بعد مرور عام على اليوم الذي اقتحمت فيه جماعات غوغائية مبنى الكابيتول الأميركي طامحة إلى بقاء دونالد ترمب في منصبه ضد رغبة الناخبين الأميركيين، كانت ابنة أخ الرئيس الأسبق، المحللة النفسية ماري ترمب، تبذل ما في وسعها للبقاء في منأى من الأخبار خلال قضائها إجازة في أقاليم ما وراء البحار البريطانية. وقبل وصول عمها إلى سدة الرئاسة كان أسهل بكثير على السيدة ترمب، ابنة الشقيق الراحل لدونالد ترمب، فريد ترمب جونيور، أن تتحاشى الأخبار، أو تتابعها. وهي، على خلاف معظم أفراد عائلتها، تعيش حياة هادئة نسبياً، بعيدة عن أضواء الإعلام التي يسعى إليها أقاربها باستمرار، وعلى نحو روتيني.
وحين أرعبها وصول عمها إلى سدة السياسة الأميركية، استمرت في التعاون مع ثلاثة مراسلين من "نيويورك تايمز" يعملون على كتابة قصة نشرت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2018، تتناول مزاعم قيام عمها، وشقيقه وشقيقته – قاضية استئنافية – بالاحتيال عليها وعلى شقيقها وعلى الحكومة بملايين وملايين الدولارات، عبر عدد من خطط الاحتيال الضرائبي.
وقد حازت تلك القصة على جائزة "بوليتزر"، بيد أن وضعية (ماري ترمب) كمصدر معلومات الـ"تايمز" (في المقالة المذكورة) بقيت سرية حتى صيف 2020، عندما أفصحت عن دورها في كتاب يروي كل ما حصل بعنوان "كثير جداً ولا يكفي أبداً: كيف خلقت عائلتي أخطر رجل في العالم" (أو "بين وفرة وقصور: كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم؟") Too Much and Never Enough: How My Family Created the World’s Most Dangerous Man.
وكشف الكتاب على مصادر قصة "نيويورك تايمز" المدوية، وسلط الضوء كذلك على حكايات غير معروفة تتعلق بأشهر فرد في عائلتها (أي دونالد). ومن هذه الحكايا، واحدة تتضمن زعماً مصدره ماريان ترمب باري (قاضية استئنافية متقاعدة، وشقيقة الرئيس السابق) مفاده أن السيد دونالد ترمب دفع مالاً لأحد الأشخاص كي ينوب عنه في امتحانات الدخول إلى الجامعة.
وحين اتصلت بها "اندبندنت" لمحادثتها في الذكرى السنوية لأحداث الكابيتول، قالت السيدة ماري ترمب إن آخر ما سمعت به عن عمها قبل رحلة إجازتها كان عندما أعلن إلغاء المؤتمر الصحافي في 6 يناير (كانون الثاني)، ذاك المؤتمر الذي أراد التحدث فيه عن الذكرى السنوية لأحداث التمرد في الكابيتول. وجاء الأمر قبل أن يقوم الرئيس جو بايدن بالتوقف عن إحجامه على مدى عام عن ذكر سلفه، وذلك عبر خطاب ألقاه في "قاعة النصب الوطنية"، أشار فيه إلى قيام السيد دونالد ترمب بخلق وتعميم "شبكة من الأكاذيب حول انتخابات 2020".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء ذلك أيضاً قبل شروع السيد ترمب بإثارة موجة غضب دامت أياماً عدة، إذ أعلن عن إنشاء هيئة عمل سياسي باسم "أنقذوا أميركا"، ومهاجماً كلام السيد بايدن، ومعتبراً إياه "الرمق الأخير" لـ"مؤسسة اليسار السياسي وإعلامه الفاسد وفاقد المصداقية"، كما كرر نظريات مؤامرة غريبة وجدت جمهوراً لها بأوساط القوميين البيض ومشاهدي الإعلام اليميني خلال السنة التي تلت مغادرته الرئاسة على وقع أجواء متلبدة جراء التمرد الذي زرع بذوره.
وكان ترمب في الحقيقة يقوم بما توقعته ماري ترمب في الأيام الفاصلة بين خسارته الانتخابات وبين شغب 6 يناير، حين أخبرت "اندبندنت" أن عمها كان "غير مؤهل نفسياً لاستيعاب" هزيمته، وتوقعت أن يقوم بالانخراط في مجمل مظاهر الشغب تزامناً مع مغادرته المكتب البيضاوي. وقالت حينها إن "التدخل في الانتقال السلمي للسلطة يمثل بوضوح أمراً سيئاً، إذ إنه يقوض شرعية الإدارة (السياسية) المقبلة، لكن من يمكنه أن يتنبأ بأنواع أنشطة "الاقتحام والسرقة" الأخرى التي سوف ينخرط فيها؟". تابعت "لو أنه بمفرده من يقوم بتلك الأعمال، لكان الأمر جلياً على نحو صارخ أنه هو بمفرده يقوم بذلك، وذاك لن يؤدي إلا إلى زيادة ذله وتهاوي مشروعيته. إلا أنه ليس وحيداً، وهم يساعدونه في تقويض عملية [نظام] عمرها أكثر من 240 سنة، وهم يفعلون هذا بطريقة سينجم عنها أضرار دائمة، مهما حصل".
لكن حين سألتها "اندبندنت" عن أحدث نوبات عمها، فإنها لم تكن على علم بما جرى لأنها لا تتابع كثيراً وبإيقاع يومي ما يداوم على التفوه به. عن هذا قالت، "أنا لا أقوم بمتابعته على نحو خاص. ولأنه ألغى نوبته العصبية في [مار إي ليغو]، لم أجد داعياً للافتراض، حسناً، إنه سيفعل أمراً ذكياً ويبقي فمه مغلقاً [يلتزم الصمت]".
في الإطار عينه، ووفقاً لبعض المقاييس، فإن لدونالد ترمب أسباباً ضئيلة تجعله يفعل ذلك. فعلى الرغم من اللحظة القصيرة التي سنحت خلال الأيام التي أعقبت أسوأ هجوم على الكابيتول منذ سنة 1814، حين كان يمكن أن يسلك طريقه ليغدو شخصاً غير مرغوب به في الحزب الجمهوري، سرعان ما تبددت الفرصة سريعاً.
اليوم يتربع ترمب على مجهود حربي قيمته 100 مليون دولار كي يتم دفعه بسخاء لجمهوريين موثوقي الولاء ومستعدين لتكرار مزاعمه الخاطئة، فيمكنهم الفوز بانتخابات مراكز محددة تسمح لهم التلاعب بالانتخابات لمصلحته، إن تمكن من الحصول على غطاء الحزب الجمهوري كي يترشح للرئاسة مرة ثانية سنة 2024.
بيد أن السيدة ماري ترمب، الأستاذة السابقة في الدراسات العليا والتي علمت صفوفاً بمواضيع الصدمة والباثولوجيا (علم الأمراض) النفسية وعلم النفس النمو وتحمل شهادة دكتوراه في السيكولوجيا العلاجية، لديها موقف مختلف يتعلق بأهلية عمها لخوض حملة انتخابية جديدة وقضاء ولاية إضافية في البيت الأبيض.
وبتقديرها فإن عدم وجود ضغوط الرئاسة فوق كتفيه – الأمر الذي يمثل لكثيرين تحرراً كبيراً – لن يكون له تأثير إيجابي بارز على صحته النفسية، لأنه غير قادر على استيعاب خسارته أمام السيد بايدن. عن هذا قالت: "شخص على هذا القدر من الاضطرابات النفسية الحادة التي تتملكه، لن يتحسن من دون تدخلات علاجية". تابعت، "مثل حال أي مريض آخر لا يخضع للعلاج، فإن الأمور لا تتحسن بفضل المعجزات، خصوصاً عندما نأخذ في الحسبان أنه تعرض لمقدار هائل من الإجهاد – وتكبد على الأرجح أكبر جرح نرجسي في حياته سنة 2020 – وهو خاسر بغض النظر عن الأكاذيب التي يسوقها ويواجه بها نفسه والآخرين".
والحال، إن بين هيئة العمل السياسي التي أطلقها، والمكتب الصغير الذي حصل عليه بفضل "قانون الرؤساء السابقين"، فقد احتفظ بأفراد قلائل من مساعديه السابقين في البيت الأبيض وأمن ورودهم في سجل الرواتب، من بينهم المدير الاستراتيجي ستيفن ميلر، وزميله السابق في لعبة الغولف الذي سبق وعينه رئيساً للموظفين في البيت الأبيض، دان سكافينو.
لكن السيدة ماري ترمب قالت إن وجود مساعديه السابقين، إضافة إلى لاعبين آخرين من "عالم ترمب" أمثال المتحدثة باسمه ليز هارينغتون، ومن وقت إلى آخر رئيس الموظفين السابق في البيت الأبيض مارك ميدوز، لا يسهم إيجابياً في سير الأمور، لأن أولئك الأشخاص "لا يهتمون بأمره" و"لا يبالون بصحته وحسن حالته". وفي ظل تلك الظروف هي لا ترى أن عمها سوف يتحسن في وقت قريب. تقول، "أعتقد أنه سيتعذر عليه البقاء على هذه الحال (نفسياً) أو التحسن – بل إني متأكدة من أن حالته تدهورت".
لكن، حين انتقلت "اندبندنت" بموضوع الحديث إلى الكم الكبير من التحقيقات الاستقصائية المنهمك بها السيد ترمب – من بينها عمل هيئة مجلس النواب التي تحقق في عملية اقتحام الكابيتول – فإنها لم تبدُ متأكدة من أن عمل الهيئة المنتخبة المذكورة سيكون له تأثير. وبحسب مصادر من الهيئة فإن الأفرقاء فيها يخططون للبدء بإصدار سلسلة من التقارير، وتخصيص جلسات استماع (لشهادات أشخاص) وبثها عبر التلفزيون في وقت الذروة، حيث ستبين تلك الشهادات ما كان ترمب يعرفه، ومتى عرفه، وماذا فعل إزاء ذلك – أو لم يفعل – خلال الدقائق الـ187 التي وقع فيها مبنى الكابيتول تحت حصار مجموعات غوغائية من أنصاره.
وقامت "اندبندنت" بالاتصال بناطق رسمي باسم السيد ترمب كي تحصل منه على تعليق حول ما تذكره ابنة أخيه بأن مساعديه الحاليين "لا يهمهم أمره"، و"ليس لديهم أي مصلحة في صحته"، وعن إشارتها إلى تدهور حالته النفسية، ولكنه لم يجب، ولم يحترم الموعد الذي وضعناه لتلقي الإجابة.
وعلى الرغم من أن السيدة ماري لا تقف عند كل الأخبار المتعلقة بعمها، مثلما فعلت عندما راحت تتمنى خسارته أمام السيد بايدن في انتخابات 2020، فإنها تابعت اجتماعات هيئة التحقيق المنتخبة في اجتماعاتها الأحدث، عندما قام أعضاء هذه الهيئة باستعراض ومراجعة سلسلة من الرسائل النصية التي حصلوا عليها من المدير السابق لموظفي إدارة ترمب، مارك ميدوز. وقالت إنها تعاملت مع عمل الهيئة واجتماعاتها عبر طريقتين مختلفتين. "لقد تعاملت معها بطريقتين"، ذكرت: "تعاملت معها كشخص عادي تناهت إليه تلك الجرائم الفظيعة التي ارتكبت، ولا أفهم لماذا يتطلب عمل (الهيئة) كل هذا الوقت. لأنه من الصعب أن نفهم وجود التباين الكبير بين الزمن القانوني والزمن السياسي، أو أن نفهم... بطريقة متعمقة، إنه حتى لو كان المرء يعرف الجريمة التي ارتكبت، يبقى هناك تلك العملية المنهجية، المتطلبة للدراسة والتأني، التي ينبغي القيام بها للتأكد وإثبات جميع الأمور". أكملت، "لكن، في المقابل، أنا لا أعلم إن كنت متفاجئة، بيد أنني متأثرة جداً بمهنية هذه الهيئة – إذ إنني أعتبر جلسة الاستماع الأحدث التي عقدوها جلسةً مدهشة بمقدار الأدلة الدامغة التي قدمتها"، إلا أن السيدة ماري ترمب أعربت عن شكها في إمكانية انعكاس وتأثير كل ما تقوم به الهيئة على الرئيس السابق، وذلك على خلاف عملية مساءلته والتحقيق معه (أمام الكونغرس) سنة 2019 الذي دفعه إلى نشر سلسلة من التغريدات الغاضبة والمتحدثة عن مؤامرة، والتي شوشت ظهوره أمام الجماهير، مثلما حصل في المؤتمر الصحافي في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 مع الرئيس الفنلندي سولي نينيستوي. عن هذا قالت، "لست متأكدة تماماً من أن جلسات الاستماع هذه سيكون لها تأثيراً مباشراً عليه (على ترمب)، لأنه معزول تماماً، لكنها بالتأكيد سوف تباشر في إبعاد الناس عنه – ليس الأتباع، بل الـ74 مليوناً الذين صوتوا له، وهؤلاء ليسوا جميعاً من أتباعه، بل أشخاص لا يتابعون كثيراً [ما يجري بانتباه]". تابعت، "هناك الكثير من الناس هنا الذين إن كانوا من متابعي [فوكس نيوز] لا يعلمون فعلاً ما حصل، لكن... إن جرى بث جلسات الاستماع على التلفزيون وبإيقاع منتظم، فإنه سيغدو من الصعب جداً على أناس كثيرين البقاء بمنأى عن تلك الحقائق".
وفيما كانت ماري ترمب قد أبدت تشكيكاً تجاه أن تقوم نتائج هيئة التحقيق بالتأثير على عمها، بيد أنها بدت أكثر ثقة بعض الشيء تجاه الثقل المشترك لعديد من التحقيقات الأخرى بحقه – مثل القضايا المرفوعة في ولاية نيويورك وقضايا محلية أخرى متعلقة بمشاريع أعماله، والتحقيق القائم في ولاية جورجيا المتعلق بالجهود التي بذلها لابتزاز مدير العلاقات الخارجية في الولاية، براد رافينسبيرغير، كي "يجد" له أصواتاً إضافية لصالحه (في انتخابات 2020). في هذا الصدد تقول، "الكثير من تلك القضايا الأخرى آخذ في التشكل في سياق التحقيقات، لذا فإن الأمور تتراكم بطريقة كنت متخوفة ألا تحصل يوماً، لذا أعتقد أن تضافر جميع هذه الأمور سيجعله عاجزاً حتى عن التنكر لها [والتنصل منها]". تلك التحقيقات، قالت السيدة ماري ترمب، قد تشكل ما قد يدفعه كلياً إلى الإعلان عن ترشحه لولاية رئاسية جديدة، على الرغم من سوء حالته الجسدية والنفسية. وأوضحت، "إن استطاع تمالك نفسه، ما الذي يمنعه؟ (عن الترشح). إنه بحاجة (للترشح ذاك) كي يستمر في مواجهة التحديات، لكن... في عالم عادل [منصف]، فإن كل هذه الأمور الإجرامية التي ارتكبها سوف تفعل فعلها وتتقدم عليه. للأسف هذا يبقى سؤالاً مشروعاً، لكنه سؤال خاطئ [ليس المناسب]. السؤال الفعلي يجدر أن يكون لماذا يسمح له بالترشح".
© The Independent