كثيرة هي المنتجات اليدوية المصرية التي تحترفها سيدات القرى في صعيد مصر، لكن تبقى منتجات النول والنسيج المعروفة بـ "الفركة" في غرب محافظتي قنا والأقصر، هي الأشهر على الرغم من بساطة منتجاتها. ولأن كميات كبيرة تخرج إلى التصدير لعدد من الدول الأفريقية والأوروبية، أدرجت منظمة "اليونسكو" في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، النسيج اليدوي المصري والنول الخاص بإقليم جنوب مصر في قائمة مواقع التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل.
نبذة عن صناعة "الفركة"
وقال محمد رسلان الباحث في شؤون التراث لجنوب مصر، إن صناعة "الفركة" تعود في أصولها إلى العصور الفرعونية، فكانت تصنع أثواب الملوك والكهنة من خام خيوط الحرير والقطن والكتان، لتشتهر بها قرى مركزي نقادة والقرنة في محافظتي قنا والأقصر. وتحترف السيدات تلك الصنعة اليدوية التي ما زالت تجري عبر الطرق التقليدية البسيطة بشكل يدوي عبر هياكل النول الخشبي لدمج خيوط الحرير، تطلق عليها سيدات الصعيد "مهنة الستر" لأنها كانت تسد احتياجاتهنّ من الأموال.
وأضاف رسلان أن صناعة "الفركة" لاقت شيوعاً كبيراً في قارة أفريقيا خلال الأعوام الـ 200 الماضية، والنساء في أغلب الدول الأفريقية كنّ يتفاءلن بارتداء الفركة في فترة الحمل، كما أن النساء الأفريقيات كنّ يعتقدن أن ارتداء فركة جنوب مصر يجلب لهنّ الحظ والبركة، بل كانت تحرص العروس على شراء جهازها من منتجات النول من جنوب مصر بقرى نقادة والقرنة، كعُرف متبع بين العائلات العريقة.
وتحظى الأسواق السياحية عالمياً بانتشار منتجات "الفركة" من "الشيلان" و"العبايات" و"المفارش" بألوان ورسومات شتى من إنتاج فتيات وسيدات قرى نقادة والقرنة في غرب محافظتي قنا والأقصر (جنوب مصر).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مراحل صناعة "الفركة"
"اندبندنت عربية" زارت عدداً من ورش "الفركة" البسيطة داخل مركز القرنة في غرب الأقصر جنوب مصر، حيث رصدت هياكل وألواحاً خشبية تتوسطها خيوط متنوعة الأشكال والألوان، تنسجها سيدات الصعيد بصبر ودقة، ليخرج المنتج النهائي بقدر التركيز والتخطيط الجيد للمنتج النهائي.
وعن مراحل صناعة "الفركة"، قالت فاطمة الطيب صانعة فركة منذ 30 عاماً، إن "الفركة" تبدأ بجمع لفافات الخيوط من مختلف الألوان سواء من الحرير أو القطن أو الكتان، لرصها بطريقة هندسية محكمة على الهياكل الخشبية المعروفة بالهياكل الفرعونية، وباستخدام آلة الغزل والرسم بالخيوط التي يطلق عليها "المكاكي"، وهي قطعة من الخشب بها ريشة توصل الخيوط من خلالها ويمررها المكوك بين خيوط النول.
وأضافت فاطمة أن دور صانعة النول يتلخص في نسج هذه الخيوط بشكل ودمجها معاً بطريقة انسيابية لتشكل بها منسوجات فنية تتطلب الدقة والإبداع في التنفيذ، مشيرة إلى أن الشال الواحد قد تستغرق في صناعته 48 ساعة من العمل، لذلك تكسب العاملات بتلك الحرفة الصبر والحكمة، وتحتاج دوماً لصاحبات الذوق الرفيع، لافتة إلى أن هذه المهنة يغلب عليها الطابع النسائي، فأغلب من يعمل بها من النساء والفتيات.
مخاطر تواجه الحرفة
على الرغم من إدراج هيئة "اليونسكو" في ديسمبر من عام 2020 النسيج المصري اليدوي المعروف بـ "الفركة" بجنوب مصر في قائمة مواقع التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، إلا أن العديد من المشكلات والعوائق الكبيرة باتت تواجه العاملات في المهنة خصوصاً بعد اجتياح فيروس كورونا العالم.
وقالت عبير أبو الحسن من أقدم صانعات "الفركة" إن أزمة فيروس كورونا عصفت بصناعة النول والنسيج المعروف بـ "الفركة" في مصر، فتضاعفت أسعار خام الخيوط إلى خمسة أضعاف، كما تسببت سياسة الإغلاق التام التي نفذتها معظم دول أوروبا وآسيا إلى توقف التصدير، كما كسدت منتجات "الفركة" داخل الأسواق السياحية.
وأضافت عبير أن الحرفة باتت تعاني من عزوف صاحبات الخبرة بسبب قلة أرباح عوائد المبيعات، بسبب القفزات السريعة لأسعار خام خيوط القطن والكتان والحرير، وهو ما قد يهدد الحرفة بالاندثار، وطالبت عبير الحكومة المصرية بضرورة دعم صناعة النول المصري عبر دعم أسعار خام الخيوط، ما سيخلق فرص عمل عملاقة في قرى الصعيد، بالتالي تعزيز تصدير منتجات "الفركة" إلى خارج مصر، ما سيوفر عملات صعبة للاقتصاد القومي المصري، لافتة إلى أن إدراج صناعة النول والنسيج المعروف بـ "الفركة" على قوائم اليونسكو لم يجن ثماره حتى الآن.