حالة من الارتباك تشهدها سوق الاستيراد في مصر، بعدما قرر البنك المركزي المصري وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية فقط، وذلك اعتباراً من بداية شهر مارس (آذار) المقبل. وفي تصريحات حديثة لمحافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، أكد أن قواعد تنظيم الاستيراد التي تم الإعلان عنها لا رجعة فيها، ولن يتم إجراء أية تعديلات عليها، مشدداً على أن البنوك المصرية جاهزة لتنفيذ الإجراءات الجديدة بكفاءة. ودعا رجال الأعمال إلى ضرورة الإسراع بتوفيق أوضاعهم وعدم إهدار الوقت في جدال لا علاقة له باستقرار التجارة الخارجية لمصر وسلامة أدائها.وكان البنك المركزي المصري قد قرر وقف التعامل مستندات التحصيل في تنفيذ جميع العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية فقط بدءاً من مارس المقبل. وأشار حينها إلى أن القرار يهدف إلى تسهيل عملية شراء البضائع من الخارج. وتعد خطابات الاعتماد المستندية أكثر تعقيداً، لكنها تقدم مزيداً من الحماية للمصدر.وسيقوم البنك المصدر لخطاب الاعتماد للمستورد بطلب الكثير من الوثائق لإجراء المعاملة، لكنه سيبرم أيضاً عقداً يلزمه الدفع للمصدر، إذا تخلف المستورد عن السداد لأي سبب كان. فيما استثنى قرار البنك المركزي فروع الشركات الأجنبية والشركات التابعة لها، وسمح للبنوك بقبول مستندات التحصيل الواردة عن بضائع تم شحنها بالفعل قبل صدور هذا القرار. وأكد أن تلك الإجراءات تأتي في إطار حوكمة عمليات الاستيراد وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التي سيبدأ تطبيقها بصورة إلزامية اعتباراً من بداية مارس المقبل.
لماذا تعترض بعض الشركات؟
في المقابل، دعا عدد كبير من رؤساء الشركات المحلية الحكومية، البنك المركزي المصري، إلى التراجع عن القرار، الذي تم إخطار البنوك به خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقالوا إنه سيفاقم أزمة سلاسل التوريد الحالية، كما سيزيد من تكاليف الإنتاج، مما سيتسبب في رفع أسعار السلع في السوق المحلية، ويؤثر سلباً على تنافسية الصادرات المصرية. وأضافوا أن القرار لم يأخذ في الحسبان الشركات التي لا تمتلك تسهيلات ائتمانية، بخاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي لن تكون قادرة على إصدار خطابات اعتماد لتغطية تكاليف الشحنات.
ووفق بيان المركزي المصري، فمن المقرر أن يلتزم المستوردين تقديم الاعتمادات المستندية اعتباراً من بداية الشهر المقبل.
على الجانب الآخر، فإن الاعتمادات المستندية تتسبب في ربط رأس المال، ويرى عديد من المستوردين أن البنوك ستجمد قيمة التسهيل في حساب المستورد طيلة فترة فتح الاعتماد المستندي. ويخشون أيضاً من تعقيد الاعتمادات المستندية، وكيف أن عديداً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة ليس لديها القدرة المؤسسة للقيام بذلك.
في تعليقه على قرار البنك المركزي المصري، قال أشرف القاضي، رئيس مجلس إدارة بنك المصرف المتحد، إن قرار البنك المركزي بالاستيراد باستخدام الاعتمادات المستندية يتضمن 5 فوائد قومية كبرى. وأوضح في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، أن القرار يدعم التطوير الجاري في مصر.
البضائع الواردة
وأشار إلى أن القرار يحقق جودة أعلى للمواطن في البضائع الواردة لمصر. كما يسهم في الالتزام بالمعايير الدولية والمصرية للواردات. وفي الوقت نفسه، فإنه عمل على تحقيق مصالح المواطن المصري، كما يعمل على حماية للشركات كضمان وتطابق الاشتراطات الاستيرادية الخاصة بهم. ولفت إلى جاهزية البنوك المصرية لخدمة العملاء وبسرعة فائقة مع تقديم كل التسهيلات التي تضمن تنفيذ الأعمال بكل دقة واحترافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق بيان، يرى نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصري، يحيى أبوالفتوح، أن جميع البنوك العاملة في السوق المصري سوف تعمل على تسهيل إجراءات فتح الاعتمادات المستندية ومساعدة جميع التجار والمستوردين وتعريفهم بالكيفية التي يتم من خلالها فتح الاعتماد. وأشار إلى أن هناك تنسيقاً بين البنوك والبنك المركزى المصرى من أجل تنفيذ هذا القرار بما يساعد على تنظيم عمليات الاستيراد.
وقف تلاعب الشركات في الفواتير
أما المحلل المصرفي، محمد عبد العال، فيرى أن قرار البنك المركزي المصري بشأن الاعتمادات المستندية في الاستيراد حكيم وفي التوقيت المناسب. وأوضح أن القرار يحقق مصلحة المواطن ومصلحة الأمن الاقتصادي القومي بمفهومه الشامل وفقاً لقانون البنك المركزي رقم 194 لسنة 2022، حيث إنه حدد مهام البنك المركزي في إصدار اللوائح المنظمة المتعلقة بالرقابة وغيرها. وشدد "عبد العال"، على أن البنك المركزي عندما يصدر قراراً يحدث بعد دراسة متأنية وفقاً للتشابكات والمعادلات التي قد لا يلم بها الآخرون، لكن القرار يتم للحفاظ على مصلحة كافة الأطراف، حيث إن الهدف الأساسي هو ضبط منظومة الاستيراد. وأضاف، "بعض المعترضين يقولون إن هذا يعطل الاستيراد الذي يتم بالأساس بطريقتين، الأولى وهي من طريق بوالص التصدير التي قد تتم بين مستورد محلي ومصدر قد لا يعرفان بعضهما بعضاً إطلاقاً عبر وسطاء دون سوابق خبرة عبر وسطاء الشحن". وأشار إلى أن النظم المعمول بها في الوقت الحالي، ومتطلبات الرقابة العالمية، قضت على هذه الطريقة وفقاً للتحولات الرقمية والتكنولوجية وخطة الإصلاح الهيكلي والإداري والتماشي مع منظومة التسجيل المسبق بما يتوجب الالتزام بمعيار الاعتمادات المستندية، حيث تكون الأطراف كافة شركاء.
نظام الاعتمادات
وأكد أن نظام الاعتمادات المستندية يجعل كافة أطراف الحلقة متصلين وشركاء سواء المستورد أو المصدر أو البنك الذي يقتصر دوره في بوالص الاستيراد على دور "وسيط"، ولو تعثر أي من الطرفين أو جاءت البضاعة غير مطابقة يكون خارج سياق البنك والدولة رقابياً. ولفت "عبد العال"، إلى أن القرار يقضي على ظاهرة التلاعب في قيمة الفواتير من قبل بعض المستوردين، حيث تقدم بعض الشركات فواتير فيها قيم غير حقيقية، وهو ما يعمل على تشويه الاقتصاد المصري ولا يظهره بقوته الحقيقية أمام المؤسسات الدولية، لكن الاعتمادات المستندية تضمن مرونة عبر فتح اعتماد فوري أو آجل، ويقدم النقد الأجنبي اللازم الذي يحتاجه المستورد، بخاصة أن ظاهرة طوابير النقد الأجنبي اختفت وأصبح النقد الأجنبي متاحاً وفق الشروط التي يحددها البنك المركزي المصري.