توقع تقرير حديث أن تستمر أسعار السلع والخدمات في معدل صعودي خلال العام الجديد (2022). ما يتسبب في أن تبقى معدلات التضخم مرتفعة وبعيدة إلى حد كبير من مستهدفات البنوك المركزية على مستوى العالم.
وفيما تعاني دول الاتحاد الأوروبي من ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى مستوى في عقود، فقد انتهى عام 2021 في الولايات المتحدة الأميركية على ارتفاع قياسي في معدلات التضخم. وهو ما لا يبشر بالخير في 2022. فقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير لدرجة أن تراجع الأسعار وعودتها إلى معدلاتها الطبيعية سيستغرق وقتاً طويلاً. لكن، من المرجح أن تظل أرقام التضخم غير المريحة خلال العام الماضي في بداية العام الجديد.
وتشير بيانات حديثة إلى أن أسعار السلع والخدمات واصلت ارتفاعها خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إذ ارتفع اثنان من مقاييس التضخم الأكثر مشاهدة، وهما مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، وسجلا أعلى مستوى في 39 عاماً. والمؤشر الأخير هو ما يوليه الاحتياطي الفيدرالي القدر الأكبر من الاهتمام عند تقييم التضخم في البلاد.
سيولة باهظة عززت ارتفاع التضخم
وعلى الرغم من البيانات السلبية، هناك مجال للتفاؤل. فالبنك المركزي الأميركي، المكلف الحفاظ على استقرار الأسعار، أعلن أنه سيتراجع عن خطط التحفيز الضخمة التي أطلقها منذ ظهور جائحة كورونا، وتسببت السيولة الباهظة التي ضخها في الأسواق في أن تقود معدلات التضخم إلى مزيد من الارتفاع. ومن المتوقع أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة خلال عام 2022، لترويض موجة التضخم العنيفة ووقف النزيف الذي يواجهه الاقتصاد الأكبر في العالم.
وأظهرت بيانات ديسمبر (كانون الأول) 2021، أن الأسعار خلال نوفمبر ارتفعت بمعدل أبطأ مما كانت عليه خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2021، لكل من مؤشري "سي بي آي" و"بي سي إي". وهذه أخبار جيدة، على الرغم من أن التباطؤ كان صغيراً عند 0.1 نقطة مئوية فقط.
في الوقت نفسه، يفضل الاقتصاديون النظر إلى تحركات الأسعار على مدى فترة زمنية، وليس بشكل لحظي أو مؤقت. وعادة ما تكون 12 شهراً. لذا، فإن تباطؤاً صغيراً مثل تباطؤ نوفمبر لن يضيف جديداً إلى ملف التضخم المزعج.
في الواقع، قد يستغرق ظهور هذه التباطؤ المتزايد في البيانات أشهراً. وبعد عام من موجة ارتفاع أسعار السلع بسبب ارتفاع الطلب والفوضى التي تواجهها سلاسل التوريد والإمدادات العالمية، تم وضع كثير من الأرقام الكبيرة في مجموعة بيانات الاثني عشر شهراً.
وحتى إذا انخفض التضخم بشكل مفاجئ من أعلى مستوياته، من المتوقع أن يستغرق الأمر وقتاً للمؤشرات الرائدة لتعكس ذلك. وهذا ما يتحدث عنه رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، عندما ذكر "التأثيرات الأساسية". وكان الاحتياطي الفيدرالي، في وقت سابق، قد دعا إلى استبعاد كلمة "مؤقت" عند الحديث عن معدلات التضخم. ما يشير إلى أن موجة ارتفاعات الأسعار ستصاحبنا خلال عام 2022.
لماذا سيبقى التضخم مرتفعا؟
في ما يتعلق بالمعطيات القائمة، فإن هناك عوامل عدة تجعل الأسعار مرتفعة وتدفع التضخم إلى أن يبقى عند أعلى مستوياته في الأمد القريب. أحد أهم هذه العوامل يتمثل في الفوضى التي تواجهها سلاسل التوريد والإمدادات العالمية، التي بلغت ذروتها خلال موسم الصيف الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من تخفيف بعض الاختناقات في بعض المناطق من العالم، إلا أن المشكلات لم يتم حلها بالكامل. وطالما أن حل الأزمة مكلف ويستغرق وقتاً أطول إلى حين التمكن من نقل البضائع حول العالم بسهولة، فمن المحتمل أن تنتقل تكاليف النقل المرتفعة إلى المستهلكين، خصوصاً أن أزمة النفط تسببت في ارتفاع كلفة الشحن بنسب قياسية خلال العام الماضي. وهو ما أضاف مزيداً من الدعم للتضخم الذي واصل ارتفاعه بالفعل.
ومن العوامل الأخرى المسهمة في زيادة معدلات التضخم وبقائها عند معدلات قياسية، ارتفاع تكلفة أسعار السلع الأساسية. ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء. وقد ارتفعت الأسعار في كلا القطاعين خلال 2021 وأصبحت جزءاً كبيراً من التضخم الذي شهدناه. في حالة المواد الغذائية، أجبرت الأسعار المرتفعة بعض المستهلكين على شراء كميات أقل أو البحث عن عروض أو تغيير متاجرها المعتادة.
ولا يتوقع اقتصاديون أن تتحسن هذه الأوضاع خلال عام 2022. وبصرف النظر عن ارتفاع الطلب وتكاليف الشحن، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الأسمدة واستمرار سوء الأحوال الجوية إلى إبقاء أسعار المواد الغذائية مرتفعة حتى مع انحسار ضغوط التضخم الأخرى التي تغذي الوباء.
ارتفاع الإيجارات مصدر قلق
ولا يزال ارتفاع الإيجارات مصدر قلق. وهذا مهم في ملف التضخم المرتفع، خصوصاً أن قطاع الإسكان يمثل نسبة كبيرة مما ينفق الناس عليه أموالهم. وإذا التهمت الإيجارات جزءاً أكبر من الكعكة أو إجمالي دخل الأسرة، فقد ينتهي الأمر بالمستهلكين إلى إنفاق أقل. وهو ما سيكون خبراً سيئاً للانتعاش. وتشير البيانات الرسمية إلى أنه خلال نوفمبر 2021، ارتفعت قيمة الإيجارات بنسبة 0.4 في المئة للشهر الثالث على التوالي، وفقاً لخبراء اقتصاديين في "بنك أوف أميركا". ما يشير إلى ارتفاع معدل التضخم واستمراره في المستقبل.
فيما أكد "بنك جي بي مورغان"، في مذكرة بحثية حديثة، "تزامن التوسع الأخير في الضغط التضخمي مع ارتفاع ملحوظ في تضخم الإيجارات"، الذي قفز إلى أعلى معدل شهري له منذ 20 عاماً في تقرير مؤشر أسعار المستهلكين لشهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وظل ثابتاً منذ ذلك الحين عند مستويات مرتفعة".
وبخلاف ما سبق، تبقى المتحورة الجديدة من فيروس كورونا، "أوميكرون"، والتداعيات التي خلفتها، سبباً مباشراً في زيادة حدة الأزمات الاقتصادية. فقد شهد عديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، ارتفاعاً قياسياً في عدد الإصابات بفيروس كورونا خلال الأسابيع الماضية بسبب المتحور الجديدة سريعة الانتشار. وإذا تسببت هذه الموجة من الإصابات في جولة جديدة من عمليات الإغلاق، فقد يؤدي ذلك مجدداً إلى تغيير طريقة إنفاق المستهلكين وزيادة الطلب على السلع المنزلية. وهو ما يعني مزيداً من ارتفاعات الأسعار وزيادة جديدة في معدلات التضخم.
لكن الأهم من ذلك، أن متحورة "أوميكرون" يمكن أن تؤثر في أسعار الطاقة. فإذا عادت القيود وسافر الناس بشكل أقل، فإن انخفاض الطلب على الطاقة سيعني انخفاض الأسعار. ومن شأن ذلك أن يساعد في خفض التضخم مرة أخرى.