فيما يبدأ العالم عامه الجديد مثخناً بأعباء فيروس كورونا للسنة الثالثة، يأمل كثيرون في أن تكون السنة الجديدة محطة عبور الوباء وتجاوز تبعاته، في وقت لا تبدو في الأفق أي مؤشرات إلى أن "كوفيد-19" على وشك الرحيل بالرغم من الذخائر الطبية من أدوية ولقاحات، التي رُصدت حتى الآن لمواجهته.
ومع الساعات الأخيرة من العام المنصرم، جدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس آماله في القضاء على الجائحة خلال عام 2022، قائلاً إن "العالم يملك الأدوات لإنهاء هذا الوباء"، حتى لو تخطى عدد الإصابات المسجل يومياً الأرقام القياسية.
ومنذ أواخر عام 2019، يواصل وباء كورونا بمتحوراته المتعددة حصد ضحاياه، متجاوزاً بإصاباته حاجز الربع مليار إنسان حول العالم، وأكثر من 5 ملايين وفاة، وبالرغم من رحلة مواجهته الإنسانية، لا تزال التحليلات والدراسات تتوقع استمرار حالة الطوارئ الصحية في بلدان العالم وظهور متحوّرات جديدة قد تشكل خطراً على حياة البشر وإن تفاوتت النسب، في وقت تتفاءل أخرى بأن يكون عام 2022 نهاية الجائحة.
"اللامساواة" تعمق الأزمة
وفق ما جاء في الرسالة التي وجّهها غيبريسوس عبر تطبيق "لينكد إن" بحلول العام الجديد، فإنه "وكلما طالت اللامساواة، كلما استمرت الجائحة"، موضحاً، "بعد مرور عامين، بتنا نملك الأدوات التي تخوّلنا محاربة كوفيد-19"، بيد أنها موزعة على نحو غير متساوٍ حول العالم.
وأوضح أن "في أفريقيا، 3 من 4 عاملين في قطاع الصحة لم يتلقّوا اللقاح، فيما يتلقّى الناس في أميركا وأوروبا الجرعة الثالثة"، معتبراً أن "فجوة اللامساواة بالحصول على اللقاح هي التي أعطت الفرصة لنشوء متحوّرات جديدة، الأمر الذي يحجزنا داخل دوامة من الخسارات والمصاعب والقيود". وأضاف، إذا "وضعنا حدّاً لعدم المساواة، نقضي على الجائحة وينتهي هذا الكابوس العالمي الذي اختبرناه جميعاً. وهذا ممكن".
وذكر غيبريسوس "نعلم كيف نعالج المرض، ونحسّن فرص البقاء على قيد الحياة للأشخاص الذين يعانون المرض الشديد. مع كل ما اكستبناه والقدرات التي نتمتع بها اليوم، أصبحت فرصة القضاء نهائياً على الجائحة في متناول يدينا".
كان كبير خبراء الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايك رايان، أعلن قبل يومين من انتهاء عام 2021، أن "المرحلة الحادة من جائحة كورونا قد تنتهي عام 2022، لكن فيروس كورونا لن يختفي"، مضيفاً "الوقت ما زال مبكراً لاستخلاص استنتاجات بشأن خطورة المتحوّرة أوميكرون، والأمور ستتضح أكثر عندما تنتشر بشكل أوسع في أوساط كبار السن"، موصياً بعدم القيام بتغييرات كبيرة في الإجراءات الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس.
وحالياً تُعدّ "أوميكرون" المتحوّرة المهيمنة في غالبية دول العالم بحسب مراكز الوقاية من الأمراض ومكافحتها، وأثار ظهورها المخاوف مجدداً، بعدما كان التطور السريع للقاحات قد منح الأمل للحد من انتشار الجائحة بنهاية 2021، إلا أن قدرة الفيروس على العدوى جعلت حياة البشر رهينة تطورات الوباء صعوداً وهبوطاً من جديد.
الحاجة للقاحات جديدة
مع تزايد المخاوف من سرعة انتشار "أوميكرون"، أفادت دراسة أميركية نُشرت مع العام الجديد بأن هناك حاجة إلى ضرورة إيجاد لقاحات تحمي على وجه التحديد من المتحوّرة الجديدة. وبحسب ما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية، فإن الدراسة الصادرة عن مدرسة "إيكان" للطب في "ماونت سيناي" في نيويورك بالولايات المتحدة، اختبرت أشخاصاً تم تطعيمهم وتعزيزهم بلقاحات "موديرنا" أو "فايزر"، علاوة على أشخاص تعافوا بالفعل من كورونا. وأظهرت أن "الفيروس قد ينتشر في جميع أعضاء جسم الإنسان تقريباً، وقد يظل ناشطاً في أعضاء متعددة بعد انتشاره من خلال الشعب الهوائية لأكثر من سبعة أشهر، ما يعني أن هناك حاجة للقاحات جديدة".
ويقول باحثون في معاهد الصحة الوطنية الأميركية إنهم خلصوا إلى أن "الفيروس المسبب للإصابة بكورونا قادر على التكاثر في الخلايا البشرية خارج الجهاز التنفسي، ومن ثم ينتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء أجساد المرضى الذين توفوا لاحقاً نتيجته، وذلك على الرغم من عدم تسجيل أي ملاحظات حول حدوث عدوى خطيرة بأي أعضاء داخلية للمتوفين نتيجة الفيروس خارج الرئتين".
بارقة أمل
في الأثناء، ووفق ما ذكرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإنه "على الرغم من الخطر الذي تمثله المتحوّرة الجديدة، العلماء متفائلون لأن العبء الذي يمثله الفيروس على الصحة العالمية سيتراجع".
ومتسائلة عن "كيف ينتهي وباء كورونا وماذا بعد أوميكرون؟"، قالت الصحيفة البريطانية، "مع دخول العالم المنهك عاماً ثالثاً في مواجهة الفيروس، هناك تفاؤل بين عدد من العلماء بأن تأثير الوباء في الصحة العالمية سيتراجع خلال 2022"، مشيرة إلى أنه وبالرغم من المخاوف من المتحوّرات الجديدة، "إلا أن السيناريوهات الأكثر احتمالية تظهر كثيراً من التحسن في المستقبل، بسبب زيادة المناعة بين سكان العالم، من خلال التطعيم والعدوى الطبيعية، التي من المرجح أن تؤدي إلى عواقب أقل حدة للفيروس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونقلت الصحيفة عن جيرمي فارار، مدير مؤسسة "ويلكوم" الطبية البريطانية، قوله إن "ارتفاع حالات الإصابة بمتحوّرة أوميكرون في أوروبا وأميركا الشمالية كان سريعاً للغاية، وربما نشهد هبوطاً سريعاً بالقدر ذاته خلال الشهر أو الشهرين المقبلين، على الرغم من أن الأمر قد يستغرق من 4 إلى 6 أشهر حتى يتراجع انتشارها في العالم بأسره".
وبحسب دراستين حديثتين نُشرتا اليوم السبت، فإن المتحوّرة الجديدة لكورونا "أوميكرون" تمتلك طريقة أقل فاعلية في مهاجمة خلايا الرئة، وتُعدّ أقل خطراً من المتحورات الأخرى. وجاء في الدراستين اللتين نقل ملخصيهما موقع "بيزنيس إنسايدر" الأميركي، وتجاوز عدد العلماء المشاركين فيهما 60 عالماً من جامعات أميركية وبريطانية، أن "أوميكرون أقل حدة لأنها تهاجم خلايا الرئة بطريقة مختلفة، وإن طفرات عدة في المتحورة الجديدة تبدو أنها غيّرت تماماً طريقة تكاثرها في الجسم".
ونقل الموقع عن رافيندرا غوبتا، المحاضر البارز في مركز أبحاث "ويلكوم ترست" للعلوم السريرية بكلية لندن الجامعية والمؤلف المشارك في الدراسة الأولى، أن أوميكرون تقوم بالفعل بعملها الخاص بطرق عدة، إذ إن بيولوجيا الفيروس ليست كما كانت من قبل، إنها تقريباً شيء جديد"، موضحاً أن "هذا يقدم دليلاً جديداً يدعم فكرة أن المتحوّرة الجديدة أقل خطورة وأقل في عدد الوفيات، الأمر الذي أشارت إليه دراسات أخرى عدة".
ووفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، اليوم السبت، "فإن دراسات جديدة أُجريت على الفئران والهامستر، ووجد الباحثون أن أوميكرون تسبب ضرراً أقل على الرئتين بعكس السلالات السابقة، بحيث يقتصر الضرر على مجرى الهواء العلوي، الأنف والحنجرة والقصبة الهوائية".
ونقلت الصحيفة عن مايكل دايموند، عالم الفيروسات في جامعة واشنطن وأحد مؤلفي الدراسة قوله إن "المتحوّرات السابقة لكورونا، بخاصة دلتا، تسبب ضرراً كبيراً في الرئتين وصعوبات خطيرة في التنفس تؤدي أحياناً إلى الوفاة أكثر من أوميكرون".
وعادة ما تبدأ عدوى فيروس كورونا في الأنف أو الفم وتنتشر في الحلق، إذ إن الالتهابات الخفيفة لا تصل إلى أبعد من ذلك. ولكن عندما يصل الفيروس إلى الرئتين، يمكن أن يتسبب في أضرار جسيمة. ويمكن للخلايا المناعية في الرئتين أن تبالغ في رد فعلها تجاه الفيروس، فتقتل ليس الخلايا المصابة فحسب، بل حتى غير المصابة. كما يمكن أن تسبب التهاباً سريعاً، مما يؤدي إلى تندب جدران الرئة الرقيقة. إضافة إلى ذلك، يمكن للفيروسات الهروب من الرئتين التالفتين إلى مجرى الدم، مما يؤدي إلى حدوث جلطات وتلف الأعضاء الأخرى.
وبحسب ما نقلت وسائل إعلام روسية عن عالم الفيروسات الروسي وكبير الباحثين في مركز "غاماليا" للبيولوجيا المجهرية والأوبئة أناتولي ألتشتاين، فإنه "لا يستبعد أن ينتهي الوباء عام 2022"، مشيراً إلى أن "ظهور متحوّرة أوميكرون لم يجلب وفيات كثيرة، خلافاً لمتحوّرة دلتا، لذلك لا يجب الخوف منها". وأوضح أن "الطفرة الجديدة أسرع انتشاراً، ولكنها تسبب مسارات أقل حدة للمرض ولا تسفر عن إصابات رئوية خطيرة".