في حين يعتقد البعض أن الجدل العاصف الذي يحيط بفيلم "أصحاب ولا أعز" أمر صادم وغير مسبوق في ما يتعلق بالأفلام العربية، إلا أن الحقيقة تشير إلى عشرات الأفلام وحتى المسلسلات العربية بينها، "العائلة" و"أوان الورد" و"عمر"، واجهت أزمات مماثلة ومطالبات بعدم عرضها، بل إن بعض الأفلام منع بالفعل سواء من العرض التلفزيوني حينها، أو تم سحبه من قاعات السينما. بالطبع الوضع الآن تغير وكلمة "منع" ليس لها محل من الإعراب في ظل وجود وسائط شتى تجعل العمل يصل بلحظة إلى المستخدمين، ولم يعد أحد قادراً على إخفاء أي محتوى، ولكن كذلك لم تتوقف المناقشات الحادة والهجوم وحملات التجريح، حتى مع وجود لافتة تشير إلى أن المحتوى للبالغين، يتعرض صناع الأعمال الفنية لوابل من السب والانتقادات وكأنهم حملوا فيلمهم وفرضوا مشاهدته على كل منزل.
نسب مشاهدة عالية رغم الهجوم
المتابع لتاريخ السينما المصرية على سبيل المثال، باعتبارها الأعرق في المنطقة العربية، بآلاف الأعمال التي قدمتها على مدار أكثر من 100 عام، سيرى أن أزمات عرض الأفلام قبل عصر السوشيال ميديا كانت قاسية أيضاً، وتصل إلى المنع تماماً من العرض، فهناك أفلام لم تر النور إلا بعد عشرات السنوات من إنتاجها بسبب حملات الرفض، والهجوم سواء لجرأتها الشديدة أو لمحتواها الذي ينتقد وضعاً سياسياً أو مجتمعياً أثار حفيظة المسؤولين حينها.
الآن، لم يعد المنع خياراً مطروحاً، ناهيك عن أنه مستحيل التحقق على أرض الواقع حتى لو تحقق "نظرياً" بقرار نافذ، ومع ذلك تبدو حملات الهجوم عبر السوشيال ميديا وكأنها تحاصر العمل، وإن كانت في أوقات كثيرة تتسبب في زيادة نسبة مشاهدته، مثلما حدث مع "أصحاب ولا أعز" الذي شوهد ما يقرب من مليوني ساعة على "نتفليكس"، قبل أن يكمل الأسبوع الثاني من عرضه، وقفز إلى قائمة الأعلى مشاهدة في عدد كبير من الدول العربية، أي إنه يسير على خط معاكس لمن ينتقدونه بشدة، كما أن هناك مشاهدات عبر منصات "غير مشروعة" للفيلم لا يمكن حسابها بدقة، كل هذا وبطلات الفيلم يرتدين ملابس محتشمة، ولا يحتوي على مشهد واحد جريء، ولكن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا أن الحوارات بين أبطاله، والإيحاء بأن نجمته تخلع قطعة من ملابسها كافياً بأن يصطفوا في مواجهة الفيلم الذي يُعد باكورة إنتاجات "نتفليكس" في السينما العربية، حيث إن أغلب أفراد طاقمه من لبنان، ولكن مَن انصب عليها معظم الهجوم هي الفنانة المصرية منى زكي.
حملات انتقامية
أفلام كثيرة حظيت بمشكلات مشابهة، بينها "حلاوة روح" في عام 2014 لهيفاء وهبي، حيث صدر أمر قضائي بمنع عرضه في مصر، وبالفعل رُفع من دور السينما، ثم بعد فترة عُرض مرة أخرى، ولكن بعد أن أصبح متداولاً بالفعل عبر الإنترنت وبعض محطات التلفزيون وكان اسم الفيلم من الأكثر تداولاً، وكانت الاعتراضات الكبرى هذه المرة تدعي بأن الفيلم يقدم مشاهد "خادشة"، وفكرة الطفل الذي يقع في غرام البطلة أمر صادم على المجتمعات العربية.
في عام 2014 أيضاً، تعرض فيلم "لا مؤاخذة" للمخرج عمرو سلامة لهجوم مماثل وطالب بعض المشاهير بمنع عرضه، بينهم الملحن عمرو مصطفى، حيث قال المعترضون إن الفيلم يشعل الفتنة الطائفية. وتدور أحداثه حول طفل مسيحي يدعي أنه مسلم في المدرسة خوفاً من الاضطهاد. تلك الدعوات ذهبت أدراج الرياح، ولكن القصة الشائكة ظلت محل أخذ ورد، سبقه بعام أيضاً فيلم أثار ضجة كبيرة، وهو "أسرار عائلية" الذي قام ببطولته محمد مهران وأخرجه هاني فوزي، حيث كان الفيلم محوره البطل مثلي الجنس، وشهد أيضاً مطالبات كثيرة بمنع عرضه، ولكنه في النهاية ظهر للجمهور والجدل المصاحب له ظل مستمراً لفترة طويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، يرى الناقد السينمائي أندرو محسن "أن الهجوم الذي يحدث كل فترة على عمل فني، مختلف تماماً عما جرى مع (أصحاب ولا أعز)، حيث يؤكد أن الحملات قديماً كانت تتناولها الصحف والمجلات والبرامج، بالتالي الجمهور المشارك هنا محدود جداً، لكن بوجود مواقع التواصل الاجتماعي فهناك مشاركة لكافة الشرائح، فهناك المؤيد والمعارض وغير المبالي أيضاً، وعلى الرغم من أن بعض الأفلام أثارت أزمات في عصر السوشيال ميديا، ولكن هذه المرة كانت الشراسة في الهجوم مسيطرة تماماً في ما يخص مشاهير الفن عموماً، فأصبح هناك هجوم حاد ودائم من المتابعين على ظهور النجوم والنجمات، والجمهور أصبح رقيباً، ويعتقد أن له الحق في انتقادهم بشكل جارح، وهي أمور لم تكن موجودة بهذا الشكل، فتفاعل المشاهدين مع النجوم قديماً كان بمحبة وود، والآن نشعر أن الأمر تغير، فالمتابعون يرون أن من واجب الفنان أن يكون ملتزماً على الشاشة وخارجها وفقاً للمعايير الشخصية للمشاهد".
الصدامات قبل عصر السوشيال ميديا
في ما يتعلق بالأفلام التي حظيت بجدل كبير وواجهت صدامات، ولكن قبل عصر السوشيال ميديا، نجد مثلاً، "حين ميسرة" للمخرج خالد يوسف عام 2007، واتهم بتشويه سمعة مصر بسبب إظهاره لحياة سكان العشوائيات، كما تضمن لمحات عن المثلية الجنسية أيضاً، ولم يسلم فيلم خالد يوسف أيضاً "الريس عمر حرب" من هجوم مماثل لتقديمه تنويعة عن فكرة الشيطان في حياة الإنسان، وفي عام 2006، كان الشغل الشاغل لمشاهدي الأفلام هو "عمارة يعقوبيان" العمل الذي تناول موضوع المثلية في مساحة كبيرة منه وبتفاصيل غير معهودة، وكان في محتواه صادم وجريء بالنسبة إلى الجمهور في ذلك الوقت، حيث استند إلى رواية أثارت أزمات وقتها للروائي علاء الأسواني، وكانت قصتها تحمل إسقاطات واضحة على مشاهير في المجتمع المصري، كان أغلبهم على قيد الحياة حينها.
من الصعب حصر الأفلام التي أثارت جدلاً ورفضاً، وطرحت موضوعات كثيرة مسكوت عنها من خلال قالب جريء، لكن أبرزها كان "سهر الليالي" عام 2003، الذي تناول قصص الخيانة الزوجية والمساكنة في توقيت كان الجميع يتشدق فيه بمصطلح السينما "النظيفة"، ووقتها قوبل الفيلم بحملة هجوم كبيرة ومع ذلك حقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً لافتاً.
السياسة والدين و"خدش الحياء"
من أشهر الأفلام أيضاً التي منع عرضها بسبب اتهامه بتجسيد شخصيات الأنبياء، فيلم "المهاجر" 1994 للمخرج الراحل يوسف شاهين، حيث قاد شاهين وكثير من نجوم الفن حملة للسماح بعرضه، وبعد وقت طويل قضت المحكمة بقرار لصالح العمل، وفي عام 1983 صدر حكم بحبس عادل إمام لمدة عام بتهمة إهانة مهنة المحاماة من خلال شخصية حسن سبانخ في فيلمه "الأفوكاتو"، وبعدها تم إلغاء الحكم.
وفي عام 1983 تم سحب فيلم "خمسة باب" للمخرج نادر جلال بعد أسبوع واحد من عرضه في السينما، بحجة إساءته لأخلاقيات المجتمع واحتوائه على مشاهد خادشة، ولم يصرح بعرضه مجدداً إلا بعد سنوات طويلة. السيناريو نفسه تكرر مع فيلم "حمام الملاطيلي" لصلاح أبو سيف الذي أنتج في السبعينيات ولم يشاهده الجمهور إلا بعد عقدين من الزمان، حيث تضمن كثيراً من المشاهد الجريئة فرفضت الرقابة السماح بعرضه إلا بعد حذف مشاهد عدة منه، وكلا العملين تضمنا مشاهد عن المثلية الجنسية.
وفي نهاية الستينيات خرجت حملة ضد فيلم "شيء من الخوف" بحجة أنه يسيء للرئيس الراحل جمال الناصر ويحمل إسقاطاً مباشراً على شخصه، وطالبوا بمنعه، ولكن حملة المنع تصدى لها عبد الناصر بنفسه. أفلام كثيرة أنتجتها السينما المصرية أثارت زوابع وأعاصير، وتضمنت مشاهد أكثر بكثير مما تعرضه قاعات السينما اليوم، وأيضاً قضايا سياسية قوية، بينها "المذنبون" و"وراء الشمس" و"المتمردون"، و"كذلك أبي فوق الشجرة" آخر أفلام الراحل عبد الحليم حافظ، واللافت أن مع كل حملة للجدل ومطالبات المنع ترتفع مشاهدات تلك الأعمال، حيث يبحث عنها المشاهد بكل الطرق.
ويقول محسن، "لا توجد أدنى مشكلة في انتقاد الفيلم سلباً من الناحية الفنية، ولكن التقييم الأخلاقي ليس من صميم النقد والتحليل، فالقواعد الأخلاقية مطاطة ومتباينة، ومن السهل التلاعب بها، هي فقط تزيد من وتيرة الهجوم الانتقامي على أهل الفن".