يبدو أن قضية آثار تغير المناخ على البيئة تجاوزت نقطة اللا عودة، بخاصة تلك التي لا نراها كل يوم ولا نتعامل معها بشكل مباشر، مثل حال الشعاب المرجانية التي تواجه في كل البحار والمحيطات تدهوراً سريعاً يهدد بقاءها نتيجة تغير المناخ والأنشطة البشرية المختلفة، التي أسهمت في خسارة العالم ما يقارب الـ14 في المئة من الشعاب المرجانية في العقد الماضي.
إذ تؤكد توقعات البروفيسور كارلوس دوارتي، الباحث في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" في مجال علوم البحار، أنه في ظل سيناريو الانبعاثات العالية والتأثر المتزايد للمناخ، فكل جهود الوصول إلى الهدف الأكثر طموحاً وفق اتفاقية باريس للمناخ لن تغير من واقع أن الشعاب المرجانية معرضة للاختفاء شبه الكامل في أقل من 15 عاماً.
2035 قد تكون السنة الأخيرة!
وتقول الورقة البحثية التي نشرها كارلوس دوارتي، إن 75 إلى 90 في المئة من الشعاب المرجانية المتبقية قد لا تكون موجودة بحلول عام 2035، وهذا أمر واقع لا محالة بغض النظر عن الجهود المبذولة لحمايتها.
وأضاف "هذه التقديرات مستمدة من التبييض الناجم عن الاحترار، لكن تحمض المحيطات وارتفاع مستوى سطح البحر يفرضان أيضاً تحديات لم تذكر بعد على الشعاب المرجانية، أي بمعنى أننا سنسلم البحر للأجيال القادمة من دون شعاب مرجانية".
وأشار طارق الجفالي، عضو مركز أبحاث البحر الأحمر في "كاوست" أيضاً، إلى أن هذه التوقعات المتشائمة قد صدرت أيضاً من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC"، بناءً على افتراض أن العالم سيحقق هدف اتفاقية باريس للمناخ (أي احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين مئويتين والسعي لتحديده عند 1.5 درجة مئوية)، وهذا لم يعد مقبولاً ولا كافياً، ويجب أن نقوم بتكثيف جهودنا حول المناخ لتأمين مستقبل أفضل للشعاب المرجانية.
حقيقة فكرة الانقراض
ويتفق العلماء المتخصصون في الشعاب المرجانية حول العالم أن البيئة البحرية والشعاب المرجانية تتعرضان لآثار سلبية جراء تغير المناخ، ويعتقد معظم العلماء أن معدل تغير الظروف المناخية يحتمل أن يتجاوز قدرة الشعاب المرجانية على التكيف.
فقد أدت موجات الحر بين عامي 2014 و2017 وحدها إلى إحداث تبييض عالمي للشعاب المرجانية، مما أثر في 70 في المئة منها حول العالم، وتسبب في خسارة ثلث الشعاب المرجانية بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فالحرارة التي تصل إلى 1-2 درجة مئوية (2-4 درجات فهرنهايت) فوق درجات الحرارة العادية في الصيف، تتسبب في طرد الطحالب التي تعيش داخلها، فتخسر الشعاب المصدر الرئيس للغذاء، والاستمرار على هذه الحالة لفترة طويلة يسبب مرض الشعاب وموتها في نهاية الأمر.
وتحدي الحرارة أثبت قدرته على قتل المرجان، فبعد موجة الحر التي حدثت 2016، فقد الحاجز المرجاني ثلث مساحته.
قد تكون مبالغة
ويختلف الجفالي مع فكرة انقراض الشعاب المرجانية بشكل كامل، ويقول "لا يمكن أن تنقرض بالكامل، حيث لاحظنا وجود نمو جديد لها في المناطق التي كانت شديدة البرودة في السابق، وأصبحت الآن مناسبة لها مع الاحتباس الحراري".
وأشار الجفالي إلى أن الاحتمال المستقبلي هو الانقراض الوظيفي للشعاب المرجانية، أي إنها ستستمر في الوجود، ولكنها لن تتمكن من القيام بجميع وظائفها البيئية على الوجه الأكمل.
لكن ماذا لو اختفت؟
وعلى الرغم من أن الشعاب المرجانية لا تغطي سوى مساحة صغيرة من كوكب الأرض، أقل من واحد في المئة، فإنها تمثل اللبنات الأساسية بالغة الأهمية لصناعة نظام "إيكولوجي" بحري سليم.
إذ تدعم تلك الهياكل نحو 25 في المئة من جميع أشكال الحياة في البحار والمحيطات، لذلك تجعلنا هذه النسبة الضئيلة نطرح سؤال ماذا لو اختفت الشعب المرجانية من العالم؟ سيناريو ليس بالبعيد جداً، فالمخاطر التي تحيط بالشعاب هي أمور حاصلة فعلاً.
يجيب البروفيسور كارلوس عن هذا قائلاً، إن "اختفاءها سيكون له تأثير كبير في دول الجزر الاستوائية الصغيرة، حيث توفر الشعاب المرجانية الحماية المطلوبة لتبديد طاقة الأمواج وتقليل آثار ارتفاع مستوى سطح البحر على أراضيها".
وأضاف "بعض هذه الدول، مثل جزر المالديف وكيريباتي وغيرها، لا تضم أي مرتفعات حيث تكون تضاريسها منخفضة جداً (1.3 متر هو أقصى ارتفاع في جزر المالديف)، فإن الحفاظ على الشعاب المرجانية يعد أمراً وجودياً، فبفقدانها تفقد هذه الدول جزءاً من أراضيها".
وأضاف البروفسور أثراً آخر لاختفائها "اقتصادياً، هناك أنشطة مرتبطة بالشعاب مثل مصايد الأسماك والرحلات السياحية التي توفر سبل العيش لنحو 500 مليون شخص على الكوكب، وتوفر عائدات وفوائد اقتصادية تقترب من تريليون دولار أميركي".
ويذكر كارلوس دوارتي في دراسته "من الممكن إعادة بناء وفرة الحياة البحرية بحلول عام 2050، ولكن بسبب الضعف الحاد للشعاب المرجانية الاستوائية أمام تغير المناخ، فإن إعادة بناء وفرة الشعاب المرجانية تنطوي على مخاطر فشل أكبر، ولأن ترميمها عادة ما يكون مكلفاً وبطيئاً ونتائجه محدودة، وقد نفشل إذا لم نحاول حل المشاكل التي أسهمت في ذلك من الأساس".
الاستسلام لفكرة انقراضها
ويشير دوارتي إلى الخيارات المتاحة لمعالجة القضايا المتصلة بالشعاب المرجانية، وأن الخطر الأكبر على الشعاب المرجانية لا يتمثل في تغير المناخ أو الصيد الجائر، إنما في استسلامنا لفكرة الانقراض.
وشدد على أن "تأمين مستقبل الشعاب المرجانية يجب أن يكون جهداً موحداً للحكومات والأفراد، وتكثيف العمل على تخفيف حدة التغير المناخي، ومن ثم إعادة بناء وفرة الشعاب المرجانية من خلال اتخاذ إجراءات مناخية، وإزالة الضغوط المحلية القائمة، مثل الصيد الجائر والتلوث وآثار التمدد السكاني والحضاري".