على الرغم من حصوله على درجة الماجستير ووظيفة مستقرة، فإن أسلوب حياة الطبقة الوسطى تُشعره بأنه بات يتعذر عيله أن يكون جزءاً من هذه الطبقة على نحو متزايد في السنوات الأخيرة. ويشعر أورهان اليوم، وهو خبير تركي في أمن الشبكات ويبلغ من العمر 39 سنة، بالإحباط بسبب قوته الشرائية الآخذة في التآكل بسرعة، فانضم العام الماضي إلى الملايين من مواطنيه الذين تدفقوا على العملات المشفرة وسط ارتفاع معدلات التضخم وانهيار الليرة التركية.
وقال أورهان لـ"فايننشال تايمز"، "الليرة متقلبة مثل عملة الشيتكوين"، وهو لفظ يشير إلى عملة مشفرة ذات قيمة قليلة أو معدومة أو عملة رقمية ليس لها غرض فوري واضح. والكلمة هي مصطلح "ازدرائي" غالباً ما يُستخدم لوصف العملات البديلة أو العملات المشفرة التي تم تطويرها بعد انتشار عملة "بيتكوين"، وهي المصطلح العام بين عشاق العملات المشفرة، المخصص للعملات الرقمية الفاشلة، كما يصفها أورهان والذي لم يرغب في نشر اسمه الثاني، ويقول إن الليرة التركية تراجعت بنحو 45 في المئة مقابل الدولار في عام 2021.
وحصل أورهان على ربح قدره 4000 دولار من استثماره الأولي البالغ 1500 دولار وصرف مكاسبه لشراء جهاز كمبيوتر جديد لنفسه.
قانون للعملة المشفرة يُعرض على البرلمان
أورهان ليس وحده مَن يولي اهتماماً أكبر بالعملات المشفرة فأعداد كبيرة من الأتراك تهرول وراءها أيضاً، في حين أن فضيحة العام الماضي التي شهدت الإغلاق المفاجئ لبورصة تشفير تركية، تركت مئات الآلاف من العملاء غير قادرين على الوصول إلى أموالهم– ما أثار قلق السلطات التي تريد الآن تنظيم هذا القطاع. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن قانون العملة المشفرة سيُعرض على البرلمان قريباً. وأضاف أن حكومته تخوض "حرباً" ضد العملات المشفرة.
وقال شهاب قوجي أوغلو، محافظ البنك المركزي التركي، متحدثاً إلى مستثمرين أجانب الشهر الماضي، إنه "غير مرتاح" لحجم الأموال المتدفقة إلى الأصول المشفرة.
ويشارك المُنظمون العالميون هذه المخاوف، إذ ينظرون إلى العملات المشفرة على أنها متقلبة ومضاربة. كما أن لدى الكثيرين منهم مخاوف بشأن الأنشطة غير المشروعة، مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب التي تيسرها الأصول الرقمية.
كما يمكن أن يؤدي ارتفاع استخدام الأصول الرقمية إلى إضعاف تأثير قرارات السياسة النقدية وتقليل السيطرة الرسمية على العملات الوطنية. وكانت الصين قد حظرت "بيتكوين" وإنشاءها أو "التعدين" للحصول عليها، ويرجع ذلك جزئياً إلى مخاوف من أنها ستفقد السيطرة على الأموال المتدفِقة إلى العملات المشفرة.
في المقابل، ارتفعت شعبية "بيتكوين" في البلدان ذات العملات المتقلبة والتضخم المرتفع. وتتمتع تركيا بأكبر حجم معاملات تشفير في الشرق الأوسط، حيث توسعت الأحجام بنسبة 1500 في المئة العام الماضي مقارنة بعام 2020، وفق تقرير عن اتجاهات التبني العالمية من مزود البيانات المتخصص "تشيناليسيس".
وقال التقرير، إن "الأبحاث تشير إلى أن كثيرين في الشرق الأوسط تحولوا إلى العملات المشفرة للحفاظ على مدخراتهم ضد انخفاض قيمة العملة، وهو اتجاه نراه في الأسواق الناشئة الأخرى مثل أفريقيا وأميركا اللاتينية"، مضيفاً أن البحث يشير إلى "علاقة مهمة للغاية بين تخفيض قيمة الليرة التركية ومقدار تداول الليرة في بورصات العملات المشفرة".
الأتراك وتخزين العملات المشفرة
وبينما اختار الأتراك منذ فترة طويلة حماية أنفسهم من تقلبات الليرة من خلال الاحتفاظ بمدخراتهم بالدولار أو اليورو، تشير البيانات إلى أن بعضهم يتجه إلى "العملات المستقرة"، والتي ترتبط بعملات صعبة أو أصول أخرى وتعمل كجسر بين العملات الرقمية والعملات الوطنية. وأظهرت بيانات من متخصص العملات المشفرة" إليبتيك"، أن أحجام تداول الليرة التركية ارتفعت بنسبة 360 في المئة في الأشهر الستة الماضية من عام 2021 مقابل "التيثر"، وهي العملة المستقرة الأكثر تداولاً. وبحسب كريبتو كومباني، شركة البيانات المتخصصة، فإنه تم تداول حوالى 211 مليار ليرة تركية (15.8 مليار دولار) من "بيتكوين" العام الماضي، مقارنة بـ20 مليار ليرة تركية فقط في عام 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن البنك المركزي التركي العام الماضي، حظر استخدام الأصول الرقمية لإجراء المدفوعات. وفي الآونة الأخيرة، طلب المنظم المصرفي في البلاد من المقرضين، منع العملاء من الحصول على قروض شخصية مقومة بالليرة من أجل الاستثمار في العملات الأجنبية أو الأصول المشفرة. وعلى الرغم من أنه تم تأكيد القليل من التفاصيل حول مشروع القانون المقبل، قال الخبراء، إنه يُتوقع أن يركز على تنظيم عمليات تبادل العملات المشفرة.
وقال إلكين كاراتي، الشريك الإداري في مكتب المحاماة "سولاك آند بارتنرز"، والذي شارك في المشاورات مع أعضاء البرلمان حول اللوائح، في تصريحات صحافية، إنه "بناءً على ما أفهمه، فإنهم يبحثون في قانون يحمي مستخدمي العملة المشفرة. لا أعتقد أنهم يريدون حظر العملة المشفرة".
وقال أونور ألتان تان، الرئيس التنفيذي لمنصة العملات المشفرة التركية، إن اللوائح ستكون إيجابية بالنسبة للصناعة إذا كانت "تدعم القطاع، وتحمي المستثمرين، وتسهم في الاقتصاد، وتضمن الامتثال للأسواق الدولية".
ويخشى بعض المستخدَمين من أن تسعى الحكومة إلى منعهم من إخراج عائدات استثماراتهم من النظام المصرفي التركي- حتى لو كان من الصعب إنفاذ ذلك.
في الوقت الحالي، لم يؤدِ احتمال التنظيم إلا إلى القليل من إضعاف الاهتمام بالعملات المشفرة في تركيا. وتعرض القنوات الإخبارية التلفزيونية أسعار "بيتكوين" و"إيثريوم" جنباً إلى جنب مع أسعار صرف الدولار واليورو، وتُبَث إعلانات تلفزيونية خلال مباريات كرة القدم تروج لميزات تبادل العملات المشفرة.
الإناث في عالم التشفير
وقالت سيما باكتاس، المؤسس المشارك لشركة "كربتو وومان تيركي"، التي تروج لمشاركة الإناث في عالم العملات المشفرة، "عندما أتحدث عن العملات المشفرة، يسأل الجميع، مصفف شعري، وسائق سيارة الأجرة، والنوادل: ما الذي تستثمرون فيه؟ الجميع مهتم".
وقالت بكتاس، إن حوالى الثلث من 2000 شخص شاركوا في دورات تدريبية تديرها مجموعتها، هم من ربات البيوت. وزادت "يقولون: زوجي يكسب أموالاً أقل وأريد الاستثمار في العملات المشفرة".
وسعت السلطات إلى جذب الناس للعودة إلى استثمارات الليرة التركية من خلال مخطط جديد يعد بحماية المدخرين من خسائر أسعار الصرف. ويقول المحللون، إن مثل هذه الخطوات من غير المرجح أن تنجح، طالما ظل أردوغان يركز على إبقاء أسعار الفائدة أقل بكثير من التضخم، الذي بلغ معدلاً رسمياً قدره 36 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر في الأشهر المقبلة.
ويقول أورهان، تاجر العملات المشفرة، إنه "بدل السعي إلى تنظيم الأصول الرقمية، ينبغي على الحكومة أن تدرس الأسباب الجذرية لجاذبيتها. يجب أن يسألوا: لماذا يهتم الناس بالعملات المشفرة؟ لماذا يخاطرون بهذا؟". وأضاف "عندما لا يكون هناك استقرار، يبحث الناس عن حلول بديلة".
وقالت أليسا أوستروف، رئيسة الموظفين في كربتو كومبير، إنه "بالنظر إلى المستقبل، نتوقع أن يزداد اعتماد العملة المشفرة في تركيا حيث يحيط عدم اليقين بتضخم الليرة".