحداث تحفيز قوي في جهاز المناعة لدى الإنسان من جهة أخرى]. ويستكشف الباحثون طرقاً في تسريع صناعتها. علاوة على ذلك تتنامى الأدلة على أن الجمع بين اللقاحات التي تختلف في تقنية تصنيعها، مثل الحصول على جرعات تحصينية مستندة إلى تقنية "الناقل الفيروسي"، مثل لقاح "جونسون آند جونسون"، متبوعة بلقاح مشغول بتقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" [مثل لقاح فايزر بيونتيك] (ما يسمى في علم المناعة "نظام التطعيم بجرعات غير متجانسة" heterologous vaccination regimen)، فقد يحظون بحماية أشمل وأكثر قوة مقارنة بالحصانة التي يوفرها الالتزام بنوع واحد من تلك المنتجات.
الفوز في الحرب
يبقى أن نرى إذا كانت نظم اللقاحات الأخرى [أي تلك المصنوعة بتقنية مختلفة عن تكنولوجيا "أم آر أن أي"]، أو الجمع بين جرعات من لقاحات مختلفة، ستثبت أنها أسرع أو أقدر على مواجهة كورونا. وحتى وقت كتابة هذا التقرير أثبتت تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" أنها الأفضل في إنتاج مستويات عالية جداً من الأجسام المضادة لفيروس كورونا في الجسم، على المدى القصير في الأقل. ينبغي على المجتمع الدولي أن يواصل العمل على تطوير تقنيات أخرى، وفي المقابل عليه أن يلتمس السبل كي يساعد البلاد النامية في تعزيز قدرتها على تصنيع لقاحات "الحمض النووي الريبوزي المرسال" محلياً.
لا تدّخر بعض المؤسسات العالمية جهداً في مساعدة تلك الدول. حددت "منظمة الصحة العالمية" مثلاً مرافق كي تكون بمثابة "مراكز نقل تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال" في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وتعمل بدأب على تجنيد الشركات الراغبة في تكريس تكنولوجياتها من أجل هذا الجهد، وكذلك أبدت مؤسسات مصرفية دولية عدة موافقتها على الإسهام في تمويل هذه المرافق، ولكن الشركات نفسها التي طورت تقنية "الحمض المرسال" بدت أقل حماسة لهذه الخطوة. حاضراً، لا ترغب "فايزر بيونتيك" و"موديرنا" في تشارك ملكيتها الفكرية الخاصة باللقاحات مع جهات أخرى، مما أثار سلسلة من الجدالات حول السياسة التجارية وحماية الملكية الفكرية، فضلاً عن دعوات من بلاد عدة إلى التنازل عن "الاتفاق حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية" (أو تريبس TRIPS). في المقابل، أشارت الشركتان إلى انفتاحهما على بناء مرافق خاصة بهما في البلاد الفقيرة، وثمة مشاريع عدة على هذه الشاكلة في المراحل الأولى من التطوير، بعضها في جنوب أفريقيا ورواندا والسنغال.
في مسار مواز، لا تشكل القدرة الإنتاجية سوى جزء من المعضلة، وكي يحظى العالم بحماية أفضل من فيروس كورونا يتوجب على المصنعين أن يستكشفوا الآن المرونة التي يتسم بها الاستخدام المتعدد لـ "تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال" وينهضوا بتجارب حولها، وذلك من طريق تطويعها في الاستعمال المحتمل ضد المتحورات الجديدة.
في الواقع، شرعت "فايزر بيونتيك" و"موديرنا" كلتاهما بذلك، إذ انكبتا على ابتكار لقاحات تتصدى لمتحورة "أوميكرون" تحديداً، ومن المتوقع وفق الاتحاد الأوروبي وألمانيا أن تكون جاهزة للتوزيع أوائل 2022.
في سياق متصل، تعمل الجهات التنظيمية على تبسيط القوانين المتعلقة بالحصول على تراخيص تتيح تصنيع لقاحات كورونا، وذلك بوسائل عدة تشمل القياس على عملية الموافقة السنوية على لقاحات الإنفلونزا الموسمية.
علينا أن ننتظر لنرى إذا كان ذلك سيتحقق بسرعة كافية ليترك تأثيراً في موجة "أوميكرون"، ولكن سواء أجدى نفعاً أم لم يفعل، قد لا تكون "أوميكرون" المتحورة الخطيرة الأخيرة لـ "كوفيد-19".
العالم يلزمه لقاحات جديدة توفر حماية أكثر ديمومة وتحول دون نشوء موجات أخرى من المرض والموت نتيجة كورونا
وعلى نحو مستمر تطرأ على الفيروس تحورات جينية، وحتى إذا استطاعت الجهات التنظيمية والمطورة الوفاء بالجدول الزمني الطموح البالغ 100 يوم [في ابتكار كل لقاح جديد]، يحتاج العالم إلى لقاحات جديدة أكثر ديمومة للحؤول من دون نشوء موجات أخرى من أشكال المرض الخطيرة والوفيات، وما يترتب عنهما من اضطرابات اجتماعية واقتصادية، وفي سبيل بلوغ تلك الغاية تعكف بعض الشركات المعنية بتطوير "أم آر أن أي" على ابتكار لقاحات متعددة التكافؤ multivalent vaccines [بمعنى تعدد التراكيب الجينية الفيروسية التي تحتويها] تمثل كلها "بروتينات شوكية" من متحورات معروفة متأتية من فيروس "كوفيد-19"، فمثلاً يحتوي لقاح "موديرنا" الثنائي التكافؤ [أي أنه يضم تركيبتين مختلفتين من جينات فيروس كورونا] على بروتينات شوكية من السلالة الأصلية لفيروس كورونا، إضافة إلى تلك المنتمية إلى متحورة "بيتا"، وقد ثبت أنه يثير استجابة مناعية قوية لسلالة كورونا كلها.
على نحو مماثل، تسعى شركات مصنعة إلى تطوير لقاحات تستند إلى نسخة ذات نسق "توافقي" من البروتين الشوكي الذي يغلف "كوفيد-19"، وبالتالي سيؤدي إعطائها إلى تعريف خلايا الجسم على بروتينات شوكية مصنعة بالتقنيات الجينية [على غرار تقنية "أم آر أن أي"]، لأن تلك اللقاحات تحتوي على مجموعة مختارة من طفرات رصدت في متحورات مختلفة، مع ملاحظة أن تلك الطفرات ربما تتملص من المناعة التي سبق أن اكتسبها الجسم، وبناء عليه ففي مقدور تلك التقنية [بروتينات توافقية تحاكي بروتينات شوكية متنوعة موجودة في طفرات مختلفة] أن تنتج جرعات تحمي من المتحورات المستقبلية الخطيرة.
لقد صنع علماء آخرون لقاحات تحتوي على أجزاء من بروتينات غير شوكية لم تطرأ عليها تحورات جينية كثيرة، وقد تكون ناجعة أيضاً في الوقاية من المضاعفات الصحية التي تتسبب بها مجموعة من متحورات كورونا.
ومن دون شك فإن وضع تصورات بشأن تلك العمليات من التعديلات [في تقنيات صنع اللقاحات]، يبقى أسهل من تنفيذها. سيكون لزاماً على البحوث المستقبلية إثبات أن الجيل الثاني من هذه اللقاحات قادر على توفير حصانة واسعة النطاق على أرض الواقع، وكذلك إظهار أن المناعة التي تولدها لن تندثر بمرور الوقت.
بالنظر إلى عموم النتائج الأولية فمن السهل أن ننسى أن لقاحات "الحمض النووي الريبوزي المرسال" ما زالت تقنية ناشئة، ويتوجب على العلماء والشركات صنع لقاحات يمكنها منع التهديدات المستقبلية على نحو أسرع، وسواء كانت معجزة طبية أم لا، يجب أن تخضع لقاحات "أم آر أن أي" لمزيد من عمليات الصقل والتهذيب، لكنها ربما تساعد العالم في الوفاء بمهمة الـ 100 يوم [كي تصبح المدى الزمني اللازم لصنع لقاح].
* نيكول لوري مديرة "تحالف ابتكارات التأهب الوبائي" (سيبي) في الولايات المتحدة، والمستشارة الاستراتيجية للرئيس التنفيذي. شغلت منصب مساعد وزير "الاستعداد والاستجابة" في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية خلال إدارة باراك أوباما.
** جاكوب بي كرامر رئيس قسم التطوير السريري في "تحالف ابتكارات التأهب الوبائي".
*** كيت كيلاند الكاتبة العلمية الأولى في "تحالف ابتكارات التأهب الوبائي".
**** ريتشارد جيه هاتشيت الرئيس التنفيذي "في تحالف ابتكارات التأهب الوبائي".
فورين أفيرز
ديسمبر (كانون الأول) 2021