اكتنف الغموض جهاز الاستخبارات الجزائرية، منذ اعتقال رأسه السابق الجنرال محمد مدين المدعو "توفيق" وحبسه، وخليفته اللواء عثمان طرطاق المعروف بـ"بشير"، في إطار الحرب التي أعلنها قائد أركان الجيش قايد صالح، على "العصابة"، وأصبحت تتسرب معلومات شحيحه حوله، ما عدا بعض الأخبار عن تعيينات أو تغييرات أو إحالة على التقاعد، ما يبشر بعودة الجهاز إلى سابق عهده حيث كان يحظى بالاحترام، ويمثل مصدر الخوف، وعرف تراجعاً كبيراً بلغ حد الإهانة في بعض الأحيان، على إثر إقالة الجنرال توفيق، رئيسه الذي أشرف عليه حوالى 25 سنة.
"استيقاظ" قائد الأركان
ومنذ "استيقاظ" قائد الأركان قايد صالح، بحبس رؤوس الجهاز الاستخباري الذي أعاده إلى حضن المؤسسة العسكرية بعد أن كان ينشط ككيان مواز، بدأ الجهاز يستعيد "مجده"، مع التغييرات التي تشمل أذرع وتوابع الجنرال محمد مدين واللواء عثمان طرطاق، الموجودين في الحبس بتهم التآمر على الجيش والدولة، غير أن هذه التنحيات لم يتسرب عنها الكثير كما جرت عليه العادة في عهد اللواء "بشير"، حين كان الحديث عن الجنرالات والإطارات في متناول الجميع، سواء بحقائق أو افتراءات.
ويقول الإعلامي حكيم مسعودي، إن التغييرات الجارية تشمل قيادات الصف الأول، مبرزاً أن المعلومات شحيحة في هذا الإطار عكس ما كان عليه في السابق. وتضاربت الأنباء بشأن ظروف مغادرة اللواء عثمان طرطاق الذي خلف الجنرال محمد مدين، الملقب بـ "توفيق"، على رئاسة جهاز الاستخبارات بين إقالة واستقالة، في حين ذكر عارفون لـ "اندبندنت عربية" أن تعيين اللواء طرطاق لم يكن قانونياً أصلاً.
الولاء لـ "توفيق" يقلق "صالح"
ويرى المحلل السياسي إسماعيل معراف أن قيادة الأركان بصدد إعادة الجهاز إلى وزارة الدفاع، وجعله أداة في يدها، بعد أن كان سلطة موازية داخل الجيش، بل كان أقوى من قيادة الأركان، وتابع أنه منذ عام 2015، وبرحيل الجنرال توفيق، يتخبط الجهاز مع هيكلة مبعثرة وغير منظمة، عكس ما كان عليه.
وأبرز معراف أن فكرة الولاء للحرس القديم ما زالت موضع شكوك قايد الأركان، على الرغم من التغييرات الكبيرة التي أدخلت عليه في المدة الأخيرة. وقال إن الجهاز اليوم هو عبارة عن مجموعة ضباط تتلقى أوامرها من قايد صالح، أي أن الفوضى تلم به، ومسألة هيكلته تبقى مرهونة بحل المأزق السياسي، مشيراً إلى أن الرئيس الجديد للجهاز الاستخباري الجنرال محمد قايدي، وفق ما جرى تداوله، هو وجه جديد موال لقايد صالح.
أضاف "يحاولون تقديمه على أنه الذراع التي يبطش بها قائد الأركان ضد الدولة العميقة أو حزب فرنسا"، واعتبر أنه ظاهرة لن تستمر في المشهد لأنها وليدة أزمة وستذهب مع تغير المشهد.
الجهاز "الشبح" أهانه بوتفليقة
ويتجه جهاز الاستخبارات الجزائرية إلى أن يستعيد مكانته "الشبح"، بعد الهزات العنيفة التي أصابته على خلفية تنحية رئيسه لمدة 25 سنة، الجنرال توفيق في 2015، وقد تعرض إلى الإهانة منذ العهدة الرابعة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وأصبح محل سخرية واتهامات وتهريج من طرف الإعلام المحلي، وأيضاً من شخصيات وزعماء أحزاب، وانتزعت منه "الهيبة" التي التصقت به منذ الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسية عام 1954، كجهاز وطني قوي.
وفي السياق نفسه، أشار الأكاديمي رابح لونيسي إلى أنه لفهم جهاز الاستخبارات الجزائري، يجب العودة إلى جذوره، فالجهاز بقيادة قاصدي مرباح "كان مخيفاً ولا نعرف عنه الكثير"، لكنه عرف نوعاً من التطهير في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، بتغيير اسمه وتقسيمه إلى جزءين، الأول تابع للجيش والثاني للرئاسة، وهي الهيكلة تقريباً التي عرفها الجهاز بعد تنحية الجنرال توفيق عام 2015، "حيث نجد مديرية أمن الجيش تابعة لوزارة الدفاع وتنسيقية المصالح الأمنية للرئاسة، بقيادة اللواء طرطاق".
وقال إن اللواء "بشير" جيء به أصلاً لتطهير جهاز الاستخبارات من الموالين لتوفيق، في إطار الصراع بين "توفيق" من جهة، و"سعيد" شقيق الرئيس من جهة أخرى.
تغييرات من فكر الرئيس بومدين
وأوضح لونيسي أن استعادة قائد الأركان للجهاز وجعله تحت سيطرته، يظهر كأمر طبيعي لأنه من غير الممكن إبقاؤه تحت سلطة رئيس الدولة المؤقت، لكن في الحقيقة هو حصوله على نفوذ أكبر، بدليل شروعه في تعيينات جديدة معتمداً على ضباط شباب بتعليم عال، في ما يشبه تسيير الجهاز في عهد الرئيس بومدين، إذ كان مسؤول الاستخبارات قاصدي مرباح، برتبة أدنى من ضباط كبار كثر في الجيش آنذاك، لكنهم كانوا يخشونه بحكم معرفته بكل صغيرة وكبيرة عنهم.
وتابع أن سياسة قايد صالح في إجراء تغييرات داخل جهاز الاستخبارات، تكشف عن عدم ثقته في الكثير من الضباط ذوي الرتب العالية بحكم علاقتهم بالجنرال محمد مدين، وهي الظاهرة نفسها عرفتها الاستخبارات في عهد بن جديد، الذي تخوف من اتباع قاصدي مرباح، مبرزاً أن بوتفليقة أضعف الجهاز بعد تنحية توفيق.