بعد جنوب أفريقيا، كانت المملكة المتحدة من بين أولى الدول في العالم التي واجهت القوة الكاملة لمتحورة "أوميكرون" من فيروس كورونا.
هكذا، تفشّت "أوميكرون" بسرعة في مختلف أنحاء الأمم الأربع للمملكة المتحدة (إنجلترا، واسكتلندا، وويلز، وإيرلندا الشمالية)، ما أدى إلى زيادة مفاجئة في إصابات كورونا وحالات الدخول إلى المستشفى، مع عودة الحكومة مُكرهةً إلى فرض قيود جديدة لاحتواء "كوفيد-19".
وعلى الرغم من أن التوقعات بالنسبة إلى إصابات كورونا في المملكة المتحدة قد تراجعت منذ الأيام العصيبة التي مرت على البلاد في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإن المستقبل يحمل مزيداً بالنسبة إلى معظم دول القارة.
"منظمة الصحة العالمية" (WHO) حذرت من أن أكثر من 50 في المئة من سكان أوروبا سيصابون بمتحورة "أوميكرون" في الأسابيع الستة إلى الثمانية المقبلة.
وتلك الإصابات ستؤدي حتماً إلى موجة من حالات الدخول إلى المستشفى في جميع بلاد القارة الأوروبية، وسيتوقف حجم تلك الموجة على معدل التطعيم في كل مجموعة سكانية.
بالنسبة إلى دول كالبرتغال، علما بأنها من أكثر البلاد تطعيماً على هذا الكوكب، سبق أن تسببت "أوميكرون" بقفزة حادة في الإصابات، ولكن في المقابل لم تشهد نسبة الوفيات ارتفاعاً مماثلاً. كذلك سيكون في مستطاع دول أخرى من قبيل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا الاتكاء على دفاعاتها من اللقاحات.
ولكن في وسط أوروبا وشرقها، حيث تنخفض نسبة التطعيمات ضد كورونا، فمن المحتمل أن تتسبب "أوميكرون" في مزيد من الأضرار [إصابات ووفيات] في الأسابيع والأشهر المقبلة.
لنضرب مثلاً ببولندا. مع تلقيح 55.8 في المئة فقط من البالغين، يكون معدل التطعيم أقل كثيراً مقارنة مع أوروبا الغربية. وما يزيد الطين بلة، أن عدد الأطباء العاملين في هذا البلد هو الأقل بالنسبة إلى عدد سكانها بين دول الاتحاد الأوروبي، تحديداً 2.4 فقط من الأطباء لكل ألف نسمة، مقارنة مع 4.5 في ألمانيا.
تضم بولندا أيضاً 5 ممرضين أو ممرضات فقط لكل ألف نسمة، أي أقل من المتوسط في دول الاتحاد الأوروبي البالغ ثمانية ممرضين، وأقل بأشواط من البلاد الأكثر ثراءً مثل ألمانيا، حيث عدد الممرضين 14 لكل ألف نسمة.
حذر آدم نيدزيلسكي، وزير الصحة البولندي، من أن 18 ألف مصاب بفيروس كورونا يمكثون فعلاً في المستشفيات، ما يضع البلد في "الموقف الأكثر صعوبة مقارنة بالموجات الأخرى" من كورونا، وهذا كله قبل حتى إن تتفشى "أوميكرون" بشدة وتثبت وجودها.
ما إن تترسخ متحورة "أوميكرون"، سيزداد الوضع تدهوراً في بولندا على الأرجح، وربما تتجلى هذه التجربة في بلاد أوروبية أخرى قريبة ذات معدلات تطعيم منخفضة، من بينها بلغاريا (حيث نسبة التلقيح 28.1 في المئة)، وأوكرانيا (حيث نسبة التلقيح 31.9 في المئة)، وبيلاروس (حيث نسبة التلقيح 38 في المئة).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبطبيعة الحال، ستكون موجة "أوميكرون" في كل بلد مرهونة بمستويات المناعة المكتسبة نتيجة العدوى الطبيعية في صفوف السكان، بالإضافة إلى العمر والتركيبة السكانية ومدى جودة خدمات الرعاية الصحية، ولكن لا ريب في أن هذه المتحورة تشكل تحدياً كبيراً بالنسبة إلى معظم القارة.
لهذا السبب كانت "منظمة الصحة العالمية" محقة في إسقاط الاقتراح، الذي قدمه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بأن الوقت قد حان لتغيير نهجنا في الاستجابة لفيروس كورونا، والتعامل معه كمرض متوطن، "وليس الجائحة التي كان عليها حتى الآن".
كان سانشيز قد أشار إلى تحول في السياسة يرمي إلى الابتعاد عن احتساب عدد إصابات كورونا وفرض الحجر الصحي، والاتجاه صوب نهج قائم على المخاطر يتبع عادة في التصدي لتفشي أمراض عدة على شاكلة الإنفلونزا الموسمية، ويتوخى حماية الفئات الأكثر ضعفاً من السكان.
لكن "منظمة الصحة العالمية" حذرت من أنه ما زال أمام البلاد "طريق طويل تقطعه" قبل أن تكون قادرة على التعامل مع "كوفيد" على النحو المذكور سابقاً.
مدير المكتب الإقليمي لأوروبا في "منظمة الصحة العالمية"، هانز كلوج، ذكر أنه "نتيجة الحجم غير المسبوق لعدوى" كورونا، تشهد القارة الأوروبية الآن ارتفاعاً في معدلات الدخول إلى المستشفى.
وقال كلوج، إن "الأنظمة الصحية وتقديم الخدمات يواجهان تحديات كبيرة في بلاد كثيرة، حيث تفشت "أوميكرون" بوتيرة سريعة، وتتهدد بإرهاق الكثير بعد".
وحذرت كاثرين سمولوود، مسؤولة الطوارئ في "منظمة الصحة العالمية" في أوروبا، قائلة إنه "حري بنا حقاً أن نتراجع عن التصرف كما لو أن كورونا مرض متوطن قبل أن يتصرف الفيروس نفسه على هذا النحو".
لذا، في حين أنه ربما يكون جيداً أن المملكة المتحدة أقرب من أي بلد في نصف الكرة الشمالي للخروج من جائحة "كوفيد-19"، وفق ما أشار البروفيسور ديفيد هيمان من "كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة" الثلاثاء الماضي، يبقى الوضع في مناطق كبيرة في أوروبا أقل تشجيعاً.
لقد أحدثت "أوميكرون" تغييراً جذرياً في مجرى الأمور، جاعلة أي كلام عن "توطن" كورونا سابقاً لأوانه. لذا، على القارة أن تتأهب لموجة أخرى من "كوفيد-19".
© The Independent