لأشهر توقع الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاروه أن يكون التضخم مؤقتاً سيتلاشى مع انتعاش الاقتصاد وتخفيف مشكلات سلسلة التوريد. لكن البيانات الصادرة حديثاً تحدّث المُدة التي ستستمر فيها الأسعار المُرتفعة. ما أدى إلى تفاقم مشكلة التضخم في البيت الأبيض قبل 10 أشهر فقط من توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع.
وقد ارتفعت الأسعار بنسبة 7 في المئة خلال 12 شهراً حتى ديسمبر (كانون الأول). ما يجعل 2021 أسوأ عام للتضخم منذ 1982، وفقاً لتقرير جديد صادر عن مكتب إحصاءات العمل الأميركي. ويشمل ارتفاع الأسعار كل شيء تقريباً، من البنزين والسلع في محال البقالة والسيارات المستعملة ومواد البناء، ومن المُمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة السياسية لبايدن وحزبه الديمقراطي.
57 في المئة يعارضون تعامل بايدن مع الاقتصاد
معدل البطالة مُنخفض، والأجور آخذة في الارتفاع، وسوق الأسهم في حالة جيدة. ولكن، ما دامت الأسعار ترتفع فقد يدفع بايدن ثمناً سياسياً في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني)، التي ستُحدّد السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ.
وقال فرانك لونتز، وهو جمهوري، "سيكون لهذا عواقب وخيمة في الخريف". وأضاف أن الناخبين في مجموعات التركيز التي أجراها كانوا قلقين بشكل مُتزايد، وعلى الرغم من أن جائحة كورونا لا تزال تُشكل مصدر قلق كبير، فإن ارتفاع تكلفة السلع أصبح أكثر هيمنة". وتابع "من بين جميع القضايا الاقتصادية، هذا (الموضوع) هو الرقم واحد، لأنه سواء كنت من الطبقة المتوسطة العليا أو الطبقة المتوسطة الدنيا، فإنك لا تزال متأثراً".
ويعتقد 54 في المئة من الأميركيين أن اقتصاد بلادهم يزداد سوءاً، وفقاً لمسح أجرته جامعة كوينيبياك، الأربعاء 12 يناير (كانون الثاني). ويلقي كثيرون باللوم على بايدن، إذ قال حوالى 57 في المئة إنهم لا يوافقون على تعامله مع الاقتصاد، بينما قال 34 في المئة فقط إنهم يوافقون.
وقالت سيليندا ليك، متخصصة في استطلاعات الرأي، "لا يزال الناخبون قلقين للغاية بشأن التضخم". وأضافت "ما هو مهم بالنسبة إلى الديمقراطيين هو أن يقولوا نحن نحرز تقدماً... وبينما نفعل ذلك، فإن هذا ليس جيداً بما يكفي وعلينا فعل المزيد".
وأشار ليك إلى أنه من شأن "إعادة البناء بشكل أفضل" التي يحملها بايدن وتحظى بشعبية لدى الناخبين، أن تساعد في خفض التضخم (مثل خفض تكلفة رعاية الأطفال والعقاقير الطبية ورعاية المسنين)، ولكن هذا التشريع عالق في مجلس الشيوخ وسط مقاومة من الجمهوريين.
تشريعات البنية التحتية أموال في جيوب الأميركيين
جادل بايدن بأن تشريعات البنية التحتية الخاصة به ستعمل على تحسين خطوط النقل والشبكة الكهربائية في البلاد. مما يمنع حدوث مشكلات مستقبلية مع سلسلة التوريد العالمية، وبأنه إذا تم تمرير "إعادة البناء بشكل أفضل" فإنها ستوفر مزيداً من الأموال في جيوب الأميركيين العاديين.
لكن الوقت محدود، إذ تُظهر الدراسات أن المواقف في شأن الاتجاه المتصور للاقتصاد تميل إلى التشدُد في مايو (آيار) أو يونيو (حزيران) من عام الانتخابات. ومع استمرار تأثير الأخبار السلبية، ينظر الديمقراطيون إلى الأشهر القليلة المقبلة على أنها حاسمة.
وقال ليك "التقلبات كبيرة جداً في الوقت الحالي، لدرجة أن الناخبين أصيبوا بالصدمة تقريباً".
أما بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، فيمكن أن يكون ذلك محفوفاً بالمخاطر، حتى مع وجود مقاييس اقتصادية قوية أخرى يمكن أن تشير إليها إدارة بايدن.
وقال جو تريبي، مستشار سياسي ديمقراطي، "لا يهم إلى أي مدى يسير كل شيء على ما يرام، إذ إن الناس يشعرون بالتضخم". وأضاف "معظم الناس لا يشعرون بوجود 9 ملايين فرصة عمل... إنهم يشعرون عندما لا يكون هناك 10 دولارات أخرى لملء خزان الوقود أو عندما ينفد الخبز. إنهم يشعرون بذلك، حتى لو كانوا يتقاضون رواتب أكبر".
من جانبه، قال بريان ديس، مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض، الأربعاء، إن التضخم قد استمر جزئياً لأن معدل البطالة انخفض بسرعة أكبر من المتوقع واستمر الوباء في التأثير على الاقتصاد العالمي وسلسلة التوريد.
ورداً على سؤال لصحيفة "واشنطن بوست"، عما إذا كانت الإدارة الأميركية قد أخطأت في وصف التضخم بأنه "مؤقت"، قال ديس "إذا نظرنا إلى الوضع في وقت سابق من العام، فإن عدداً من التوقعات والتنبؤات جاءت بشكل مختلف عما توقعنا".
وأضاف "أعتقد أنه بغض النظر عن المصطلحات، يتوقع معظم المتوقّعين أن زيادات الأسعار ستعتدل"، مما يُوائم الإدارة مع التوقعات بأن التضخم سوف يخف خلال هذا العام.
وكان بايدن قد أشار قبل ستة أشهر إلى احتمال أن يكون التضخم مؤقتاً. وقال في 24 يونيو، "الإجماع الساحق هو أن التضخم سيطفو على السطح قليلاً ثم يتراجع".
وفي الآونة الأخيرة، سعى الرئيس للتحدث عن المخاوف. وقال خلال ديسمبر الماضي في مقابلة مع محطة "ويهيو" في أوهايو، "بالنسبة إلى العمال وأفراد الطبقة المتوسطة، إنها ضربة كبيرة... التضخم، على الأقل في الوقت الحالي، حقيقي".
ويوم الأربعاء، أشار بايدن إلى جزء من تقرير مكتب إحصاءات العمل الذي أظهر انخفاض أسعار الغاز وبعض المواد الغذائية بشكل طفيف في ديسمبر بعد أشهر من الزيادات، قائلاً إنه "يوضح أننا نحرز تقدماً".
وأضاف في بيان "في الوقت نفسه، يؤكد هذا التقرير أنه لا يزال أمامنا مزيد من العمل، إذ لا تزال الزيادات في الأسعار مرتفعة للغاية وتضغط على ميزانيات الأسرة".
سياسة بايدن لا تعمل
يقول الديمقراطيون إنهم يرحبون بالنقاش في شأن الاقتصاد، مشيرين إلى عدم وجود خطط ثابتة من الحزب الجمهوري. لكن الجمهوريين جادلوا في أن أرقام التضخم الجديدة هي علامة أخرى على أن سياسات بايدن لا تعمل.
وقال كوري بليس، مستشار جمهوري، "الشخص العادي يواجه كل ساعة تلك الارتفاعات، سواء كانت غازاً أو خبزاً أو أي شيء يشتريه، يتم تذكيرهم بمدى سوء إدارة بايدن".
وأضاف "سترى كثيراً من الملصقات حول الارتفاعات في محطات الوقود والبقالة".
كلفة الغذاء والطاقة تتجاوز 8 في المئة
على مدار عام، ارتفعت تكاليف الغذاء والطاقة والمأوى في المتوسط بأكثر من 8 في المئة. وقال دوغلاس هولتز إيكين، محلل السياسات في الحزب الجمهوري الذي عمل مديراً لمكتب الميزانية غير الحزبي في الكونغرس، إن هذه الفئات الثلاث تشكل 50 في المئة من متوسط ميزانية الأسرة.
وقال إيكين عن إدارة بايدن "هذه هي مشكلتهم الجوهرية... هذا لم يُسمع به منذ 40 عاماً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعدما قال البيت الأبيض في البداية إن ارتفاع الأسعار سيكون قصير الأمد، استخدم نهجاً شاملاً للتضخم. وأطلق المسؤولون فريق عمل يهدف إلى التخفيف من اضطرابات سلسلة التوريد، وعملوا على تعزيز إمداد سائقي الشاحنات وزيادة المنافسة في صناعة الشحن وتخليص البضائع المتراكمة في الموانئ الرئيسة في جميع أنحاء البلاد، من بين تدابير أخرى.
وهناك بعض علامات التقدم... فعلى سبيل المثال بعدما انتقد البيت الأبيض أرباح الشركات في صناعة تعليب اللحوم، انخفضت أسعار اللحوم في ديسمبر بعد أشهر من الزيادات. وبعدما نسق البيت الأبيض إطلاقاً عالمياً لاحتياطيات البترول، تراجعت أسعار البنزين في ديسمبر أيضاً.
وقال دين بيكر، وهو اقتصادي ليبرالي، "لا أعتقد أن هناك شيئاً واحداً يُمكنهم فعله لتغيير القصة بشكل كبير".
وأقر البيت الأبيض بأن الضغوط التضخمية تضر بالأسر الأميركية، لكنه أصر على أن الاقتصاد لا يزال يعمل بشكل جيد، مشيراً إلى معدل البطالة المُنخفض والعدد القياسي للوظائف الشاغرة.
لكن بعض هذه الحجج تزداد صعوبة، إذ أظهرت البيانات الحكومية الصادرة يوم الأربعاء أن متوسط الدخل الأسبوعي لمعظم العمال الأميركيين انخفض بنسبة 2.3 في المئة خلال 2021، عند تعديل التضخم. ما يعني أن الرواتب لا تواكب ارتفاع التكاليف.
وقال ماثيو جيه سلوتر، الاقتصادي في كلية دارتموث، "هذا مؤلم... ولا يعزز الحلم الأميركي".
دوامة الأجور والأسعار
واعترف مسؤول كبير في البيت الأبيض، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، بأن الأسعار تنمو بشكل أسرع من الأجر بالساعة على أساس سنوي. لكنه أشار إلى توقعات مستقلة تتحدث عن انخفاض التضخم إلى النصف خلال العام المقبل. إذا انخفض التضخم من 7 في المئة إلى 3.5 في المئة واستمر نمو الأجور بالوتيرة نفسها، يمكن للعمال تحسين ثرواتهم الاقتصادية بشكل كبير.
وأشار المسؤول إلى أن الأرباح المعدلة حسب التضخم ارتفعت بنسبة 0.1 في المئة في ديسمبر.
لكن المتخصصين الاقتصاديين يرون استمرار الخطر على الإدارة في المسار الاقتصادي الحالي. وحذر بعض الاقتصاديين من خطر "دوامة الأجور والأسعار" التي يدفع فيها العامل الأجر وترتفع الأسعار بشكل صاروخي في وقت واحد، إذ يحاول كل منهما اللحاق بالآخر. وقد يكون من الصعب وقف هذا الاتجاه من دون تدخل من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي قد يعيد الولايات المتحدة إلى الركود.
وقال لاري سمرز، الذي شغل مناصب عليا في كل من إدارة بيل كلينتون وباراك أوباما وانتقد حزمة التحفيز التي قدمها بايدن البالغة 1.9 تريليون دولار، إن "الرؤية الحاسمة للاقتصاد الكلي المستمدة من تجربة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي هي أن الاقتصاد المحموم لا يؤدي إلى تضخم مرتفع فحسب ولكن يؤدي إلى تضخم متسارع". وأضاف "لدينا حالياً اقتصاد محموم، وليس هناك كثير من الأسباب للتفكير في أنه سيهدأ في أي وقت قريب، بالتالي سيعتمد التأثير السياسي على المدة التي يستغرقها القيام بذلك".
وإذا كان التضخم مؤقتاً، يقول سمرز، "سيكون هناك وقت من الآن حتى نوفمبر لتحقيق ذلك بطريقة لا تأثير لها". وتابع "إذا استمر التضخم خلال الانتخابات، سيؤذي ذلك بايدن".