أثارت التحركات الدبلوماسية الجزائرية تجاه الدول العربية الشكوك حول تخوّف من فشل القمة العربية المقررة في مارس (آذار) المقبل، بعد أن تنوعت نشاطات وزير الخارجية رمطان لعمامرة، بين الزيارات والاتصالات الهاتفية، الأمر الذي طرح تساؤلات عدة حول من له مصلحة في إفساد اللقاء العربي؟
زيارات واتصالات هاتفية
ويأتي التنقل الأخير لعمامرة إلى السعودية، في سياق التحضير للقمة العربية التي تراهن الجزائر على نجاحها من أجل لملمة الصف العربي والعودة إلى المشهد الدولي بقوة، إذ أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية أن الوزير لعمامرة ونظيره السعودي فيصل بن فرحان، تناولا في لقائهما شروط نجاح القمة العربية المقبلة.
وقال بيان الوزارة إنها زيارة عمل تهدف إلى توطيد التعاون بين البلدين وتعزيز التشاور والتنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، خصوصاً مستجدات الأوضاع على الساحة العربية وضمان التحضير الجيد للاستحقاقات المقبلة للعمل العربي المشترك، مبرزاً أن "الوزيرين تناولا دراسة أهم محطات المسار التحضيري بهدف توفير شروط نجاح هذه القمة، التي يُرتقب انعقادها في تاريخ سيتم التوافق بشأنه عبر مشاورات أوسع".
وقبل ذلك، أجرى لعمامرة اتصالاً هاتفياً بنظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تم خلاله عرض وضع العلاقات الثنائية والتحضيرات للاستحقاقات المنتظرة، فضلاً عن مستجدات الأوضاع في الساحة العربية، وفق ما جاء في تغريدة له على "تويتر".
تفاؤل وتشاؤم
وبحسب متابعين، فإن الجزائر تسعى إلى ضمان تمثيل عربي من الصف الأول في القمة، ثم تحقيق "عودة سوريا"، إضافة إلى توحيد الموقف بشأن الحقوق الفلسطينية، وأخيراً جمع شمل الصف العربي.
وإذا كانت عودة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية ممكنة على الرغم من استمرار "تعنّت" الدوحة، وكذا ضمان توحيد الموقف الفلسطيني بعد إشارات إيجابية من الأطراف المعنية، التي عبّرت عن استعدادها لحضور مؤتمر جامع دعت إليه الجزائر مقرراً في الأيام المقبلة، يبقى الوصول إلى حضور من الدرجة الأولى في القمة وجمع شمل الصف العربي، أمراً صعباً لاعتبارات عدة، أهمها التوترات المستمرة في ما بين دول عربية عدة، أهمها بين الجزائر والمغرب، وأيضاً لبنان ودول الخليج.
خلق أرضية اتفاق
وحول ذلك، يقول الباحث العراقي المهتم بالشؤون الدولية عبد الرحمن جعفر الكناني، "لم تخلُ كل القمم العربية من تقاطعات وتجاذبات أو تباعد في الرؤى إزاء مختلف القضايا، وقمة الجزائر المرتقبة لن تتجرد من هذه العوائق التقليدية المخضرمة"، لكنها لن تؤدي إلى إلغائها، فقد اعتاد القادة العرب أن يلتقوا وهم يحملون على كاهلهم أثقالاً من الخلافات، أملاً في تخفيف وطأتها. فهم يدركون أن فشل انعقاد القمة في موعدها سيكون فشلاً عربياً لا تتحمل الجزائر عواقبه، مضيفاً أن التحرك الدبلوماسي الجزائري في الوقت الراهن يُعدّ أمراً طبيعياً في إطار التحضير السياسي والإداري لانعقاد القمة في ظروف أفضل، وضمان نجاحها بخلق أرضية اتفاق على معالجة قضايا هي مصدر خلاف، يعيق العمل العربي المشترك.
ويتابع الكيلاني أن القمة ستُعقد في موعدها، ومعظم المعطيات تؤكد ذلك على الرغم من حجم الخلافات التي ستُثار في قاعة عقدها المغلقة، وكذا الخلافات التي تسبق انعقادها. وختم أن القمة العربية ستنعقد بكل العلل التي ترافقها، وستسعى الجزائر إلى إنجاحها من حيث المستوى الرفيع للحضور على مستوى القادة العرب، ومن حيث اعتماد المقاربات التي تمهد لاتخاذ قرارات توافقية لمواجهة تحديات راهنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحديات الخروج بنتائج ملموسة
من جانبه، يرى الباحث المصري المهتم بالشؤون العربية، رئيس مركز دراسات سياسية واستراتيجية حامد فارس، أن الجزائر تواجه تحديات كبيرة ليس في إقامة القمة العربية، ولكن في الخروج بنتائج ملموسة تفيد الواقع العربي المعقد والمتشابك في كثير من القضايا. لذلك، فإن إعلان الجزائر اعتزامها القيام بمشاورات موسعة مع الدول العربية، يأتي في إطار حرص القيادة الجزائرية على أن تكون هذه القمة جامعة شاملة كاملة العدد من الحضور، لضمان إحداث التوافق العربي حول عدد من القضايا الخلافية، ومن أبرزها الوصول إلى موقف موحد يؤدي إلى عودة سوريا، إضافة إلى الخلاف الجزائري المغربي.
ويرى أن هناك أطرافاً بعينها تسعى بكل قوتها إلى إفشال القمة العربية في الجزائر، لأن ذلك يعني فشل الدولة الجزائرية التي تسعى إلى عودة دورها الريادي والمحوري في المنطقة العربية والشرق الأوسط في ظل التحديات الإقليمية الراهنة التي تواجهها، سواء مع الأزمة الليبية أو انتشار الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي أو خلافاتها مع المغرب. ولفت إلى أن عودة الدبلوماسية الجزائرية إلى سابق قوتها ونفوذها سيكون لها مردود إيجابي على القضايا العربية برمّتها، وعلى جمع الشمل العربي وتعزيز العمل العربي المشترك، على اعتبار أن الجزائر ركيزة أساسية للأمن القومي العربي، الأمر الذي دفع بعض القوى إلى السعي لإظهار ضعف الدولة الجزائرية من خلال إفشال انعقاد القمة العربية.
أطراف تسعى إلى إفشال القمة؟
وكان لعمامرة صرّح في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن هناك أطرافاً تسعى إلى إفشال القمة، وقال "إن الذين يسعون لتقويض القمة العربية إن فشلوا في مسعاهم سيعملون على أن يكون التمثيل هزيلاً"، مشدداً على أن القمة العربية ستأتي في موعدها بتحضير جيد، وأضاف أن احتضان الجزائر للقمة العربية المقبلة حق وواجب، وهي كدولة عربية محورية قادرة على تحريك الأمور بإيجابية عندما تترأس الجهد العربي المشترك.
حرص وليس تخوف
إلى ذلك، تعتبر الباحثة في العلاقات الدولية شروق مستور أن "ما نشهده من تصريحات جزائرية ومشاورات موسعة مع الدول العربية حول القمة، هو حرص من النظام الجزائري على إنجاح اللقاء العربي الذي يمثل فرصة مهمة للبلاد لاستعادة مكانتها العربية كدولة مؤثرة، بخاصة في الشق الدبلوماسي". وأضافت أنه بالنظر إلى المعطيات والأوضاع العربية في الفترة الأخيرة، فإن توقيت هذه القمة مهم جداً للحرص على أن تكون جامعة، مشددة أنه ليس هناك تخوف من فشل القمة بل حرص على أن تكون قمة جامعة لكل الدول العربية.
وتابعت أن هناك كثيراً من التحديات التي تواجه الدول العربية في إطار رغبتهم بتحقيق الاتحاد لمواجهة التهديدات المشتركة، وهذا ما يرجح وجود محاولات للتشويش على القمة المقبلة ومحاولات لإفشال فكرة قمة جامعة لكل الأطراف. وقالت إن الجزائر ستعمل على طرح مختلف الأزمات التي يرفض بعض الأطراف طرحها للنقاش.