لا تقوى سلوى على تلبية متطلبات أبنائها الأربعة، فهي امرأة مطلقة وما زال أطفالها في حضانتها، وتعيش برفقة أسرتها من دون أن تعمل، وعادة ما تعتمد على المساعدات الخارجية لتوفر لأطفالها حاجياتهم التي لا تنتهي، وتقول إنها ضمن شريحة الفقراء، وتعتبر نفسها من الأموات الأحياء في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها.
ووفقاً لحديث سلوى، فإنه لا مصدر دخل لديها، وهذا الأمر حولها إلى متسولة، بخاصة أنها لا تستطيع أن ترسل أطفالها الصغار للعمل، وتشير إلى أن الفقر ليس عيباً لكنه قاسٍ جداً في ظروف قطاع غزة، حيث لا تسأل الجهات الرسمية عن أوضاع حياة الناس الفقراء الذين لا يجدون رغيف الخبز.
عائلة سلوى واحدة من بين آلاف الأسر التي تعيش دون الخط الأحمر للفقر المدقع، الذي يضرب قطاع غزة منذ 16 عاماً، وزادت آثاره كثيراً خلال السنة الماضية، حيث سجل القطاع ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات البطالة، نتج عنها ارتفاع كبير في مؤشرات الفقر.
85 في المئة فقراء
وتقول مسؤولة الإعلام في المرصد الأورو – متوسطي، نور علوان، إنهم وثقوا في أحدث إحصائية للفقراء في غزة أن ثلثي السكان ضمن شريحة الفقراء، إذ يعيش مليون ونصف المليون فرد من سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة، تحت خط الفقر، وكان المسبب الأول لتنامي حالات الفقر الحصار والقيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع منذ عام 2006.
هذه الإحصائية تطابقت مع بيانات وزارة التنمية الاجتماعية التي تشير إلى أن 85 في المئة من إجمالي سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر، وبالكاد يستطيعون توفير لقمة العيش اليومية، وسط انعدام فرص العمل وارتفاع واضح لمؤشرات البطالة.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، فإن معدل دخل الفرد في غزة، لا يزيد على خمسة دولارات أميركية، وهذا يجعل السكان دون خط الفقر، الذي وصلت مؤشراته إلى نحو 85 في المئة، ويعد معدل الفقراء في القطاع الأعلى في الأراضي الفلسطينية.
ويعرف الفقراء، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية "أوتشا"، بأنهم أولئك الذين يعيشون على أقل من 4.6 دولار في اليوم، بما يشمل المساعدات والإغاثة الاجتماعية.
الأعلى في العالم
وتقول المتحدثة باسم وزارة التنمية الاجتماعية، عزيزة الكحلوت، إن الأشهر الثلاثة الأخيرة ارتفعت فيها مؤشرات الفقر في قطاع غزة بشكل ملحوظ، لعدم تمكن المنشآت من التعافي، وبسبب تشديد إسرائيل حصارها، ومنع إدخال العديد من المواد الخام والسلع الأساسية، الأمر الذي ترتب عليه توقف عجلة الاقتصاد، ونتيجة لذلك، ارتفعت معدلات البطالة، الأمر الذي انعكس سلباً وأدى إلى زيادة عدد الفقراء.
وتشير الكحلوت إلى أن نسبة الفقراء في القطاع تعد الأعلى في العالم، عند مقارنتها مع عدد سكان القطاع، إذ يقدر الفقراء بنحو مليون ونصف المليون نسمة، من أصل مليونين، وكذلك عند المقارنة مع المساحة، فإن هؤلاء السكان يعيشون على مساحة لا تزيد على 356 كيلومتراً مربعاً، ووفق هذه المعطيات، فإن نسبة الفقر في القطاع تعد الأعلى بين دول العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب أحدث الإحصائيات التي وثقها المرصد الأورو - متوسطي لحقوق الإنسان (منظمة دولية مقرها جنيف)، فإن الآثار الوخيمة التي سببها الحصار الإسرائيلي على غزة الطويل الأمد، إلى جانب الهجمات العسكرية المتكررة، تعدان المسبب الأول للفقر في القطاع المحاصر منذ 16 عاماً، ونتج عنه تدهور في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية بشكل غير مسبوق على مستوى العالم.
إسرائيل المسبب الرئيس
في الواقع، تفرض السلطات الإسرائيلية منذ عام 2006 حصاراً مشدداً على قطاع غزة، عقب تولي حركة "حماس" سدة الحكم فيه، عقب فوزها في الانتخابات التشريعية التي أبرمت آنذاك، ومنذ ذلك الحين، نشبت بين المنطقتين عمليات عسكرية عدة ألقت بظلالها على وضع السكان الاقتصادي.
وتقول مسؤولة الإعلام في المرصد الأورو – متوسطي، نور علوان، إن الأوضاع الاقتصادية شهدت انهياراً وركوداً كبيرين في غزة، بفعل الإغلاق شبه الكلي للمعابر، بخاصة في فترات الهجمات العسكرية وبعدها، وهذا تسبب في انكماش نصيب الفرد من الناتج المحلي بنسبة 27 في المئة. وتوضح علوان أن إسرائيل تعتمد سياسية العقاب الجماعي ضد سكان القطاع، على الرغم من تعاقب سبع حكومات إسرائيلية منذ بدء الحصار، ويظهر ذلك بوضوح في تعمدها إلحاق خسائر مادية ومعنوية وجماعية كبيرة بالسكان في القطاع، مشيرة إلى أن مؤشرات الأزمة الإنسانية تضاعفت في غزة، حيث بلغت نسبة البطالة 51 في المئة، لتكون من بين أعلى معدلات في العالم.
انعدام الغذاء
وحسب بيانات "أوتشا"، فإن ربع مليون فرد من غزة يعيشون في فقر مدقع، أي إن تحصيلهم اليومي أقل من 3.5 دولار في اليوم، وهو الحد الأدنى اللازم لتغطية احتياجات المأوى والملبس والغذاء والدواء، وعادة ما يكون مصدر دخلهم من المساعدات والتحويلات الإغاثية للفقراء، وهذه الفئة لا تعتمد بالأساس على العمل في التحصيل المالي.
هذه البيانات، أدت إلى ارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي، إذ يعاني 73 في المئة من سكان القطاع من عدم توفر لقمة العيش لهم، وبالعادة يعتمدون على مساعدات غذائية، ووفقاً لمنظمة الأغذية العالمية، فإنها تقدم ربع مليون مساعدة غذائية لسكان غزة، وما زال السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي الناتج عن ارتفاع عالٍ لمؤشرات الفقر والفقر المدقع.