إنها إحدى قصص عصرنا. يبتكر بريطاني شاب يعمل في نيويورك لعبة أحاجي صغيرة لطيفة كي يسلي صديقته. وفي غضون بضعة أسابيع، تصبح اللعبة عالمية، ويبيعها إلى "نيويورك تايمز" لقاء مبلغ "يساوي أوائل الأرقام المؤلفة من سبعة أرقام". واللعبة بطبيعة الحال هي "ووردل"، ومبدعها هو جوش واردل. إنها لعبة ذكية.
تتضمن تلك القصة رسائل كثيرة، بمعنى أنها أشياء تخبرنا إياها اللعبة عن العالم الذي نعيش فيه الآن. وإليكم الرسائل الـ10 الأبرز التي استخلصتها.
النقطة الأولى والأوضح هي أن القصة تتعلق بقوة وسائل التواصل الاجتماعي. حصل في سنة 1881 أن أشار رالف والدو إيمرسون ملاحظته الشهيرة، ومفادها في شكلها المختصر، أن المرء إذا بنى مصيدة أفضل للفئران، سيهرع الناس إليه. والآن، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، سيهرع الناس إليه في شكل أسرع بكثير. إن ما كان يتطلب شهوراً وسنوات يحدث في ثوانٍ ودقائق. لقد نجحت "ووردل" لأن الناس رأوا فيها مصيدة أفضل للفئران.
ثانياً، تظهر القصة أهمية كسب مال إضافي، واحتمالات حدوث ذلك. لقد أبدع جوش واردل اللعبة في وقت فراغه. ابحثوا عن عبارة "مال إضافي" على "غوغل"، وستحصلون على عدد كبير من الأفكار حول كيف يستطيع الناس أن يجنوا المال من هواياتهم، وسلسلة من الروايات عن أناس جمعوا ثروات بتلك الطريقة. ومرة أخرى، تدور هذه الفكرة منذ سنوات عدة، بالنسبة إلى الصحافيين تسمى العمل كمراسل حر، لكن التعقيد الهائل الذي يتسم به الاقتصاد الحديث شكل السبب في توليد مزيد من تلك الفرص.
ثالثاً، أنشأ انفجار وسائل التواصل الاجتماعي تنافساً ضخماً على الوقت المخصص للنظر في الشاشات. كيف تسترعون انتباه الناس أثناء تعرضهم إلى وابل من أشياء أخرى ينظرون إليها في هواتفهم؟ إن هذه الكلمات التي تقرؤونها هنا يجب أن تتنافس مع فيديو على "يوتيوب"، ورسالة "واتساب" من صديق، ومقطع على "تيك توك"، وصور سلفي، وما إلى ذلك. ومن بين طرق الفوز بالوقت المخصص للنظر في الشاشات، إبداع لعبة يرغب الناس في أن يلعبوها، و"ووردل" هي أحدث مثل على ذلك.
رابعاً، تأتي الأفكار العظيمة من أشخاص أذكياء، وليس من شركات عملاقة. لم تبتدع "نتفليكس" أو "ديزني" هذه اللعبة، أو "نيويورك تايمز" في واقع الأمر. ولم تكن اللعبة في حاجة إلى استثمارات ضخمة، ولا حتى إلى أي استثمار على الإطلاق في واقع الأمر. لم تحتج سوى عبقري طبيعي واحد.
خامساً، لا تزال أميركا تشكل أرض الفرص للمهاجرين. بطبيعة الحال، كان جوش واردل ليهاجر إلى مكان آخر، لأن مهاراته كمهندس برمجيات مطلوبة في كل مكان، لكن، بعد تخرجه في "رويال هولواي"، وهي جزء من جامعة لندن، اختار الحصول على درجة أكاديمية إضافية في الولايات المتحدة. وبقي هناك. لذلك اسألوا أنفسكم، لو ظل في بريطانيا، أو انتقل إلى برلين، أو إلى أي مكان كان، هل كان من المرجح أن يحقق هذا النجاح؟ حسناً، ربما، لكنني أعتقد أن النجاح كان ليتسم بصعوبة أكبر في أي مكان آخر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سادساً، استناداً إلى النقطة الخامسة، يتمثل أحد أعظم عوامل الجذب في الولايات المتحدة، وينطبق هذا على المملكة المتحدة أيضاً، في جاذبية التعليم العالي. وفي تصنيف "كواكاريلي سيموندز" الذي نشر الشهر الماضي، امتلكت الولايات المتحدة تسع مؤسسات للتعليم العالي من بين المؤسسات الـ20 الأعلى تصنيفاً، في حين امتلكت المملكة المتحدة خمساً منها. وحازت سويسرا اثنتان، وسنغافورة اثنتان، والصين اثنتان. ولم تحل أي جامعة من جامعات في الاتحاد الأوروبي بين الجامعات الـ40 الأفضل عالمياً.
سابعاً، أوجد التعطل بسبب الجائحة فرصاً لم تكن موجودة من قبل. لقد رفعنا جميعاً منحنى التعلم في استخدامنا للوسائط الإلكترونية، ما أنشأ جمهوراً حريصاً على تجربة تطبيقات جديدة. ومنح التعطل بعض الناس مقدراً أكبر من وقت الفراغ لخوض تلك التجربة، بالتالي، لقد تولد عرض بالاستجابة إلى ذلك الطلب. ومن دون الجائحة، أشك بأن "ووردل" ما كانت لتقلع.
ثامناً، يتعين على الشركات الإعلامية التقليدية، كـ"نيويورك تايمز"، أن تعثر على السبل الكفيلة بتعزيز قدرتها على الوصول. وقد اعترفت الصحيفة بما يلي، "تواصل (تايمز) التركيز على التحول إلى الاشتراك الأساسي لكل شخص ناطق بالإنجليزية يسعى إلى فهم العالم والتفاعل معه. وتشكل 'ألعاب نيويورك تايمز' جزءاً أساسياً من تلك الاستراتيجية".
تاسعاً، تبدت النية غير التجارية بوضوح لدى مبدع اللعبة، إذ لم يسعَ إلى المال، واختار الاقتصار على إطلاق لعبة واحدة في اليوم. وشرح ذلك، "أنا مشكك نوعاً ما في التطبيقات والألعاب التي تتطلب اهتماماً لا ينتهي. لقد عملت في "وادي السيليكون" [مقر الشركات الكبرى للمعلوماتية والاتصالات في مدينة "سان خوسيه" الأميركية]. وأعرف لماذا يفعلون ذلك. ومع "ووردل"، في الواقع، فعلت عمداً نوعاً ما الذي يجب ألا يفعله المرء إذا مثل النمو [التجاري] هدفه. أعتقد أن الناس لديهم شهية للأشياء التي تمتنع بشفافية عن طلب أي شيء منهم. وأعتقد أن الناس معجبون بهذه الطريقة، هل تعرفون ذلك؟".
أحب ذلك، لكنني أحب نقطتي الأخيرة أكثر من ذلك. إن قصة "ووردل" هذه هي قصة حب. وبحسب "نيويورك تايمز"، لقد أبدع هذه اللعبة لشريكته [اسمها بالاك شاه]. ولعباها معاً طيلة أشهر. ثم عرف الأقارب بها. وحينئذٍ فقط، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أطلقها إلى العالم.
هكذا ينبغي أن تسير الأمور.
© The Independent