إن مصير بوريس جونسون حالياً ليس في أيدي نواب حزبه أو الناخبين البريطانيين، بل هو في قبضة موظفة في الخدمة المدنية غير معروفة على نطاق واسع تجري تحقيقاً خلف الأبواب المغلقة حول حفلات مكتب رئيس الوزراء في دوانينغ ستريت.
وإذ قدم رئيس الوزراء اعتذاره في مجلس العموم، الأربعاء الماضي، بسبب حضوره مناسبة لتناول الشراب في حديقة مقره في 10 داونينغ ستريت خلال الإغلاق، فقد ناشد أعضاء البرلمان كي يعلقوا الحكم على أفعاله إلى أن يتم نشر تقرير سو غراي.
وفر هذا التكتيك لرئيس الوزراء فسحة من الوقت لتحسين موقفه خلالها، لكن قد يثبت أنه سيف ذو حدين لأنه يعزز التوقعات بأن جونسون سيمتثل إلى أي توصيات قد تقدمها الموظفة الحكومية الرفيعة. ولدى سؤاله ما إذا كان سيستقيل إذا خلصت غراي إلى أنه كان مذنباً فعلاً، أبلغ جونسون بنفسه مجلس العموم بأن من شأنه أن "يستجيب بالشكل المناسب" للنتائج التي تتوصل إليها.
وقد استعملت الاستراتيجية ذاتها بعد ذلك الوقت مرة أخرى في أعقاب نشر صحيفة "ديلي تليغراف" في وقت متأخر مزاعم عن إقامة حفلتين أخريين في داونينغ ستريت، وهما الحدثان اللذان قيل إنهما قد حصلا في 16 أبريل ( نيسان) 2021، عشية جنازة الأمير فيليب وفي وقت كانت البلاد تخضع لقيود صارمة بسبب الجائحة.
ويتردد أن هاتين المناسبتين كانتا حفلتين وداعيتين لموظفين كانا يعملان ضمن فريق الحلقة الداخلية [التي تحيط] برئيس الوزراء. وأفيد بأن إحداهما قد تمت من أجل جيمس سلاك، وكان حينذاك مدير الاتصالات لدى جونسون، فيما أقيمت الثانية لمصوره الشخصي.
وقال شهود، إن الحضور قد احتسوا "الكحول بإفراط"، كما رقصوا على أنغام موسيقى قام بتنسيقها مستشار خاص بعدما تجاوزت الساعة منتصف الليل، وفي لحظة ما، أُرسل أحد الموظفين إلى فرع سوبرماركت "كو- أوب" المحلي لكي يملأ حقيبة بزجاجات النبيذ [ويعود بها إلى مقر رئيس الوزراء]. وقد اعتذر سلاك بعد ذلك "من دون تحفظ" عن هذا الحادث، ومن ثم أحال الأمر من جديد أيضاً إلى التحقيق الذي تجريه غراي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما جعل القصة مستمرة وتعقيد الأمور على نحو أكبر بالنسبة لموظفة الخدمة المدنية، هو ظهور تقارير جديدة منذ ذلك الوقت تزعم أن كاري جونسون، زوجة رئيس الوزراء، قد حضرت احتفال خطوبة صديقة انتهكت فيه القواعد [إجراءات الإغلاق] وذلك في سبتمبر (أيلول) 2020، مما حملها على الاعتذار عن "سوء في التقدير"، كما أن رئيس الوزراء قد ألقى كلمة في حفلة وداعية أخرى في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وكانت تلك قد نظمت من أجل مستشار الدفاع الكابتن ستيف هايام.
توضح مرجعيات تحقيق سو غراي، مثلما حددتها وزارة شؤون مجلس الوزراء، أن الغرض الأساسي هو "التوصل بسرعة إلى فهم عام لطبيعة التجمعات، بما في ذلك الحضور، والإطار والغرض، مع الإشارة إلى التزام التوجيهات السارية في ذلك الوقت".
وليس مطلوباً منها أن تقدم أي توصيات لاتخاذ إجراءات عملية، بيد أن نطاق صلاحياتها يوضح أنها قد تصدر حكماً يتعلق بما إذا "كان هناك ما يبرر اتخاذ إجراء تأديبي فردي".
على الرغم من ذلك، فهناك شك على نطاق واسع في البرلمان، بأن غراي سترى أن دورها، كموظفة خدمة مدنية محايدة وغير منتخبة، يقتضي منها أن تتوصل إلى نتائج تكون صريحة لا لبس فيها تتطلب تنحية رئيس وزراء [عن منصبه].
وكان هناك ميل في التقارير السابقة التي أعدها مسؤولون حكوميون، بصرف النظر عن مدى الإدانة التي تنطوي عليها، إلى صياغتها بعبارات دبلوماسية من شأنها أن تتيح للسياسيين المنتخبين إصدار الحكم النهائي بشأن ما إذا كان أحد زملائهم قد تجاوز الحدود بشكل لا يمكن الصفح عنه.
وقال السير ديفيد نورمينغتون، وهو أمين عام دائم سابق لدى الحكومة، لبرنامج "توداي" الأخباري الذي يبثه راديو "فور" التابع لـ"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، "ستكون مدركة تماماً أن بين يديها سمعة موظفي خدمة مدنية رفيعي المستوى ومن المحتمل أيضاً مستقبلهم المهني، وربما مستقبل رئيس الوزراء، وهذا موقف صعب للغاية، مهما كان المرء عادلاً وشجاعاً ودقيقاً".
ولم يحدد موعد لإنهاء غراي تحقيقها، إذ اكتفى مكتب رئيس الوزراء في داونينغ ستريت بالقول، إنها ستستمر إلى حين استكمال التحقيقات.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء للصحافيين أن "سو غراي تتصرف بشكل مستقل، وهي تقود هذا العمل. وتستطيع بموجب مرجعيات العمل أن تتحدث إلى كل من ترغب بالتحدث إليه والتحقيق كما تراه مناسباً من أجل التأكد من الحقائق".
وثمة توقعات واسعة بأن يتم تسليم التقرير الأسبوع المقبل إلى جونسون، الذي تعهد بنشره. غير أنه من المتوقع أن يكون قد أرجئ موعد نشره سلفاً مرات عدة مع استمرار ظهور مزاعم جديدة عن حفلات، الأمر الذي يتطلب تحقيقات إضافية.
وقال جونسون، إنه سيدلي ببيان أمام مجلس العموم حين يتلقى التقرير، وستمثل تلك اللحظة ذروة الخطر على مسيرة رئيس الوزراء.
وفي حين أن من غير المرجح أبداً أن يستقيل، بصرف النظر عن المدى الذي تذهب إليه نتائج التحقيق في انتقاداتها، فقد أوضح نواب محافظون أنهم جاهزون لكي يبعثوا إلى رئيس لجنة 1922 رسائل لحجب الثقة عن جونسون، إذا شعروا أن موقعه لم يعد من الممكن الدفاع عنه. ويتوجب على السير غراهام برادي، رئيس لجنة 1922 أن يدعو إلى التصويت على حجب الثقة عن جونسون كزعيم لحزب المحافظين إذا تلقى رسائل من 15 في المئة من أعضاء البرلمان المحافظين، أي حوالى 54 نائباً.
وسيكون داونينغ ستريت قيد المراقبة لتوقع استقالة بعض موظفيه في الوقت الذي يجري فيه نشر التقرير، إذ يمكن لأي عضو في مجلس الوزراء يفكر في القيام بمحاولة لتسلم الزعامة أن يستغل التقرير كفرصة تسنح للنأي بنفسه، أو بنفسها، عن جونسون والإشارة إلى عدم القبول بالسلوك الذي اتبعه وهو في منصبه.
ويعود القرار بخصوص الخطوات العملية التي يجب اتخاذها على سبيل الاستجابة للتقرير، على مستوى الإجراءات التأديبية أو التعديلات في طرق عمل داونينغ ستريت، إلى جونسون. ولا يمكن للورد غيدت، مستشاره المستقل لشؤون الأخلاقيات، أن يشارك في الأمر إلا بناء على طلب رئيس الوزراء.
لكن إذا قرر رئيس الوزراء أن ينقض بعض العناصر الموجودة في التقرير أو يتجاهلها، فهو سيجازف باستفزاز غراي على نحو قد يدفعها إلى الاستقالة، كما فعل السير أليكس آلان، مستشاره السابق لشؤون الأخلاقيات حين عمد رئيس الوزراء إلى عكس النتائج التي كان قد توصل إليها بخصوص ممارسة بريتي باتيل للتنمر.
لقد دعيت غراي لتسلم قياد تحقيق "بارتي غيت" في 18 ديسمبر، بعدما ألزم سايمون كايس الأمين العام لمجلس الوزراء بالاستقالة في أعقاب الكشف عن أنه قد استضاف مناسبة لتناول المشروبات الروحية خلال الإغلاق في مكتبه الخاص في العام الماضي.
وكان قد طلب من كايس أول الأمر النظر في تقارير عن حفلة عيد ميلاد بعينها أقيمت في عام 2020، وكان من المتوقع أن ينهي تحقيقه قبل بدء عطلة البرلمان لفصل الشتاء، بيد أن التحقيق توسع بشكل سريع مع ظهور مزاعم جديدة عن سلسلة مستمرة من انتهاكات قيود "كوفيد".
تقود غراي، وهي الأمين العام الدائم الثاني في وزارة شؤون مجلس الوزراء، فريقاً صغيراً يتمتع بصلاحيات تخوله إجراء مقابلات مع مسؤولين ووزراء ومستشارين سياسيين معينين في داونينغ ستريت وبقية وزارات الدولة.
ومن المعلوم أنها تحدثت إلى رئيس الوزراء ومستشاره السابق دومينيك كامينغز وضباط شرطة العاصمة المكلفين بحراسة رقم 10 وحصلوا على سجلات بطاقة الأمن الرقمية swipecard توضح بالتفصيل الدقيق أي من الموظفين كانوا في المبنى في ذلك الوقت، ومن المحتمل أن تحمل بيانات نهائية عن الحضور.
لقد رفض 10 داونينغ ستريت الكشف عما إذا كان رئيس الوزراء قد أجاب على أسئلة في إطار تحقيق غراي، أو ما إذا كان قد سلم [التحقيق] هاتفه الجوال أو حاسوبه الشخصي من أجل فحص سجل الرسائل.
ويقول داونينغ ستريت، إنه "لا يعترف بصحة" إدعاءات مقربين من مكتب رئيس الوزراء، التي تم الكشف عنها لصحيفة "اندبندنت"، بأنه قد قيل لهم الشهر الماضي أن "ينظفوا" [يحذفوا من] هواتفهم من أي شيء يشير إلى إقامة حفلة ما.
وغراي هي مدير عام سابق لإدارة الاستقامة والأخلاقيات في وزارة شؤون مجلس الوزراء، وقد وصفت بأنها "الشخص الأقوى الذي لم يسمع به مطلقاً".
وقادت غراي في عام 2017 تحقيقاً أجبر داميان غرين الذي كان حينذاك نائب رئيسة الوزراء بحكم الأمر الواقع، على الاستقالة بسبب مزاعم عن العثور على صور إباحية على حاسوبه.
كما قادت التحقيق المسمى بـ"بليبغيت" حول ادعاءات بأن أندرو ميتشيل، الذي كان حينذاك عضواً في مجلس الوزراء مسؤولاً عن الانضباط الحزبي في البرلمان، قد وجه إهانة إلى عناصر الشرطة في داونينغ ستريت.
وقد أشار بعد المنتقدين إلى أن غراي كان لها دور نافذ في رفض طلبات [للكشف عن تفاصيل تتصل بالحكومة] قدمت بموجب حرية المعلومات. وقد أفاد الصحافي كريس كوك الذي كان يعمل سابقاً في برنامج "نيوز نايت" الذي تبثه محطة تلفزيون "بي بي سي 2"، في 2015 أنها كانت "مشهورة بسبب تصميمها على عدم ترك أي أثر للوثائق" وقد ساعدت الوزارات على "مكافحة عمليات الإفشاء [رفع السرية]".
قد يتوقف مستقبل جونسون نفسه على ما إذا استطاعت غراي أن تعثر على أثر لوثائق تؤشر إلى تسامحه مع أو تشجيعه انتهاك طاقم العمل في 10 داونينغ ستريت قيود "كوفيد".
لقد عملت غراي في الخدمة المدنية منذ سبعينيات القرن الماضي، ماعدا عطلة في أواخر الثمانينيات أدارت خلالها حانة في نيوري في إيرلندا الشمالية مع زوجها بيل كونلون، وهو مطرب ريفي من مقاطعة داون.
© The Independent