تستعد الولايات المتحدة للرد الفوري على الغزو الروسي لأوكرانيا، بفرض عقوبات مالية وتكنولوجية وعسكرية من شأنها أن تعرقل قدرة موسكو على الاستمرار في العمل بشكل طبيعي على المسرح الدولي. وجاءت الخطة بحسب ما أوردته صحيفة "ذا تايمز" في برقية أرسلت قبيل اجتماع الأمس بين كبار المسؤولين الأميركيين والروس في جنيف، في الوقت الذي حذر فيه رئيس الناتو من أن التحالف الغربي مُستعد لـ "صراع مُسلح جديد في أوروبا". وقال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، "من الممكن أن نجد معاً طريقاً، وطريقاً سياسياً للمضي قدماً، وأيضاً لمعالجة مخاوف روسيا". لكن لا يزال هناك خطر نشوب صراع، مؤكداً "أن ردع الناتو موثوق وقوي، وعلينا أن نأمل ونعمل بجد لتحقيق الأفضل، لكن عليك أن تكون مستعداً للأسوأ". ويُمكن فرض عقوبات صارمة على الكرملين في غضون ساعات من عبور القوات الروسية للحدود.وبعد مشاورات مع حلفاء الناتو، تشمل الإجراءات قيد النظر خطة لمنع البنوك الروسية من نظام "سويفت"، وهو نظام يسهل المدفوعات الدولية في الغالبية العظمى من البلدان حول العالم، ومثل هذه الخطوة ستحد بشدة من قدرة موسكو على التجارة. وحتى الآن، كانت بعض الدول الأوروبية مترددة في الذهاب إلى هذا الحد، خشية أن تقطع روسيا إمدادات الغاز. ومع ذلك، اكتسبت هذه الخطوة شعبية، وهناك شعور، بخاصة في واشنطن، بالحاجة إلى رد صارم، لا سيما بين أولئك الذين يعتقدون أن الرئيس بوتين أفلت من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.
استهداف المؤسسات المالية الروسية
وسيتم استهداف المؤسسات المالية الرائدة في روسيا، والتي ستتضرر أكثر من خلال عزلها عن "سويفت". حيث وصفها أحد المسؤولين الأميركيين بأنها "استجابة عالية التأثير وسريعة الإجراء لم نتبعها في عام 2014". وقال غاغرين توسونيان، رئيس اتحاد البنوك الروسية، في أبريل (نيسان)، إن عزل موسكو عن "سويفت" سيضر بالدول الغربية بقدر ما يضر روسيا، واصفاً الخطوة بأنها "إيذاء ذاتي". وسوف تتماشى التحركات المالية ضد موسكو مع منع وصول روسيا إلى الفضاء والمعدات العسكرية، وفي ظل الأفكار الأكثر تطرفاً، وضعت وزارة التجارة الأميركية خططاً لحظر تصدير السلع الاستهلاكية، بما في ذلك الهواتف المحمولة وحتى الغسالات إلى روسيا.
الولايات المتحدة وتقديم تنازلات
وبدأت المحادثات الهادفة إلى تفادي الغزو في جنيف يوم أمس، وتشير إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يأخذون على محمل الجد التهديد الذي يمكن أن يمر به آلاف الجنود الروس المحتشدين بالقرب من الحدود الأوكرانية. كما أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم تنازلات بشأن الصواريخ، التي أثار موقعها في أوروبا الشرقية غضب موسكو، وإجراء مناورات تشارك فيها قوات الناتو. وقال أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، لشبكة "سي أن أن" أمس "هناك مسار للحوار والدبلوماسية لمحاولة حل بعض هذه الخلافات وتجنب المواجهة"، ولعل الطريق الآخر هو المواجهة والعواقب الوخيمة لروسيا إذا جددت عدوانها على أوكرانيا. وقال "نحن على وشك اختبار الاقتراح حول المسار الذي يكون الرئيس بوتين مستعداً لاتخاذه". وفي وقت سابق من هذا الأسبوع قال بلينكن لشبكة "إي بي سي" إنه كان من الصعب إحراز تقدم، ولكن اليوم لدى روسيا "سلاح مصوب نحو رأس أوكرانيا".وقال مسؤول كبير بالإدارة "إن أي تنازلات من جانب الولايات المتحدة وحلفائها "يجب أن تكون متبادلة". وأضاف بلينكن سيحتاج كلا الجانبين إلى الالتزام بشكل أساسي، وسيتعين إجراء هذه المناقشات أيضاً بالتشاور الكامل مع شركائنا وحلفائنا". وبدا أن موسكو تستبعد تقديم أي تنازلات قبل بدء المحادثات. كما حذر سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي واشنطن من أن موسكو ستتخلى عن المحادثات إذا اعتقدت أنه من غير المرجح أن تؤدي إلى انفراجة. ويخشى الكثيرون في واشنطن من أن يستخدم الروس المحادثات كتكتيك للمماطلة.
تهديدات روسية
ويريد الأميركيون معرفة ما إذا كانت موسكو جادة بشأن تسوية دبلوماسية أو ما إذا كانت ترى محادثات جنيف، واجتماع مجلس الناتو وروسيا في بروكسل يوم الأربعاء، كستار دخان لتبرير سياقات جديدة لأي عمل عسكري. وطالب الكرملين بإنهاء توسع الناتو، وكذلك انسحاب قوات الناتو والمعدات العسكرية من دول في وسط وشرق أوروبا. وهددت موسكو بوضع الدول الغربية في مرمى أسلحتها النووية الوسيطة إذا رُفضت مطالبها. وقال ريابكوف "لن نقدم أي تنازلات من أي نوع تحت الضغط ووسط التهديدات التي يتم تشكيلها باستمرار من قبل المشاركين الغربيين في المحادثات المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحشدت روسيا نحو 100 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة، لكنها نفت أنها تستعد للغزو. واتهم بوتين الولايات المتحدة بالتخطيط لنشر صواريخ في أوكرانيا، وهو ادعاء نفته واشنطن. في حين قارنت موسكو الوضع بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. وهناك مدرسة فكرية في واشنطن تشير إلى أن طموحات الرئيس بوتين المتجددة بشأن أوكرانيا توفر فرصة لتصحيح خطأ يبلغ من العمر ثماني سنوات حيث كتب أليستير دوبر. وفي عام 2014 عندما دخل بوتين شبه جزيرة القرم وطالب بها لصالح روسيا. كانت هناك صرخة دولية وتهديدات ووعود بالعمل، لكنه عملياً أفلت من العقاب. ولم يكن البيت الأبيض في عهد الرئيس أوباما يريد صداعاً آخر في الخارج، ومثل مشكلات السياسة الخارجية الأخرى كان يعتقد أنه من الأفضل تجاهل بوتين على أمل أن يذهب بعيداً بجائزته بهدوء. ولا يغيب عن أي شخص في واشنطن أن أفكار بوتين التوسعية قد تلاشت، أو على الأقل تم تجميدها، خلال السنوات الأربع التي قضاها دونالد ترمب في كرسي الرئاسة الأميركية.
موسكو تختبر واشنطن
وبعد مرور عام على إدارة ديمقراطية جديدة، تخضع الولايات المتحدة للاختبار مرة أخرى من قبل موسكو، ليس فقط في أوكرانيا، ولكن في بيلاروس، وفي الأيام الأخيرة في كازاخستان أيضاً.