Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إبعاد رجال دين أكراد عن إلقاء خطبة الجمعة

القرار جاء إثر انتقادات للسلطة دعما لمطالب الاحتجاجات الطلابية

قوات مكافحة الشغب تحاول السيطرة على احتجاجات طلابية في مدينة السليمانية (أ ف ب)

مع بداية العام الجديد، انشغل الرأي العام الكردي باتخاذ السلطات إجراءات بمنع بعض رجال الدين من إلقاء خطب الجمعة وسط غضب واسع من نواب وقوى سياسية إسلامية، وفيما أرجع حزب إسلامي القرار إلى توجيه رجال الدين انتقادات للسلطة، حذرت لجنة نيابية من تداعياته السلبية على سمعة الإقليم.

وكان رجل الدين سيد أحمد بنجويني، وهو عضو في حزب "الاتحاد الإسلامي" المعارض الذي يتبنى نهج حركة "الإخوان المسلمين"، أكد في آخر خطبة له ألقاها يوم الجمعة الماضي، 31 ديسمبر (كانون الأول)، أنه سيتوقف عن إلقاء الخطب "التزاماً" بقرار صدر منذ نحو شهر بحقه من قبل وزارة الأوقاف، نافياً أن يكون لديه "أي مشكلة أو عداوة مع أي أحد أو جهة بعينها"، وأضاف، "من الخطأ إقحام السياسة في منابر المساجد ورجال الدين، فهم لا يبتغون المال والمناصب، نحن لا نعادي السلطة ولا أي حزب كان، حربنا موجهة ضد الفساد وأعداء كردستان"، وختم قائلاً "إن شاء الله سأعود بصوت أكثر عذوبة".

وقالت وسائل إعلام تابعة للحزب "إن قرار منع بنجويني من إلقاء الخطب سيكون لمدة محدودة"، وعزت الدوافع من وراء القرار "إلى توجيه بنجويني انتقادات لاذعة للحكومة، ومناصرته مطالب الطلاب العادلة في احتجاجاتهم الأخيرة".

وشهدت مدن الإقليم، خصوصاً مدينة السليمانية، أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي سلسلة احتجاجات نظمها طلاب الجامعات والمعاهد مطالبين بصرف مخصصاتهم الشهرية، وبتحسين ظروفهم المعيشية والخدمية، رافقتها مصادمات مع قوات مكافحة الشغب، وأعمال اقتحام وحرق لمقار حزبية وحكومية، في ظل نقمة شعبية متصاعدة ضد الحزبين الحاكمين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" الذي كان يتزعمه رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني، جراء استمرار الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الإقليم منذ سنوات، وتردي الخدمات والفساد، وعجز حكومي في تأمين رواتب القطاع العام.

ازدواجية القرارات

ودانت مؤسسة "العلماء والعلوم الشرعية" التابعة لـ"الاتحاد الإسلامي" في بيان القرار الذي وصفته بـ"الفعل القبيح"، وقالت إنه جاء على خلفية "حديث بنجويني عن فساد الحكومة"، لافتة إلى أن "السلطات تقوم بإبعاد العلماء الأوفياء والأكفاء لوطنهم وشعبهم، في حين يتم إطلاق أيادي الفاسدين، الذي حتماً سيؤدي إلى خلق التوتر وتعكير صفو الشعب والحكومة والإقليم، وعليه ندعو لإلغاء هذا القرار".

وفي بيان إدانة صدر باسم مجموعة "الطلبة المحتجين المستقلين"، وصف قرار الإبعاد بأنه "أسلوب بعثي بعيد عن المبادئ الأخلاقية" في إشارة إلى نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وقال إن ذلك جاء "نتيجة لدعم بنجويني احتجاجات الطلاب"، ودعا وزارة الأوقاف إلى "إلغاء القرار، لكونه غير مبني على أي أسس قانونية وأخلاقية، ما يُوقع على الوزارة مسؤولية قانونية وتاريخية".

وسبق أن تعرض بنجويني إلى انتقادات من نشطاء أكراد إثر إلقائه خطبة في إحدى صلوات الجماعة اتهم خلالها "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية السورية الموالية لحزب "العمال الكردستاني" المعارض لتركيا، بارتكاب "عمليات إبادة جماعية" أثناء سيطرتها على قرية الباغوز بمحافظة دير الزور السورية، حيث رفع محامون من مدينة أربيل في أبريل (نيسان) عام 2019 دعوى قضائية ضد بنجويني، وهاجم لاحقاً النشطاء عبر قناة فضائية واصفاً إياهم بأنهم "مناهضون للدين الإسلامي".

قرار باطل

وقال رئيس لجنة الأوقاف النيابية هورامان كجينيي "في وقت كنا ننتظر فيه أن يتم الكشف عن المتسببين في مأساة ضحايا الفيضانات والسيول التي ضربت أربيل أخيراً ومقاضاتهم، لكنه للأسف يتم معاقبة إمام جامع كفء صاحب مسيرة مشرفة في خدمة الدين والناس، مثل بنجويني"، وشدد على أن "هذا الفعل سيئ بكل أبعاده، وهو غير مبرر بالمرة، وعلى الجهات المعنية مراجعة القرار".

ويشهد الإقليم حملة لجمع التبرعات لضحايا الفيضانات والسيول التي اجتاحت بعض المناطق في مدينة أربيل أواسط ديسمبر الماضي، وأسفرت عن مقتل 11 شخصاً، وإلحاق خسائر مادية قدرت بملايين الدولارات، وألقيت فيها المسؤولية على السلطات جراء السماح لمتنفذين ببناء مجمعات سكنية وتجارية على مسار المجرى الطبيعي لمياه الأمطار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه عد العضو في اللجنة إسماعيل سكيري القرار بـ"الباطل"، وقال إن "بنجويني معروف بمواقفه تجاه الشعب الكردي وقضيته الوطنية، وكان دوماً مع هموم شعبه وهو صريح ينطق الحق". ولفت إلى أن "منابر المساجد هي الأمكنة التي يجب أن ينطق فيها بالحق والحقائق، وعلى السلطات أن تتحلى بسعة الصدر إزاء الذين يعطون المنابر حقها وتنفيذ واجبهم، ولا يجوز معاقبتهم، فهم ليسوا خونة أو أعداء، بل هم صادقون وأوفياء".

وحذر سكيري من أن مثل هذه القرارات، "ستلحق الضرر بسمعة إقليم كردستان خارجياً، عندما يتم كتم أصوات العلماء الذين ينطقون بالحق، وعلى الصعيد الداخلي فإنه يعمق من الإحباط واليأس الذي يعيشه الشارع، ويعمق الشرخ القائم بين المواطن والحكومة جراء الأزمات القائمة".

ضوابط ضد التشدد

وكانت السلطات الكردية أطلقت في يوليو (تموز) عام 2018 حملة لمواجهة "التشدد والحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي"، وأصدرت خلالها جملة من "الضوابط" لتنظيم خطب الجمعة، عقب الكشف عن ارتباط رجلي دين مع تنظيم "داعش"، على خلفية هجوم لثلاثة مسلحين على مبنى محافظة أربيل والسيطرة عليه لنحو أربع ساعات، أودى بحياة أحد الموظفين وإصابة أربعة من أفراد الشرطة، قبل أن تستعيده القوات الأمنية، وحذرت في حينها المعارضة من مغبة استغلال الحملة "لتصفية الحسابات السياسية".

وبحسب التعليمات الصادرة عن وزارة الأوقاف الخاصة بضوابط إلقاء الخطب، فإن الخطيب "يختار موضوعاً من بين ثلاثة مواضيع محددة ويمنح له الحرية في صياغته"، مع وجوب "تبني رجال الدين خطاباً متسامحاً بعيداً عن التشدد، أو مهاجمة شخص أو دين أو أي مذهب"، مع تأكيد "الابتعاد عن جعل خطب الجمعة منبراً لإصدار الفتاوى".

ووفقاً لتصريحات سابقة لمحافظ أربيل السابق نوزاد هادي، فإن "بعض الشباب الأكراد الذين قتلوا ضمن صفوف تنظيم داعش، كانت لهم انتماءات لأحزاب إسلامية في الإقليم"، إذ تشير تقديرات سابقة إلى أن نحو 500 شاب كردي التحقوا بصفوف تنظيم "داعش" في أعقاب سيطرته على مناطق واسعة من العراق عام 2014.

وتزامناً كشف وزير الأوقاف بشتيوان صادق عن لقاء جمعه برجل الدين "عبد اللطيف سلفي" وتحدثا حول "أهمية الحفاظ على سمات التعايش الديني، ودور رجال الدين الذين كانوا دائماً يحملون فكراً وخطاباً يسهم في تعزيز السلم الاجتماعي، وتوجيه المؤمنين إلى الالتزام بسمات الدين الإسلامي"، وقال في بيان إنهما "أكدا أهمية التقارب في الآراء وعبر الحوار الهادئ من أجل خدمة التربية الدينية والإقليم".

إقصاء مفاجئ

في غضون ذلك أكد رجل الدين محمد ورتي في قضاء رواندوز شمال شرقي أربيل، أنه "مُنع من إلقاء الخطب"، وقال إن "وزارة الأوقاف كانت قد دعت رجال الدين إلى المساهمة وعبر المساجد في جمع التبرعات من أجل ضحايا الفيضانات، لكن كان لديَّ ملاحظات حول الآلية التي تم اعتمادها". وأضاف "لاحقاً تفاجأت بأمر منعي من إلقاء الخطب من قبل رقابة الأوقاف، وتم تكليف رجل دين آخر لكي يلقي الخطبة بدلاً مني، لكن الأخير رفض الأمر عندما علم بتفاصيل المشكلة، وأن عدداً آخر من الخطباء قاطعوا المسجد الذي كنت ألقي الخطب فيه، إلى أن اضطر مدير الرقابة في الأوقاف في قضاء رواندوز، لإلقاء الخطبة بنفسه".

ووجه مؤيدو بنجويني انتقادات حادة ضد قرار السلطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقال مظفر كاواني، إنه "لمن الغدر أن يعاقب رجال الدين على كلمة حق، لماذا لا يتم معاقبة تلك الشركات التي أسهمت بشكل واضح في نشر الرذيلة والفجور والفاحشة، عبر فتح البارات ومحال المساج والملاهي الليلية؟". كما كتب النائب البارز عن كتلة "التغيير" علي حمه صالح قائلاً، إن "على جميع رجال الدين في أربيل أن يسألوا، لماذا تم إبعاد بنجويني؟". وأضاف إن "رضا الله أسمى من إرضاء السلطة".

في المقابل أعلن رجل الدين ملا عمر جنكياني، المقرب من حزب بارزاني عبر مقطع فيديو تداوله مستخدمو مواقع التواصل، أن "بنجويني يعتبر موظفاً لدى وزارة الأوقاف، وهو ليس بمقدس، وعليه أن يلتزم القرارات التي تصدر عن الوزارة".

ووجه القيادي السابق في حركة "التغيير" ملا فرمان رسالة إلى بنجويني جاء فيها أن "غياب العدالة والظلم في الإقليم في أعلى مستوياتهما ويحتاجان إلى حل عاجل، لكن السؤال هو كيف ومن يقوم به؟". وأضاف "لكن قبل ذلك نحتاج إلى اتخاذ بعض الخطوات، لهدفين، وهما مراجعة الفكر الإخواني المتشدد، وكذلك تهيئة الفرد في المجتمع على أسس عقيدة وأفكار وطنية"، مشيراً إلى أن "بعض الخطوات تشمل مثلاً التطرق إلى مخاطر الإخوان ومناصريهم على الحركة الكردية، والقوى الإسلامية التي توالي السلطة، وتلك القوى التي تكون في الليل مع السلطة، وفي النهار مع المعارضة، وأن الحركة السلفية عماد جيد للسلطة".

وأوضح فرمان أن "ظاهرة تقليد حجاب زوجة أردوغان (الرئيس التركي)، والثقافات الغريبة من قبل الجماعات الإسلامية لها أضرار بالغة، ما يتطلب العودة للثقافة الكردية المحلية، والأهم أن مشكلتنا ليست في مسألة الحجاب"، داعياً بنجويني إلى "قيادة حركة إصلاحية في الإسلام والابتعاد عن كل هذا الجدل، وتوجيه رجال الدين إلى تبني خطاب هادئ والابتعاد عن التشدد، لأن الإسلام اليوم في أزمة بسبب الإسلاميين، وأرجو ألا يقع تحت تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، نعلم أن لدينا في الإقليم سلطة ظالمة وتحتاج إلى تغيير، ولنضع يداً بيد من أجل هذا التغيير".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير