فتح قرار تعليق أنشطة "الحزب الاشتراكي للعمال" المحسوب على المعارضة، أبواب الحريات في الجزائر، وعلى الرغم من الأسباب التي قدّمتها السلطات، فإن ارتفاع عدد التشكيلات السياسية المنحلة بالتوازي مع حبس نشطاء، يجعل التقارير الحقوقية الدولية تأخذ بعض الصدقية في انتقادها وضع الحريات.
وعلى عكس توقعات الحقوقيين والسياسيين، أصدر القضاء الجزائري، قراراً بتعليق أنشطة "الحزب الاشتراكي للعمال" وإغلاق مقاره، بناءً على دعوى رفعتها وزارة الداخلية ضد الحزب، بسبب مخالفة التشريعات المنظمة للأحزاب، وعدم عقده مؤتمره العام في الوقت المحدد قانوناً لتجديد قيادته.
ولم يمر القرار مرور الكرام، إذ قال الأمين العام للحزب المنحل، محمود رشيدي، إن الخطوة تعد قمعاً وقراراً سياسياً، وسابقة خطيرة واعتداءً صارخاً على التعددية الحزبية والحريات الديمقراطية في الجزائر"، مشيراً إلى أن "الكفاح في صفوف العمال وفي الأوساط الشعبية سيتواصل من أجل الحريات والعدالة الاجتماعية، وسنواصل كذلك كفاحنا العالمي والمُعادي للرأسمالية، ومن أجل الاشتراكية".
وأثار القرار حفيظة الطبقة السياسية، وخصوصاً المعارضة، على اعتبار أنه القرار الثالث من نوعه ضد أحزاب سياسية معتمدة، حيث كان القضاء الإداري قد أصدر في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، قرارين بحل حزبين معتمدين ومنعهما من أي نشاط سياسي، إثر دعوى قضائية رفعتها وزارة الداخلية ضدهما لعدم مطابقتهما قانون الأحزاب المعمول به، وهما حزب "الاتحاد من أجل الديمقراطية والحريات"، وحزب "جبهة الجزائريين الديمقراطيين".
لا وجود لـ"أحزاب مستقلة"
وتعليقاً على القرار، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مومن عوير، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن التعددية السياسية أو الحزبية في الجزائر موثوقة طبعاً منذ أكثر من 30 عاماً، ولكن الممارسة الديمقراطية تكاد تكون منعدمة، فلا وجود لأحزاب سياسية مستقلة، بل كل التشكيلات والتنظيمات المعتمدة الناشطة في الساحة السياسية تدور في فلك النظام. وأضاف أن التضييق على الحريات يفرض نفسه منذ مدة، وهو مستمر، غير أنه يرتفع مستواه وينخفض عبر فترات.
ويواصل عوير، أن "هناك بعض الأحزاب يتم التخلص منها أو التضييق عليها بعد الانتهاء من استخدامها في تمرير أجندات، أي نهاية مهمتها، مثل حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية في السابق". وقال إنها أحزاب مرتبطة بالنظام مثلها مثل الموالاة التي توظف في المناسبات الانتخابية. وختم بأن "هذا لا ينفي أنه أحياناً نجد بعض الأحزاب لا تحترم القوانين والتشريعات المنظمة للنشاط الحزبي والسياسي، وهو ما يؤدي بها إلى إنذارات وعقوبات من مجلس الدولة ومشاكل مع وزارة الداخلية".
شجب وإدانة
في السياق، شجبت "الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، قرار تعليق أنشطة الحزب الاشتراكي للعمال وإغلاق مقاره. وأكد بيان للحركة أن القرار تدخل في شؤون الأحزاب والقضاء على التعددية الحزبية. وأشار إلى أن "النظام يتوجه بقوة إلى المنع الكلي للعمل السياسي المنظم، فكل الضغوط التي تطاول القوى السياسية المعارضة له تأتي في ظرف لم ينجح هذا الأخير في إقناع أغلبية الجزائريات والجزائريين بمشروعه السياسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما دان حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، ما وصفه بحملة حل الأحزاب السياسية في الجزائر، معتبراً أن السلطات باتت تعمد إلى توظيف القضاء كمشهد وحيد في مسرح الحياة السياسية الوطنية، وأن "قرار مجلس الدولة بتجميد نشاط حزب العمال الاشتراكي مع إغلاق مقاره، ما هو إلا إعادة نظر وإنكار للتعددية والعمل السياسي، وهي المكاسب التي انتزعت جراء نضالات دُفع ثمنها باهظاً".
وأشار بيان الحزب إلى أن "الحملة الإدارية والقضائية الموجّهة ضد التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ورئيسه محسن بلعباس، إشارة واضحة إلى انحراف استبدادي خطير وغير مقبول، الهدف منه معاقبة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية على موقفه الصريح وغير المهادن ووقوفه في صف الشعب في كفاحه السلمي من أجل تغيير جذري للنظام".
غربلة الساحة
من جانبه، يعتبر الناشط السياسي عبد العزيز ميقاري، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن السلطات يبدو أنها بدأت عملية غربلة الساحة السياسية، بحل الأحزاب التي سبق اعتمادها وتوجد في وضعية غير مطابقة للقانون المنظم للأحزاب، أو لم تعقد مؤتمراتها العامة في الوقت المحدد قانوناً، أو تلك التي توجد محل خلاف داخلي، وارتكبت مخالفات تستوجب الحل، مشيراً إلى وجود على مستوى القضاء الإداري ومجلس الدولة لائحة أخرى من الأحزاب السياسية التي ترغب وزارة الداخلية في حلها وسحب الاعتمادات منها، بخاصة أن مجموعة منها لم تقم بتجديد قياداتها في الوقت المحدد والمنصوص عليه في القانون وفي النظام الداخلي لهذه الأحزاب.
ويواصل ميقاري أن "العقود الماضية شهدت وجود عدد مبالغ فيه من الأحزاب السياسية كانت قد حصلت على الاعتماد بعد إقرار التعددية الحزبية في ظل فوضى سياسية، غير أنه في وقت لاحق من تلك المرحلة، لم يكن هدف غالبية هذه الأحزاب العمل السياسي، بقدر ما كان إضفاء تعددية صورية للمشهد السياسي وإسناد السلطة في المواعيد والاستحقاقات السياسية المهمة، والنشاط فقط في فترة الانتخابات، للاستفادة من بعض المزايا المالية"، مشدداً على أن السلطة ليست بصدد تقليم أظافر الطبقة السياسية بقدر ما تسعى إلى تنظيم العمل السياسي والنشاط الحزبي في إطار تحقيق الديمقراطية الحقة، بخاصة أن الحراك الشعبي كان له دور في تغيير الخريطة السياسية الحزبية.
تحذيرات وإنذارات
وكانت السلطات الجزائرية قد أبلغت أحزاباً سياسية محسوبة على المعارضة بمباشرة إجراءات وضعها تحت طائلة القانون، وتعليق نشاطها بسبب مواقفها السياسية، كحزب "الحركة الديمقراطية والاجتماعية" الذي حُكم على رئيسه فتحي غراس، بالسجن عامين بسبب تصريحات سياسية، وكذلك حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" الذي تتهمه وزارة الداخلية بمخالفة قانون الأحزاب، ووضع مقره المركزي تحت تصرف تنظيمات غير مرخصة لعقد اجتماعاتها، إذ تم وضع رئيسه محسن بلعباس تحت الرقابة القضائية.
وبعد التحذيرات والإنذارات، أصدر مجلس الدولة، أعلى سلطة في القضاء الإداري، قراراً يقضي بحل حزبين سياسيين معتمدين، ومنعهما من أي نشاط سياسي، على خلفية دعوى قضائية رفعتها وزارة الداخلية ضد الحزبين لعدم مطابقتهما لقانون الأحزاب المعمول، ويتعلق الأمر بحزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والحريات، الذي حاز اعتماده الرسمي عام 1989، بحجة النزاع الداخلي، بالإضافة إلى حزب "جبهة الجزائريين الديمقراطيين"، وهو حزب اختفت قيادته من الساحة ولم تعد له أية أنشطة سياسية.