طريق اللجوء إلى الخارج والهروب من ملاحقة النظام الإيراني ليس سهلاً لكثيرين من المعارضين الذين يغادرون أوطانهم بسبب مواقفهم المناهضة للسلطات.
لكن بعضهم يتعرّضون لمضايقات حتى إذا لم يبدوا موقفاً معارضاً، مثل اللاجئة الأحوازية زهراء مغينمي التي قضت في طريق الهروب من إيران مع شقيق زوجها نادر بريهي، بعدما منعتها السلطات من السفر إلى الخارج للالتحاق بزوجها اللاجئ في هولندا.
تُسهّل البلدان التي تمنح اللجوء للنشطاء السياسيين، إصدار تأشيرات سفر لعوائلهم ليلتئم الشمل في الخارج.
يعيش اللاجئ الأحوازي جادر بريهي في أمستردام منذ عام 2015، ولم تكُن معاملة نقل زوجته زهراء من الأحواز إلى أمستردام سهلة، إذ استغرقت المتابعات ثلاثة أعوام، حتى حصلت على تأشيرة سفر من السفارة الهولندية في طهران.
بعد فراق طال أمده، كانت العائلة تأمل في أن يطوي الانتقال إلى وطنها الجديد مآسي كثيرة، تحملتها لتتحقق أمنيتها وهي تمثل حقاً طبيعياً في أوطان تحكمها قيم إنسانية.
لم يخطر على البال أن تدفع العائلة ثمن ذلك حياة شخصين، قضيا على جنبات الطريق في عاصفة ثلجية على الحدود الإيرانية – التركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما حصلت زهراء على التأشيرة، حجزت في اليوم ذاته تذكرة سفر من طهران إلى أمستردام عبر تركيا، اجتازت جميع إجراءات السفر ودفعت رسوم الخروج من الحدود.
لم تبقَ إلا ساعة واحدة على الرحلة، قضتها في مكالمات تودع أهلها وتعبّر لزوجها عن لهفة اشتياق للانضمام إليه في أمستردام.
لكن تبخرت كل هذه الأحلام بلحظة، إذ وجدت نفسها محاطة برجال أمن يُعرفون في إيران بـ"أصحاب الزي المدني"، ذلك أنهم لا يكشفون عن انتمائهم لأي من الأجهزة الأمنية ويتوزع بشكل رئيس على وزارة الأمن واستخبارات الحرس الثوري.
استجوبها رجال الأمن في المطار وتكررت أسئلتهم: "هل أنت أحوازية؟" وهي تردّ عليهم ببراءة نعم، أنا من الأحواز... ثم تتكرر الأسئلة والأجوبة ذاتها.
لم تعرف زهراء أن الأمن والإعلام الحكومي يطلقان مصطلح "الأحوازي" على النشطاء المطالبين بحقوق العرب في الأحواز، على الرغم من أن المصطلح يعبّر عن انتماء طبيعي للمواطنين العرب.
فكانت أسئلتهم تدور حول انتماءها الوطني الذي يكلف المواطنين كثيراً إذا ما انتهى الأمر بمواجهة رجال الاستخبارات.
رافقت استجوابهم مواجهة شرسة، وتروي زهراء لزوجها أنها رأت النار تتلظى في عيونهم وهم يوجهون إليها كلمات مسيئة.
حجزوا جواز سفرها وأحالوها إلى محكمة الثورة في الأحواز، فعادت أدراجها إلى المدينة الواقعة جنوب غربي إيران.
سعت إلى الحصول على دليل لمنعها من السفر، فأبلغتها المحكمة بأنها لا تملك أي ملف يتعلق بها وطلبوا منها العودة إلى مكتب وزارة الاستخبارات في منطقة "الأمانية" في الأحواز.
هذا المكتب يمثل في ذاكرة الأحوازيين، مركزاً سيّء الصيت، تردد إليه كثيرون من النشطاء العرب وعوائلهم. لم يخرج بعضهم منه وتعرّض آخرون فيه إلى التعذيب والإساءة.
وكلما شهد الإقليم انتفاضة، رافقتها حملة اعتقالات، فيتجمع عدد كبير من العوائل أمام مكتب الاستخبارات في "الأمانية" ليبحثوا عن مصير أبنائهم.
لم تكُن العودة إلى مكتب "الأمانية" سهلة على زهراء، فسعى زوجها إلى طلب إصدار تأشيرة جديدة، هذه المرة عبر السفارة الهولندية في تركيا، ليتمكّن من تهريب زوجته برفقة شقيقه عبر الحدود إلى تركيا، ومن هناك تغادر إلى أمستردام.
توارت زهراء عن الأنظار عدداً من الأيام ريثما تنتهي إجراءات إصدار التأشيرة الجديدة وتستعد للهروب من ملاحقة الأمن. في هذه الفترة، تلقّت اتصالات كثيرة منهم، مشفوعة بالتهديد والوعيد.
استجابت السلطات الهولندية لطلب زوجها إصدار تأشيرة أخرى عبر ممثليّتها في تركيا، فتوجهت إلى الحدود برفقة شقيق زوجها نادر بريهي.
وصلا إلى منطقة وعرة في مدينة خوي على الحدود، وسلكا طريقهما عبر الجبال إلى تركيا وسط هطول كثيف للثلوج.
بعثت زهراء إلى زوجها عدداً من المقاطع تشرح فيها صعوبة الوضع، لكنها أكدت له أنه سهل في سبيل الوصول إليه والتئام شملهما في أمستردام.
تمكّنا من عبور الحدود برفقة لاجئين آخرين وبعدما قطعا مسافة داخل الحدود التركية، اعتقلتهم دورية للشرطة وأعادتهم من حيث أتوا على الرغم من رداءة الطقس وصعوبة الموقف.
لم تجد زهراء ونادر أمامهما خياراً إلا العودة إلى بلادهم. لكن طريق العودة هذه المرة لم يكن سهلاً، إذ عثر سكان القرى الحدودية على جثتيهما المتجمدتين على جنبات الطريق لتُطوى بذلك حياة شخصين واجها مصيراً مأساوياً بعد مضايقات الأمن.
ترك نادر وراءه أربعة أطفال، أحدهما معوّق وتركت زهراء وراءها طفلاً في الـ 13 من عمره وزوجاً تحمّل تمرد القلب على حنين الوطن وفقد زوجته وشقيقه.