اتسمت زيارات المسؤولين الإسرائيليين للأردن خلال الفترة الماضية بالسرية. وتكرَّس ذلك في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، إذ شهدت العلاقات بين الطرفين توتراً وبرودة.
وعلى الدوام كان الأردنيون يقرأون تفاصيل هذه الزيارات عبر الإعلام الإسرائيلي، في موازاة صمت مطبق يبديه الإعلام الرسمي الأردني.
لكن، مع الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ولقائه العاهل الأردني عبد الله الثاني في عمان، يبدو أن السرية قد رفعت عن مثل هذه الزيارات، التي حظيت بتغطية إعلامية رسمية، فيما تخطو المملكة نحو إسرائيل بتسارع.
زيارة معلنة للمرة الأولى
ووفقاً لبيان صادر عن الديوان الملكي الأردني، التقى الملك عبد الله الثاني وغانتس، الأربعاء 5 يناير (كانون الثاني). وشدد الملك، خلال اللقاء، على "ضرورة الحفاظ على التهدئة الشاملة في الأراضي الفلسطينية واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لذلك، من أجل إيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين".
وتناول اللقاء عدداً من القضايا الثنائية، وسبل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وواكب الإعلام الرسمي الزيارة للمرة الأولى. ما يشير إلى مرحلة جديدة في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، بعد سنوات من الجفاء والتوتر في عهد نتنياهو (2009ـ2021)، وهي العلاقات التي وصفها العاهل الأردني وقتها بأنها في أسوأ حالاتها، خصوصاً بعد سلسلة من الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى وتجاوز الوصاية الهاشمية عليه، إذ يشرف الأردن على المسجد الأقصى، عبر دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، بموجب القانون الدولي.
تاريخ الزيارات السرية
في مايو (أيار) 2021، قال التلفزيون الإسرائيلي إن مسؤولاً كبيراً في الجهاز الأمني الإسرائيلي زار العاصمة عمان. ووفقاً لما نقلته "القناة 11" الإسرائيلية، فإن المسؤول الأمني توجه إلى الأردن بطائرة تابعة لسلاح الجو، وأمضى هناك ساعات عدة.
وجاءت تلك الزيارة بعدما عرقلت السلطات الإسرائيلية وصول ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله الثاني إلى المسجد الأقصى، ورد الأردن بمنع طائرة تقل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو من عبور أجوائه حين كان متوجهاً إلى دولة الإمارات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبلها بأشهر، وتحديداً في مارس (آذار) 2021، جرت لقاءات عدة غير معلنة بين مسؤولين أردنيين وإسرائيليين، كان آخرها لقاء هو الثالث خلال أشهر، جمع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بنظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي عند نقطة جسر الملك حسين.
وسبق ذلك بأيام معدودة تسريبات نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" تتحدث عن لقاء سري جمع ملك الأردن بوزير الدفاع الإسرائيلي غانتس في العاصمة الأردنية. ونقلت الصحيفة عن غانتس قوله إن رئيس الوزراء نتنياهو بات شخصية "غير مرغوب فيها" أردنياً، معتبراً أنه أضر كثيراً بالعلاقات الثنائية.
وفي يوليو (تموز) 2021 عقد لقاء سري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت والعاهل الأردني في عمان. وبحسب موقع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن هذا اللقاء "هو الأول بين رئيس وزراء إسرائيلي والعاهل الأردني بعد سنوات من العلاقات المتوترة بين البلدين".
وفي سبتمبر (أيلول) 2021، كشف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في مقابلة تلفزيونية عن أنه زار عمان سراً والتقى العاهل الأردني في لقاء وصفه بأنه "دافئ".
وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، أثيرت تساؤلات حول مشاركة الأردن في مناورات عسكرية إسرائيلية، بعد نشر مصور ألماني لقطات على الإنترنت لمقاتلات أردنية في تدريبات "العلم الأزرق" الجوية التي نفذتها إسرائيل بمشاركة عدد من الدول. وقبل ذلك بساعات، كان وزير الاقتصاد الأردني، يوسف الشمالي، يجتمع بنظيرته الإسرائيلية أورنا باربيفاي، في الأردن، ويوقعان اتفاقية تسمح بزيادة الصادرات الأردنية للفلسطينيين.
وتزامنت هذه اللقاءات مع مقال مثير للجدل كتبه ولي العهد الأردني السابق الأمير الحسن بن طلال في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، دعا فيه إلى التقارب بين الطرفين ودفع عملية السلام على مبدأ حل الدولتين.
تسارع في العلاقات
ووقعت عمان خلال السنوات الماضية اتفاقيتين لم تحظيا بقبول شعبي، وهما اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، تبعتها قبل أشهر اتفاقية مشابهة لاستيراد الماء. ما دفع مراقبين وحزبيين إلى التحذير من ارتهان البلاد وأمن الطاقة والماء فيها لإسرائيل، وتطبيق عملي لصفقة القرن.
وخير رئيس الوزراء بشر الخصاونة الأردنيين بين الموافقة على اتفاق الماء مقابل الطاقة مع إسرائيل أو العطش الحقيقي، بينما رفض العاهل الأردني التشكيك بمواقف بلاده، وجدد تأكيد "مواقف الأردن الثابتة والواضحة تجاه القضية، ودعمه الكامل الأشقاء الفلسطينيين في نيل حقوقهم العادلة والمشروعة".
ويرى مراقبون أن فشل الحكومة في تبرير تقاربها مع إسرائيل، أجَّج الشارع، ودفع بعض تياراته السياسية كجماعة الإخوان المسلمين إلى استغلال الفرصة للعودة إلى الشارع.
ومنذ عام 1994، وهو تاريخ توقيع اتفاقية وادي عربة للسلام بين الأردن وإسرائيل، تحاول تل أبيب إحداث اختراق نوعي في مستوى العلاقات مع عمان.
وكانت أولى محاولات ربط الأردن بإسرائيل عبر اتفاقيات استراتيجية عام 2014، عندما وقعت شركة "البوتاس" وعلى مرحلتين، أول اتفاق لاستيراد الغاز الإسرائيلي، بقيمة 700 مليون دولار، ومن ثم وقعت شركة الكهرباء الوطنية رسالة نيات لاستيراد الغاز الإسرائيلي لأغراض توليد الكهرباء. وتبع ذلك اتفاق رسمي ملزم في 2016، وبصفقة بلغت قيمتها عشرة مليارات دولار. وفي مطلع 2020، بدأ عملياً ضخ الغاز الإسرائيلي في الأراضي الأردنية.
في المقابل، فشلت كل التحركات الشعبية والبرلمانية في إلغاء اتفاقية وادي عربة، أو إجبار الحكومة على التنصل منها، وظلت أكثر من 70 مذكرة نيابية تطالب بطرد السفير الإسرائيلي وإغلاق السفارة حبيسة الأدراج. في مقابل إصرار حكومي على اعتبار السلام مع إسرائيل مصلحة أردنية خالصة، فضلاً عن كونها رئة ومتنفساً للفلسطينيين.