في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، ما انفكت متحورة "أوميكرون" من "كوفيد-19" ذات القدرة الشديدة على العدوى تتفشى باطراد، ولا يستبعد أن تصير في آخر المطاف السلالة المهيمنة من فيروس "كورونا" في البلاد.
حتى الآن، سجلت "أوميكرون" في بريطانيا أكثر من 75 وفاة، و246 ألفاً و780 إصابة.
صحيح أن بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، استبعد في الوقت الراهن فرض أي قيود جديدة في إنجلترا، لكنه قال إن حكومته "تحتفظ بحق" تنفيذ الإجراءات اللازمة في الأسابيع المقبلة، إذا ما انعكس معدل الإصابات الحالية المرتفع حالات دخول ضخمة إلى المستشفيات تهدد بإرهاق كاهل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس" NHS) البريطانية.
والحال أن المخاوف من "أوميكرون" حملت صادق خان، عمدة لندن، على إعلان حالة "حادث كبير" [حال طوارئ تقتضي تنفيذ ترتيبات خاصة من جانب واحدة في أقل تقدير من خدمات الطوارئ] في العاصمة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما عادت "هيئة الخدمات الصحية" إلى أعلى مستويات التأهب لحالات الطوارئ، أي المستوى الرابع للحوادث الوطنية، ما يعني أن تنسيق تصدي "أن أتش أس" للمتحورة الجديدة سيكون على المستوى الوطني، وليس تحت إشراف مؤسسات صحية على مستوى محلي.
والشهر الماضي، أشار رئيس الوزراء البريطاني، خلال إعلانه قيود "الخطة ب" التي وضعتها حكومته لمواجهة كورونا في الشتاء، إلى احتمال أن يتضاعف معدل الإصابة بالمتحورة "أوميكرون" كل يومين إلى ثلاثة أيام نظراً إلى حقيقة مفادها أنها تتمتع بقدرة كبيرة على العدوى، ومن هنا جاء القرار الأخير الذي يقضي بتوفير الجرعات المعززة لكل البالغين.
هل اللقاحات المضادة المعمول بها فاعلة ضد "أوميكرون"؟
في التحليل الأحدث الذي نهضت به "وكالة الأمن الصحي"، التابعة للحكومة البريطانية، تبين أن جرعتين تحصينيتين ضد "كوفيد-19" لا توفران حماية قوية في مواجهة العدوى المصحوبة بأعراض من المتحورة الجديدة، نظراً إلى أن المجموعة المعتمدة حالياً من اللقاحات تعطي فاعلية أقل مقارنة مع أدائها ضد "دلتا".
ولكن الوكالة عينها وجدت أن نسبة المناعة تصل حتى 70 في المئة لدى من تلقوا حقنة معززة ضد "كورونا"، في تأكيد لضرورة أخذ جرعة تحصينية ثالثة في أسرع وقت ممكن.
وكشفت نتائج سابقة توصلت إليها دراسات اضطلع بها "المركز الألماني لبحوث العدوى" (اختصاراً DZIF) عن وجود تراجع كبير [لا يستخف به] في مفعول الأجسام المضادة التي تولدها في الجسم لقاحات "فايزر- بيونتيك" و"موديرنا" و"أكسفورد- أسترازينيكا" ضد "أوميكرون".
ولكن جرعتين مضادتين من اللقاحات ما زالتا تقدمان من دون شك بعض الحماية من مواجهة مضاعفات صحية خطيرة جراء "كوفيد"، فقد أشارت "منظمة الصحة العالمية" إلى أن "اللقاحات المعتمدة تبقى فاعلة أمام الشكل الحاد من المرض [كورونا] والوفاة" [التي ربما يؤدي إليها].
وكان البروفيسور أوغور شاهين، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "بيونتيك"، رجح أن "جرعتين من اللقاحات لن تمنحا المتلقين وقاية كبيرة من العدوى أو أي شكل من المرض"، ولكنه أضاف قائلاً، "نعلم أنهم سيحملون خلايا الذاكرة التائية memory T-cells، التي ربما تحول دون مواجهة مضاعفات صحية خطيرة".
وفي أول إحاطة رسمية تناولت فيها الشركات المصنعة للقاحات مدى الفاعلية التي يحتمل أن توفرها جرعاتها المضادة ضد "أوميكرون"، قال البروفيسور شاهين إن الإسراع في طرح برامج الجرعات المعززة شكل "المسار السليم الذي كان علينا أن نسلكه"، وأشار إلى أنه يبدو فعلاً أن جرعة إضافية من اللقاح تعوض عن كون اللقاح أقل ملاءمة لمحاربة "كوفيد" مقارنة مع سلالات أخرى سابقة من فيروس "كورونا".
وفي سياق متصل، وجدت دراسة أولية أخرى نهض بها "معهد أفريقيا للبحوث الصحية" في جنوب أفريقيا، وصدرت الثلاثاء في السابع من ديسمبر الماضي، انخفاضاً بلغ 41 ضعفاً في قدرة الأجسام المضادة المتولدة في الجسم بعد التحصن بجرعتين من "فايزر" ضد "أوميكرون".
صحيح أن النتائج المذكورة سابقاً كشفت عن "تملص كبير" [للفيروس] من المناعة، غير أن الباحثين كتبوا أن "العدوى السابقة، متبوعة بالتطعيم أو بجرعة معززة، ترفع على الأرجح مستوى تحييد فيروس كورونا، وتمنح ربما حماية من الإصابة بشكل خطير من المرض في حال التقاط عدوى أوميكرون".
ونشر البروفيسور أليكس سيغال من "معهد أفريقيا للبحوث الصحية" تغريدة على "تويتر"، ذكر فيها أن النتائج كانت "أفضل مما كنت أتوقعه بالنسبة إلى أوميكرون". مضيفاً أن "حقيقة أنها ما زالت بحاجة إلى (الإنزيم المحول للأنجيوتنسين -2) ACE2 [علماً بأنه المستقبل الذي يستخدمه كورونا كي يلج إلى الخلايا البشرية ويصيبها]، وأن هروبها من المناعة يبقى منقوصاً، تعني أننا إزاء مشكلة في المستطاع أن نسيطر عليها بواسطة الوسائل [التي في متناولنا]".
هل توفر أنواع من اللقاحات فاعلية أكبر من غيرها ضد "أوميكرون"؟
ورد في دراسة صغيرة أن متحورة "أوميكرون" ربما تكون أكثر قدرة على التملص من الحصانة الناتجة عن لقاح "فايزر- بيونتيك"، وذلك مقارنة مع فيروس "كورونا" الأصلي.
للأسف، يبدو أن ثمة "انخفاضاً شديداً" في المناعة ضد المتحورة الجديدة في صفوف المطعمين بلقاح "فايزر"، حسبما ذكر البروفيسور سيغال، مستنداً إلى تحاليل أجراها مختبره لعينات دماء مأخوذة من 12 شخصاً تلقوا اللقاح المذكور.
أما "موديرنا"، فلم تنشر بعد أي نتائج رسمية بشأن كفاءة لقاحها ضد "أوميكرون"، فيما قال رئيس الشركة، الدكتور ستيفن هوغ، إنه من المحتمل جداً أن تعجز اللقاحات المعتمدة حالياً عن الصمود جيداً أمام هذه المتحورة.
وفي حديث إلى قناة "أي بي سي نيوز" (ABC News) في ديسمبر الماضي، قال الدكتور هوغ "أظن أن ثمة خطراً حقيقياً في أن نشهد تراجعاً في نجاعة اللقاحات. بيد أنني أجهل مدى الخطورة التي ينطوي عليها هذا الأمر".
هل ستطور الشركات لقاحاً جديداً ضد "أوميكرون"؟
وعدت شركات عدة مصنعة للقاحات أنها ستواصل "بأقصى سرعة" خططها التي ترمي إلى تطوير لقاح معدل بالاستناد إلى "أوميكرون"، وأنه سيكون بالضرورة متاحاً بحلول مارس (آذار) 2022 إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
و"فايزر" إحدى تلك الشركات التي قالت إن في مقدورها، إذا لزم الأمر، إنتاج لقاح مصمم خصيصاً ضد "أوميكرون" في غضون مئة يوم تقريباً.
في هذا الصدد، قال البروفيسور شاهين إنهم يواصلون العمل من أجل تطوير لقاح معدل [وفق أوميكرون] سيساعد، كما نعتقد، في تحفيز مستوى عالٍ من الحصانة ضد مضاعفات "كوفيد-19" الصحية الناجمة عن عدوى "أوميكرون"، فضلاً عن توفير حماية طويلة الأمد مقارنة مع لقاح "فايزر" الحالي.
وفي وقت سابق، قال الدكتور بول بيرتون، كبير المسؤولين الطبيين في "موديرنا"، في وقت سابق إن شركته ستستغرق ثلاثة أشهر لإنتاج لقاح يستهدف "أوميكرون" تحديدا".
أما "جونسون أند جونسون"، فتخوض اختبارات على لقاحها ضد المتحورة الجديدة، إذ يقول الدكتور ماثاي مامين، الرئيس العالمي للبحث والتطوير في الشركة، في تصريح أدلى به "لقد بدأنا العمل على تصميم وتطوير لقاح جديد ضد أوميكرون، وسندخله حيز الدراسات السريرية إذا اقتضت الحاجة".
ولكن في ذلك الوقت، لم تكن "جونسون أند جونسون" قادرة على إعطاء إطار زمني محدد لتطوير اللقاح.
وبالنسبة إلى "أسترازينيكا"، فإنها لم تكشف بعد ما إذا كانت ستضطر إلى تطوير لقاح جديد ضد "أوميكرون" من عدمه.
ولكن البروفيسورة سارة غيلبرت من جامعة "أكسفورد"، التي أسهمت في تطوير لقاح شركة "أسترازينيكا" الحالي، قالت إن اللقاحات المعمول بها ضد "كورونا"، بغض النظر عن الجهة المنتجة، لن يكون أداؤها جيداً ضد "أوميكرون" على الأرجح.
وفي مقابلة مع "بي بي سي" BBC (هيئة الإذاعة البريطانية)، أوضحت البروفيسورة غيلبرت أنه "إلى أن نستكشف المزيد، من الضروري أن نتوخى الحذر، وأن نتخذ خطوات من شأنها أن تبطئ وتيرة تفشي المتحورة الجديدة".
كم عدد الجرعات التحصينية التي سنحتاج إليها؟
يعتقد أن ثلاث جرعات من لقاح "فايزر- بيونتيك" توفر على الأرجح حماية ضد عدوى "أوميكرون"، حسبما أشارت بيانات مختبرية أولية أصدرتها شركة "فايزر"، علماً بأن هذه النتيجة لم تخضع بعد لمراجعة علماء نظراء.
صحيح أن جرعتين من لقاح "فايزر- بيونتيك" ربما تحولان دون التعرض لشكل خطير من المرض، غير أنهما لا تكفلان عدم التقاط المطعمين عدوى "كوفيد".
وقد أشار ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لدى "فايزر"، أن جرعة رابعة من لقاح "فايزر- بيونتيك" ربما تكون ضرورية لتوفير حماية أفضل ضد "أوميكرون".
وفي حديث له إلى برنامج "سكواك بوكس" على قناة "سي أن بي سي" CNBC الأميركية، قال بورلا إن شركة "فايزر" كانت تنتظر الاطلاع على بيانات مستقاة من حالات واقعية قبل أن تقف على قرار بشأن ما إذا كانت الجرعات الإضافية ستكون مطلوبة بشكل خاص لمواجهة السلالة الأخيرة من "كورونا".
"عندما نطلع على بيانات مستقاة من أرض الواقع، سنبت [نحن] في ما إذا كانت الجرعة الثالثة تحمي جيداً من أوميكرون، وما مدة الحصانة التي توفرها. والنقطة الثانية، أننا سنحتاج في ظني إلى جرعة تحصينية رابعة"، على ما أضاف بورلا.
ما أعراض أوميكرون؟
في الغالب، تخلف "أوميكرون" أعراضاً صحية خفيفة الوطأة، لذا ربما يكون من الصعب معرفة ما إذا كنت مصاباً بـ"كوفيد" أم لا، أم أنك تعاني زكاماً عادياً فحسب.
تسري الأعراض، من قبيل انسداد الأنف والصداع والتهاب الحلق، على "كوفيد" ونزلات البرد على حد سواء، لذا يكون من العسير جداً التمييز بينهما من دون الخضوع لفحوص الكشف عن الفيروس.
في هذا السياق، قال البروفيسور تيم سبيكتور، من "تطبيق زو كوفيد سيمبتوم ستادي"Covid Zoe app البريطاني، إن بيانات خلصت إليها دراسة حديثة نهض بها "زو" تشير إلى "عدم ذكر" نحو نصف حالات "دلتا"، لأن الأخيرة لا تتسبب بالأعراض "الكلاسيكية" لـ"كوفيد"، مثل ارتفاع حرارة الجسم والسعال الجديد والمستمر، فضلاً عن فقدان حاستي الشم أو التذوق أو تغيرهما.
وقال البروفيسور تيم سبيكتور إن "أوميكرون تشبه جداً ربما، أكثر من أي متحورة أخرى، المتحورات الخفيفة التي نرصدها لدى أشخاص تلقوا لقاحاتهم ويواجهون عدوى دلتا".
© The Independent