ما زال الشارع السوري منذ الأول من فبراير (شباط) الحالي يعيش حالة اضطراب أعقاب قرار حكومي وضع حيز التنفيذ، استُبعدت فيه شرائح محددة من المجتمع خارج الدعم المقدم للمواد الغذائية الأساسية كالخبز والرز والسكر، والمحروقات كالغاز والوقود ومازوت التدفئة، ليباع للمستبعدين من قوائم الدعم بسعر التكلفة، وبأثمان باهظة يبدأ معها فطام الشعب عن حكومة ظلت تدعم المواد الأساسية لعقود من الزمن.
قرار الاستبعاد وصف بالصادم على الرغم من تسريبات خرجت سابقاً للعلن عن نية الحكومة توجيه الدعم إلى مستحقيه من الطبقات الأكثر هشاشة، في المقابل يعترض السوريون على طريقة الاستبعاد التي يتوالى تنفيذها على مراحل عدة، ولعل المرحلة الأولى في هذا الوقت جاءت بمثابة ضربة موجعة لشريحة واسعة من المجتمع معروفة بـ"الطبقة الوسطى"، التي بدأت بالتراجع إلى الوراء بعد الحرب.
وحصر القرار حول من يمتلك مركبة سياحية بسعة محرك 1500 CC وموديل عام 2008، مع شروط استبعاد المسافرين خارج القطر لأكثر من عام، كما شملت المالك لسجل تجاري، والمنتسبين لنقابات المهن المحاسبية والمصرفية، وغيرهم من أصحاب الفعاليات المصرفية والتجارية.
الشارع الغاضب
في غضون ذلك الاحتجاج الذي أفضى لرفع الدعم عن 47 في المئة من مالكي السيارات، وخروج نحو 596 ألف أسرة من لوائح الدعم، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى منبر لانتقاد حاد وصل درجة الدعوة للتظاهر السلمي أمام البرلمان في خطوة نحو ثني الحكومة عن قرارها، أبرزهم الباحث الاقتصادي شادي أحمد، الذي تراجع بعد إعلانه في منشور على موقع التواصل "فيسبوك" عن نيته التقدم بطلب لوزارة الداخلية للتظاهر بهذا الخصوص.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات صادرة عن الفريق الموالي للسلطة، لكن سرعان ما انسحبت هذه النداءات وخرج رئيس الوزراء حسين عرنوس ليوضح في جلسة للحكومة فتح باب الاعتراضات للمواطنين لدراستها، في المقابل قطع محتجون يوم الخميس في الثالث من فبراير الطريق الرئيس الواصل بين "السويداء – دمشق" جنوب البلاد.
وبحسب المعلومات الواردة بأنهم استخدموا الإطارات المشتعلة، مع حرصهم على سلمية الوقفة الاحتجاجية دون حدوث أي اشتباكات مع القوى الأمنية، على أن تتكرر يوم الأحد في حال لم تتراجع الحكومة عن قرارها. مقابل ذلك اجتمع محافظ السويداء نمير مخلوف مع فريق من المحتجين، ونجح في تهدئة الغضب العارم لدى المحتجين، ووعد بتقديم مادة الخبز بالسعر المدعوم لجميع المواطنين من دون استثناء حتى ممن شملهم الاستبعاد.
ما علاقة السيارة بالدعم؟
أمام موجة الغضب الشعبي العارم، المترافق مع أخطاء في برنامج "وين"، وهو تطبيق إلكتروني لتنظيم عملية بيع المواد المدعومة، وصفها وزير التجارة الداخلية، عمرو سالم بـ"أخطاء تقنية" تعمل الحكومة على دراستها، وفتح باب الاعتراضات.
ويتوقع الباحث الاقتصادي، جلال قاضي، "أن عملية رفع الدعم ستستمر وتشمل الجميع، إذ يعاني البلد عجزاً مالياً واقتصادياً، ولعل الدعم يزيد من الأعباء الإضافية، حيث بلغ مشروع اعتمادات الموازنة العام الحالي ما يقدر بـ 12.325 مليار ليرة، بما يعادل (5.3 مليار دولار) حسب سعر الصرف الرسمي، نصفه يذهب للدعم الاجتماعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى حد تعبير "القاضي"، "فإن الأمر كارثي بالنسبة إلى مواطنين ينتظرون استبعاد الطبقة الثرية والأشد ثراء،ً إلا أن ما حدث هو استبعاد للطبقة الثرية ومعها الوسطى" وأردف، "على أي أساس أعطت اللجنة الاقتصادية المسؤولة عن هذا القرار وحددت تلك الشرائح، ومنها مالك سيارة بطراز وبسنة صنع إلى حد ما ليست بحديثة، السيارة في سوريا ضرورة وليست رفاهية، ولعل السيارات المعدة للرفاهية هي حديثة الصنع قبل عام أو عامين كالسيارات الفاخرة أو سيارات السباق مرتفعة الثمن".
وينذر قرار استبعاد شريحة واسعة من دعم الحكومة إلى تقليص الطبقة الوسطى وزيادة فقرها، وطالبت عضو مجلس الشعب، رانيا محسن وعدد من البرلمانيين بإلغاء قرار رفع الدعم "المواطن ليس حقل تجارب" في حين سيستبعد في وقت لاحق الأطباء والمحامون ممن مارس المهنة لأكثر من 10 سنوات.
هل تتراجع الحكومة عن القرار؟
هذا هو السؤال الذي ينتظر إجابته السوريون على مدى الأيام السابقة من حكومتهم المصممة بجسارة على نجاح قرارها، على الرغم مما ينضح من أخطاء تقنية يتكبد المواطن تبعاتها، بينما يعترض مالكو السيارات المستبعدة من الدعم، أن سياراتهم ليست حديثة، وأغلبها تم شراؤها بالتقسيط قبل الحرب، ومع الوقت كثرت أعطالها مع تقادم الزمن، ولن يكون بالإمكان مجاراة كل هذه الأعباء المالية، لكن اللجنة الاقتصادية في قراراها تصف هذه الشريحة ومن يملك هذا النوع من السيارة بأن لديهم القدرة على الإنفاق "أغنياء".
قرار الاستبعاد يرافقه كثير من المخاوف من مجاعة تحدق بأناس يعيشون الفاقة والعوز، ونضوب فرص العمل والبطالة، مع سوق تجارية جامدة بسبب الحصار، مترافقة بهجرة واسعة للشباب جراء ملاحقات لهم لأداء الخدمة الإلزامية والاحتياطية، ويعني القرار أن تباع مثلاً ربطة الخبز الواحدة بـ1300 ليرة (50 سنتاً) بدلاً من 200 ليرة، ولتر البنزين الواحد بـ2500 ليرة (ما يعادل دولاراً واحداً) بدلاً من 1100 ليرة.
ويشير الباحث الاقتصادي إلى ضرورة التروي في رفع الدعم، فهذا سيخلق فوضى في الأسواق التجارية، وهو بالأساس يعيش أزمة فوضى عارمة، لا سيما وجود أخطاء فادحة، حيث استبعد كثير من السوريين لأسباب مغادرتهم القطر، وهم لم يغادروا، على سبيل المثال "من الواضح الخلل الذي ترافق مع إعلان سحب الدعم، وهذا يعني أن إلغاء القرار هو المجدي ريثما تتكامل قاعدة البيانات وتكون أكثر وضوحاً وشمولاً".
في هذه الأثناء أعلن وزير الاقتصاد والتجارة الداخلية السير بدراسة أخرى على شرائح سيارات من امتلكها سوريون بعد عام 2011، بغض النظر عن سعة المحرك، ممن اشتريت في المزادات العلنية، ويعني ذلك أن الحكومة السورية تسير بخطتها برفع الدعم، ولن تتراجع عنه على الرغم من الغضب العارم الذي لاقاه من المواطنين، مع توزيعه على الشريحة الأكثر هشاشة وفقراً.