تبرز ملامح العام الجديد 2022 في السياسة الإثيوبية كونه عاماً لتحقيق توافق على الساحة الداخلية، حيث بادرت الحكومة بإنشاء لجنة الحوار الوطني المستقلة. ورحبت الحكومة الإثيوبية، الأربعاء الماضي، بتوافد مواطنيها من دول المهجر للاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح، في إشارة لا تخلو من الدلالات على خططها المستقبلية. فهل تحقق إثيوبيا خطوات ناجزة تجاه أزماتها خلال العام الجديد؟
معالم المرحلة المقبلة
وكمؤشر إلى معالم المرحلة المقبلة على الصعيد الداخلي، وافق البرلمان الإثيوبي في جلسة استثنائية، الأربعاء 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بأغلبية الأصوات على مقترح مجلس الوزراء تشكيل لجنة الحوار الوطني كمؤسسة مستقلة.
ويُناط باللجنة الوطنية المستقلة العمل والإعداد لإجراء حوار وطني شامل. وبحسب بيان سابق لمكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، فإن الحكومة أقرت في اجتماعها في العاشر من ديسمبر مشروع إعلان تكوين لجنة للحوار الوطني تشمل جميع النخب السياسية والاجتماعية المتنوعة، لمعالجة مختلف القضايا الوطنية الرئيسة.
وكان وزير الدولة بمكتب الاتصال الحكومي، كبدي ديسيسا، قال في مقترح الحوار، إن "عملية الحوار الوطني الشامل هي أحد الالتزامات التي قطعتها الحكومة على نفسها لأجل التوافق الوطني". وأكد ديسيسا أن "أجندة الحوار الشامل تم وضعها قبل اندلاع الصراع الأخير في إقليم تيغراي"، لافتاً إلى أنه "في إطار التزام الحكومة بإنشاء مؤسسة مستقلة للإشراف على عملية السلام، فإن مجلس النواب سيقر قريباً مشروع إعلان إنشاء لجنة الحوار الوطني"، وهو ما تم بالفعل في مقدم العام الجديد.
لجنة الحوار الوطني
وأتت خطوة إنشاء "لجنة الحوار الوطني" متماشية مع سياسات احتواء صراعات الداخل الإثيوبي وتحقيق السلام المجتمعي، وفي أعقاب الانتصارات التي حققتها الحكومة الإثيوبية بعد استردادها كل المناطق التي كانت خسرتها في إقليمي أمهرا وعفر، وتحويل ميزان القوة والمبادرة على الأرض لصالحها. وتعتبر قضية الحرب في مقدمة الهموم الإثيوبية الداخلية فضلاً عن انعكاساتها الدولية، ما حدا بالحكومة لاتخاذ هذه التدابير في بداية العام الجديد، لتعطي مؤشراً لسياستها المقبلة نحو السلام.
وعلى الرغم من عدم الإشارة مباشرة إلى "قضية تيغراي" في تصريحات الحكومة وفق كلام مسؤول الاتصال الحكومي، فإن "الحوار الشامل المرتقب سيكون بين كل مكونات وأطياف الشعب الإثيوبي، وليس تفاوضاً مع جبهة تحرير تيغراي"، إلا أن مراقبين يرون أن توسيع إطار السلام بحسب التصور الحكومي يُقصد به في الأساس وضع حل شامل لكافة القضايا، بما في ذلك مواد الدستور، بحسب ما أوضح وزير الدولة للخارجية، السفير رضوان حسين، إذ قال، الأربعاء 22 ديسمبر، "إن الحوار المرتقب سيكون شاملاً لكل الأجندة والقضايا المطروحة، بما في ذلك بعض المواد الدستورية المثيرة للجدل التي ستتم مناقشتها في حوار وطني يهدف إلى وضع حل دائم للصراع الداخلي".
إطار العلاقات
وفي إطار آخر، تسعى أديس أبابا في بداية العام الجديد إلى ترميم علاقاتها الخارجية، وتحديداً مع الولايات المتحدة والغرب، إذ صرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي، الخميس الماضي، بأن علاقات بلاده مع واشنطن تمر بـ"ظروف نعتبرها ستتغير مع الوقت واكتشافهم للحقيقة". وأضاف "نعتقد أننا إذا بذلنا جهداً ستعود العلاقات كما كانت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما تحتفظ إثيوبيا بعلاقات متميزة مع دول مثل روسيا والصين وتركيا، أشار مفتي إلى أن "الولايات المتحدة والغرب اختاروا مسارات غريبة للتحدث عن الشأن الإثيوبي من خلال محادثاتهم مع دول أخرى". وكانت الولايات المتحدة وجهت نداءات عدة لتحقق إثيوبيا سلامها الداخلي عبر التفاوض والحوار.
ودعا نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، وزير الخارجية، دمقي مكونن، في 18 نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، المبعوث الأميركي الخاص إلى شرق أفريقيا، جيفري فيلتمان إلى أن تضغط بلاده على "جبهة تحرير تيغراي" للخروج من مناطق في إقليمي أمهرا وعفر. وذكر بيان لمكتب الاتصال الحكومي الإثيوبي حينها أن مكونن أجرى محادثات مع فيلتمان أوضح خلالها سبل وقف الحرب وموقف الحكومة الإثيوبية. وكان بيان أميركي – إثيوبي صدر في أعقاب زيارة فيلتمان الشهر الماضي- أشار إلى أن الأخير شرح موقف الولايات المتحدة ورؤيتها لكيفية إنهاء الحرب عبر السبل السلمية.
وفد سوداني
من الناحية الإقليمية، شهدت بداية العام الجديد تطوراً مهماً في ملف العلاقة بين إثيوبيا والسودان، عكسه زيارة الوفد حكومة النيل الأزرق السودانية إلى إثيوبيا وتوقيعه مذكرة تفاهم أمنية واقتصادية، الخميس 30 ديسمبر، مع حكومة إقليم بني شنقول- قمز الإثيوبي. وكان الوفد السوداني لحكومة ولاية النيل الأزرق المتاخمة لإقليم بني شنقول وصل إلى إثيوبيا، الثلاثاء الماضي، للمشاركة في المنتدى التشاوري الذي شهدته مدينة أصوصا، حاضرة الإقليم، في أول زيارة لوفد سوداني بعد التوترات الحدودية بين البلدين في يوليو (تموز) 2021. وتشير زيارة الوفد السوداني إلى رغبة الدولتين في طي خلافاتهما عبر التوافق والتفاوض، اللذين لا غنى عنهما لتحقيق هدف السلام المنشود.
ترحيب بعودة المهاجرين
وضمن أجواء السلام، وتكوين لجنة الحوار الوطني المستقلة التي أجازها البرلمان والخطوات السياسية المتفائلة بالعام الجديد، رحبت الحكومة الإثيوبية بقدوم مواطنيها من الخارج لإحياء احتفالات عيد الميلاد التي تصادف في 6 يناير(كانون الثاني) الحالي (حسب التقويم الإثيوبي المرتبط بالكنيسة القبطية).
وكان رئيس الوزراء آبي أحمد دعا في وقت سابق الإثيوبيين وأصدقاء بلاده إلى الانضمام إلى التحدي الكبير الذي أطلقه "إثيوبيو المهجر" في مواجهة الصعوبات الماثلة. وتتحضر الحكومة الإثيوبية لاستقبال أبنائها من كافة دول المهجر، وخصوصاً القادمين من الولايات المتحدة ودول غربية باحتفالية وبرامج خصوصا ذات رسالة وطنية منسجمة مع الهموم الإثيوبية المنحصرة في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية. وكانت السكرتيرة الصحافية بمكتب رئيس الوزراء، بليني سيوم قالت في 24 ديسمبر (كانون الأول)، إنه "يُتوقع أن يعود نحو مليون إثيوبي من المهجر إلى الوطن للمشاركة في احتفالات عيد ميلاد المسيح، في تحد لما يصوره الإعلام الغربي عن أوضاع غير مستقرة في إثيوبيا".