في الـ25 من يوليو (تموز) 2021، وإثر احتجاجات شعبية شهدتها مناطق مختلفة من تونس، أعلن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، في بيان موجه إلى الشعب من القصر الرئاسي بقرطاج، الإجراءات الاستثنائية تفعيلاً للفصل 80 من الدستور، أقال بمقتضاه حكومة المشيشي، وجمد أعمال البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع نوابه.
اليوم وبعد أكثر من ستة أشهر على اتخاذ الإجراءات الاستثنائية في البلاد، ماذا تحقق؟ وما المنجز سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟
استأثر الشأن السياسي وترتيبات الحكم بالحيز الأكبر من عمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ولم يتضمن قانون ميزانية الدولة لسنة 2022، إجراءات اجتماعية قوية تخفف وطأة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس جراء تداعيات جائحة كورونا، وتقلص مواطن الشغل، وارتفاع كلفة العيش في البلاد.
وعلى الرغم من تحسن الوضع الصحي بشكل لافت إثر حملة التضامن الدولية التي لقيتها تونس في مواجهة جائحة كورونا، فلا تزال آثار الأزمة الصحية تلقي بظلالها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
تحذير من تنامي الضغط على المواطن
وتؤكد نجلاء عرفة، منسقة أحد المراكز الاجتماعية، أن أكثر من ثلاثة ملايين تونسي يعيشون تحت خط الفقر، لافتة إلى أن التونسيين راهنوا على 25 يوليو 2021، من أجل تغيير واقعهم الاجتماعي، مؤكدة أن تلك اللحظة هي نتاج لأزمة ثقة بين الشعب التونسي والطبقة السياسية الحاكمة، وأن التونسيين اليوم يعيشون المصير نفسه بحكم ضيق الأفق، وتنامي الضغط الاجتماعي، وانعدام الحلول في التنمية والتشغيل.
وتضيف أن القانون عدد 38 الخاص بانتداب من طالت بطالتهم، الذي ألغاه رئيس الجمهورية بعد أن وقعه بنفسه، "تم توظيفه سياسياً على حساب آلام الآلاف من طالبي الشغل".
وحذرت نجلاء عرفة، من تنامي الضغط على المواطن، من خلال إثقال كاهله وسط غلاء المعيشة، وارتفاع نسب التضخم، وفي خضم الاضطراب الحاصل في التزود بالمواد الأساسية.
وخلصت إلى أن الملفات الاجتماعية لم تتم معالجتها ولم تطرح للنقاش، داعية إلى مزيد من الاهتمام بالشأن الاجتماعي لحماية البلاد من الاحتقان.
الملف الاجتماعي ليس أولوية
ومن جهتها، قدمت إحدى جمعيات المساءلة الاجتماعية ومنظمة رقابية، في ندوة صحافية، تقريراً بخصوص نتائج التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية في الفترة ما بين 25 يوليو 2021، و25 يناير (كانون الثاني) 2022.
وأفادت رئيسة منظمة رقابية إيناس الجعايبي، بأن التدابير الاستثنائية ترتكز فقط على تنظيم السلطة التنفيذية، وتقديم وعود للإجراءات الاجتماعية والاقتصادية من دون تنفيذها.
وأشارت إلى أن سعيد أصدر 245 أمراً رئاسياً، أكثر من 80 في المئة منها تخص تنظيم السلطة التنفيذية، و160 أمراً رئاسياً تتعلق بالتعيينات والتسميات والإعفاءات في الوظائف العليا في الدولة، مقابل صفر في المئة للإجراءات الاجتماعية، منوهة بالنجاح في التعامل مع جائحة "كوفيد".
تغييب الإعلام
وعابت على مؤسسة رئاسة الجمهورية، عدم إصدارها أمراً رئاسياً أو مرسوماً خاصاً بخارطة الطريق، إذ لا وجود لنصوص ترتيبية أو قانونية استعداداً لاستفتاء 25 يوليو 2022، وأيضاً الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها في ديسمبر (كانون الأول) 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت أن المنظمة تقدمت بمطلب نفاذ للمعلومة، ولم تتحصل على إجابة، مشيرة إلى أن عدداً من المراسيم تتعلق بإبرام معاهدات واتفاقيات حول قروض صادق عليها البرلمان، الذي تم تعليق أشغاله بحكم الإجراءات الاستثنائية.
ولاحظت أن هناك تغييباً للإعلام من قبل قيس سعيد، الذي يتواصل مباشرة (عبر صفحة الرئاسة على فيسبوك)، في غياب الندوات الصحافية وإمكانية طرح أسئلة عليه حول آفاق مسار 25 يوليو.
الملف الاجتماعي يتطلب استقراراً سياسياً
في المقابل، يؤكد سرحان الناصري رئيس حزب "التحالف من أجل تونس"، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "القرارات ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي تتطلب استقراراً سياسياً، لأن ما حدث طيلة سنوات ما بعد 2011، هو تدمير لكل مقومات الاستقرار السياسي من خلال تعامل منظومة ما قبل 25 يوليو 2021 مع السلطة، بمنطق الغنيمة، من دون الاهتمام بمشاغل التونسيين"، لافتاً إلى أن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، "بصدد ترتيب آليات الاستقرار السياسي من خلال تنظيم عمل القضاء، وإصدار المراسيم في عدد من المجالات الترتيبية في السلطة التنفيذية، خدمة للاستقرار السياسي الذي سيكون له الأثر في المجالين الاقتصادي والاجتماعي".
وشدد على أن "كل ما هو اقتصادي واجتماعي تدرسه الحكومة مع الشريك الاجتماعي وهو الاتحاد العام التونسي للشغل، أو من خلال المفاوضات التي بدأت رسمياً مع صندوق النقد الدولي لتعبئة الموارد المالية للميزانية الحالية".
وأضاف أن الاستقرار السياسي هو مفتاح البرامج الاقتصادية والاجتماعية، من خلال إرسال إشارات إيجابية إلى شركاء تونس عبر تطهير البلاد من الفساد، وإرساء العدالة ودولة القانون والمؤسسات، لافتاً إلى أن صندوق النقد الدولي بصدد طمأنة الحكومة التونسية عبر تقديم الدعم من أجل استقرار دائم.