هبط مؤشر أسهم شركات التطوير العقاري في البورصة الصينية بنسبة ثلاثة في المئة في الأقل في أول أيام التداول خلال العام الجديد، مع تعليق التداول على أسهم مجموعة "إيفرغراند" ثاني أكبر شركة عقارية في بورصة هونغ كونغ. وقالت المجموعة في بيان للبورصة "إن قرار التعليق بسبب استعدادها للإعلان عن معلومات داخلية حساسة".
ويأتي قرار تعليق التداول على أسهم المجموعة غداة نشر وسائل الإعلام الصينية في اليومين الماضيين أنباء عن قرار سلطات البلاد الذي يطالب المجموعة بهدم مشروع سكني تطوره في إقليم هاينان الجنوبي يضم 39 مبنى سكنياً في غضون عشرة أيام. ونشرت وسائل الإعلام ما قالت، "إنه قرار من السلطات المحلية في مدينة دانجو في الإقليم بإلغاء ترخيص البناء الممنوح للمشروع السكني على اعتبار أنه تم الحصول عليه بشكل غير قانوني".
ويعاني قطاع العقارات الصينية مشاكل متعددة منذ نهاية العام قبل الماضي، بعدما أصدرت الحكومة الصينية تشريعات وقواعد جديدة لضبط غليان السوق العقارية. وبدا واضحاً منذ عام 2017 أن السياسة الجديدة للرئيس الصيني تشي جينبينغ تعني أن الدعم الحكومي الهائل لشركات التطوير العقاري لن يستمر كما هو.
ومنذ ذلك الحين، أفلست عدة شركات عقارية صغيرة بينما بدأت المجموعات العقارية الكبيرة مثل "إيفرغراند" في مواجهة مشاكل متفاقمة مع المديونية الهائلة وتراجع الطلب على شراء عقاراتها. وكان لتراجع القطار العقاري أثر كبير في تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني خلال الأشهر الأخيرة، إذ يمثل النمو في القطاع نحو ثلث النمو في الناتج المحلي الإجمالي الصيني.
تفاقم مشاكل القطاع
كانت مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني اعتبرت مجموعة "إيفرغراند" "مفلسة" تقنياً، بعد تخلفها عن سداد مستحقات عليها لدائنيها بنحو مليار دولار، بعد مرور فترة السماح للدفع وهي نحو شهر. وفي الأسبوع الماضي تخلفت المجموعة أيضاً عن سداد مستحقات عليها بنحو 255 مليون دولار، لكن فترة السماح لتلك الدفعة من المستحقات لم تنتهِ بعد. كل تلك المستحقات هي في الأغلب فوائد ديون ومستحقات أخرى. وتواجه المجموعة استحقاق دفع بعض أصول الدين عليها من سندات خارجية تقدر بنحو 19 مليار دولار في الأسابيع المقبلة.
وترزح مجموعة "إيفرغراند" للتطوير العقاري تحت عبء أكبر دين مستحق على شركة صينية ويبلغ نحو 300 مليار دولار (نحو تريليوني يوان). وهوت أسهم المجموعة حلال العام الماضي بشدة لتفقد نسبة 90 في المئة من قيمتها تقريباً بسبب تعثرها في سداد مديونياتها، وتوقف الدعم الحكومي الرسمي الذي طالما أنقذ شركات العقار في السابق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبلغ حجم القطاع في الصين ما يصل إلى 55 تريليون دولار؛ أي نحو ضعف القطاع العقاري الأميركي ونحو أربعة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين. وشهد اقتصاد بكين في سنوات النمو الكبير غلياناً في القطاع العقاري أدى إلى شبه "فقاعة" نتيجة توفر الائتمان السهل من الدولة والتشجيع على البناء في مشروعات أصبح بعضها الآن يسمى "مدن الأشباح" لعدم سكناها.
وقبل أسبوعين أصدرت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني تقريراً موسعاً عن القطاع العقاري الصيني يرسم صورة قاتمة للقطاع سواء تدخلت الدولة لمنع انهيارات كبرى في القطاع أم استمرت في سياستها الحالية.
على سبيل المثال، أشار تقرير "موديز" إلى تراجع الطلب بشدة مع زيادة كبيرة في المعروض من الوحدات السكنية والتجارية، ما يعني أن أسعار العقار ستستمر في الانخفاض لفترة. ويضاعف ذلك من أزمة الشركات العقارية التي أصبحت ديونها فوق ما هو مسموح به بمعايير السوق: أي نسبة الدين إلى قيمة الأصول.
كان الرئيس تشي قال أمام المؤتمر السنوي العام للحزب الشيوعي الصيني في البلاد قبل أربع سنوات، إن "العقارات تبنى للسكنى وليس للمضاربات". وكانت تلك أول إشارة على تغيير السياسة الرسمية الصينية الداعمة للشركات العقارية، في محاولة للحد من غليان فقاعة العقار. ووقتها انتبه العالم إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يعاني مشكلة في هذا القطاع تشبه ما وصل إليه القطاع العقاري بالولايات المتحدة قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008. وبدأت الأزمة وقتها بانهيار سوق الرهن العقارية الأميركية لينتشر الانهيار في بقية أرجاء النظام المالي ويدخل العالم في أزمة شاملة في 2009.
ومع أن الأزمة في قطاع العقار الصيني قد لا تشبه ما حدث قبل 13 عاماً، إلا أن تعمق أزمة القطاع في ظل إفلاس الشركات تحت وطأة مديونياتها سيعزز احتمالات مزيد من التباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني خلال الفترة المقبلة، وهو ما تتوقعه بالفعل أغلب المؤسسات الدولية.