طبول الحرب يتردد صداها في الشرق الآسيوي مع الأزمة الصينية التايوانية التي نشبت منذ 6 عقود لتنذر بتدخل عسكري وشيك. فيما تردد الحديث عن الغزو الصيني للجزيرة الصغيرة في ردهات مكاتب الساسة وأروقة مراكز تحليل السياسات أخيراً، خصوصاً مع صعود الصين كقوة عالمية جديدة تنافس الولايات المتحدة الأميركية علناً، وتمدد أذرعها العسكرية. فيما يربط المراقبون الوضع الراهن في أوكرانيا وإمكانية تكرار السيناريو في تايوان بتصريح الرئيس الأميركي "جو بايدن" أخيراً عن اجتياح روسي وشيك لها، ومحدودية الاستجابة الغربية للغزو الروسي، كما يراقب التنين الصيني عن كثب رد الفعل الغربي لاتخاذ خطوتها المستقبلية تجاه تايوان. فهل تستغل بكين المناخ السياسي العالمي الحالي لتقدم على خطوة عسكرية لإعادة الأخيرة إلى الحضن الصيني؟
جزء تائه من الصين
منذ نشأة جمهورية الصين الشعبية أعقاب انتهاء الحرب الصينية الأهلية، تنظر بكين إلى تايوان باعتبارها جزءاً من البيت الصيني، ولا بد من عودتها مجدداً إلى الوطن. وتؤكد الأولى في رسائلها السياسية باستمرار على تبعية الأخيرة لها، كما ترفض أي اعتراف دولي بها، حيث تُلزم بكين الدول التي تجمعها بعلاقات دبلوماسية على الالتزام بسياسة "الصين الواحدة" التي تعتبر تايوان جزءاً منها، ولا تقر باعتراف رسمي باستقلال الجزيرة الصغيرة.
وأخيراً، أعرب وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، "أن تايوان (تائهة) وستعود يوماً إلى الوطن"، وأشار إلى استخدام الدول الغربية والولايات المتحدة تايوان كورقة سياسية للسيطرة على الصين.
وتحاول تايوان باستمرار تأكيد استقلاليتها عن الصين، وتجاهد كي تحظى باعتراف دولي، كما دعت مرات عدة للانضمام إلى منظمة الصحة العالمية، وهو ما قوبل بالإعراض من قبل المنظمة الأممية. على جانب آخر، في تايوان جماعات وأحزاب داعمة للجانب الصيني، فحزب المعارضة الحالي، الكومينتانغ، الذي حكمها فترة من الزمن يرفض فكرة الاستقلال، ويؤيده في ذلك ملايين من سكان الجزيرة الصغيرة.
وتؤكد بكين سيادتها على الجزيرة من خلال فرض هيمنتها السياسية دولياً على تايبيه وبسط النفوذ العسكري من خلال اختراقات جوية عسكرية للأجواء التايوانية، حيث وصل عدد التدخلات الصينية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فقط، وفقاً لوسائل إعلام، إلى حوالى 196 مرة. كما ذكر وزير الخارجية التايواني في يناير (كانون الثاني) الحالي أن الخطر من الصين جاد للغاية، مشيراً إلى ضرورة استعداد تايوان لأي فعل عسكري محتمل من قبل بكين.
قرع طبول الحرب
على الرغم من كون الخيار العسكري والتدخل الصيني لضم تايوان يعد أمراً مطروحاً على الدوام، بخاصة مع تزايد النفوذ الصيني وسطوع بكين كقوة عالمية، لكن بعض التحليلات تشير لإمكانية ترجيح ذلك الخيار بشكل متزايد، خصوصاً مع إمكانية حدوث اجتياح روسي لأوكرانيا الذي يقابله استجابة محدودة من الدول الغربية.
يقول روبرت أوبراين، المستشار الأميركي السابق للأمن القومي، "إن الخطوات التي سيتخذها بايدن والحكومات الغربية تجاه التحركات الروسية في أوكرانيا ستكون محط أنظار القيادة الصينية، التي تهتم برد الفعل الغربي كي تحدد خطواتها المستقبلية تجاه تايوان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويذكر العميد السابق في البحرية الأميركية، جيمس ستافريديس، "أن الصين ستراقب دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا وستجري حساباتها وخياراتها في ما يتعلق بتايوان بناءً على كيفية الدعم". فيما أشارت صحيفة "ذا أتلانتك" الأميركية في تقرير لها "أن الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، يراقب عن كثب ردود الفعل الغربية وتصرف الإدارة الأميركية تجاه بوتين والاجتياح العسكري المحتمل لأوكرانيا"، وذكرت الصحيفة "أن تأويل الزعيم الصيني لنتيجة المواجهة الأوكرانية المحتملة من شأنه أن يؤثر في سياسة الصين تجاه تايوان، بالتالي الأمن والاستقرار شرق آسيا".
وأثار تعليق سابق للرئيس الأميركي عن كون الولايات المتحدة لا تنوي الإقدام على أي تدخل لقواتها في الأراضي الأوكرانية تفسيرات عدها كثيرون رسالة واضحة لمسعى واشنطن لتجنب أي مواجهات عسكرية مباشرة مع الروسيين أو الصينيين.
بينما يذكر الدبلوماسي السويدي ورئيس الوزراء السابق، كارل بيدلت، في مقال له في مجلة للشؤون الدبلوماسية والدولية، "أن سيناريو حدوث تدخل عسكري روسي في أوكرانيا وغزو صيني لتايوان في وقت متقارب ليس مستبعداً، خصوصاً مع تزايد التدخلات الصينية للمجال الجوي التايواني"، في ما يصفه بأنه "قرع طبول الحرب" على الجبهتين الأوروبية والآسيوية.
وتسابق تايوان الزمن وتسعى لتعزيز قوتها العسكرية ومنظومتها وأسلحتها الدفاعية بميزانية تصل إلى 8.71 مليار دولار لمواجهة الأخطار العسكرية المتنامية من جانب بكين، في خطوة تزيد من التوترات في المنطقة بحسب محللين.
بين تايوان وأوكرانيا
يرى مراقبون أن الحالة الأوكرانية لديها الفوارق والاختلافات التي لا يمكن ربطها بالوضع في تايوان مع الصين. فقد أكدت بوني جلاسر، الخبيرة في الشؤون الصينية في صندوق مارشال الألماني، "أن من غير الحكمة افتراض رؤية الصينيين بعدم تدخل الولايات المتحدة عسكرياً في أزمة أوكرانيا، يعني أن واشنطن لن تتدخل عسكرياً في أزمة تايوان".
ويرجع المحللون عدم فرضية استغلال بكين للأزمة الروسية الأوكرانية لأسباب عدة على رأسها سياسة الإدارة الأميركية الجديدة التي تولي اهتماماً خاصاً لمنطقة المحيط الهادئ الهندي، الذي ظهر جلياً في الآونة الأخيرة من خلال الزيارات رفيعة المستوى للمنطقة، إلى جانب عقد التحالف الجديد المعروف بـ"أوكوس" مع أستراليا والمملكة المتحدة. كما تمثل تايوان قوة اقتصادية مهمة لواشنطن، فهي الشريك التجاري التاسع للأخيرة، والأهم من ذلك هيمنة تايوان على صناعة الموصلات وأشباهها الإلكترونية، مما سيقوض الصناعات العالمية برمتها في حالة نشوب حرب.
وتتبع الولايات المتحدة سياسة "الصين الواحدة"، حيث لا تعترف بشكل رسمي بتايوان باعتبارها دولة مع رفض واشنطن التدخلات الصينية في الجزيرة وحدوث أي غزو عسكري للمنطقة. كما أعلن بايدن التزام بلاده الدفاع عنها.
كما أن الدوافع الصينية ونظرتها لتايوان مختلفة عن نظيرتها الروسية وموقفها من أوكرانيا. فروسيا قوة متراجعة تسعى لإعادتها إقليمياً مجدداً ووضع اسمها إلى جانب القوتين العالميتين الولايات المتحدة، ومن الممكن أن تحاول الصين إعادة نفوذها من خلال الإقدام على الاجتياح العسكري. في الوقت الذي تعد بكين قوة صاعدة، فلديها مزيد من الوقت لتحقيق التأثير العالمي دون خطوات مفاجئة قد تكلفها كثيراً من التبعات السياسية والاقتصادية مستقبلاً.
ردود الأفعال الروسية أيضاً نابعة من السياسات الداخلية والاعتراف الخارجي، أما الصين فتسعى إلى إقرار سياسة الأمر الواقع والتطلعات نحو الهيمنة. حيث ستنتظر الفرصة المناسبة لتهيئة الأجواء لاتخاذ خطوتها للتدخل في تايوان، ويؤكد المحلل السياسي في قسم الدراسات التايوانية بمنظمة بروكينز "أن بكين لن تسعى إلى تحقيق فوز سريع أو انتصار أكيد خلال الفترة الحالية".
تقارب روسي صيني
لا يبدو الربط بين الوضع على الجبهة الأوروبية في روسيا وأوكرانيا، والجبهة الآسيوية في الصين وتايوان مجرد تكهنات أو تحليلات فقط، بل إن الصين مهتمة بتفاصيل المشاورات واللقاءات المنعقدة بين روسيا والدول الغربية وواشنطن. فقد أعلن السفير الروسي في الصين أخيراً "أن موسكو تطلع بكين باستمرار على فحوى وتطورات المحادثات بينها وبين واشنطن وحلف شمال الأطلسي"، على الرغم من أن الصين ليست جزءاً منها، ما يدل على اهتمام بكين بتلك المحادثات التي من شأنها أن تغير المشهد السياسي العالمي المستقبلي.