لا تقتبس العروض الأوبرالية في الغالب من اجتماعات القمم الدبلوماسية، مع أن ليز تراس وسيرغي لافروف بذلا محاولة لا بأس بها في هذا الصدد.
ولكن قبل خمسين عاماً من اليوم، وقع اجتماع لا ينسى على أعلى المستويات، وكان أكثر اللقاءات رمزية بين زعيمين عالميين، حين توجه ريتشارد نيكسون إلى الصين للاجتماع بماو تسيتونغ. وهو لقاء "غير وجه العالم" في ذروة الحرب الباردة، وجمع بين أقوى دول العالم من جهة وأكبرها من حيث الكثافة السكانية من جهة ثانية- وهما بلدان قطع كل اتصال بينهما طيلة 25 عاماً.
واعتبر الرئيس نيكسون الحدث مهولاً لدرجة دفعته إلى مخاطبة الشعب الأميركي مباشرة عبر التلفزيون لا لشيء سوى إعلان نيته زيارة الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما فاقم الطابع الدرامي للموضوع أكثر بعد، هو أن تدبير الاجتماع جاء بعد سفر مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر إلى باكستان، وتظاهره بالإصابة بأوجاع في معدته، وركوبه الطائرة في رحلة ليلية سرية إلى الصين، حيث طلب من القيادة في بكين عقد الاجتماع.
وبدأت زيارة نيكسون في 21 فبراير (شباط) 1972 واستمرت أسبوعاً. وحتى أثناء وجوده على متن الرحلة باتجاه الصين، لم يكن متأكداً من أنه سيتسنى له اللقاء بماو، ولكن الزعيمين التقيا بالفعل، وجرى بينهما حديث شائك- وفقاً لبعض الروايات- استمر ساعة من الزمن كما التقطا صورة المصافحة البالغة الأهمية. كما أن ماو مازح نيكسون بقوله، إنه صوت له في الانتخابات الأخيرة.
في ذلك الوقت، كان القلق يساور الولايات المتحدة كما الصين بسبب الاتحاد السوفياتي، ورغب البلدان بتوجيه رسالة إلى موسكو. وفي الآن ذاته، كانت أميركا ما تزال تخوض حربها الكارثية في فيتنام، على الحدود الصينية.
اعتبرت الزيارة نجاحاً، على الرغم من عدم بقاء طرفيها الرئيسَين في الحكم لمدة طويلة بعد ذلك - إذ قدم نيكسون استقالته بسبب فضيحة ووترغيت بعد سنتين من اللقاء، فيما توفي ماو في 1976، وكانت صحته أخذت في التدهور قبل هذا اللقاء.
ورسخت مسرحية الأوبرا نيكسون في الصين أهمية اللقاء من الناحية الثقافية، وقد عرضت للمرة الأولى في هيوستن في عام 1987، واستمر عرضها حتى فترة غير قصيرة من القرن الحالي. ولا تزال أهميتها السياسية بالغة كذلك.
كانت الولايات المتحدة والصين تتحدان في مواجهة روسيا، ولكن بعد مرور 50 عاماً على الواقعة، ومع اللقاء المقرر عقده هذا الشهر بين تشي جينبينغ وفلاديمير بوتين، يبدو أنه جاء دور الولايات المتحدة لكي تُنحى جانباً. وتماماً كالعام 1972، ينقسم العالم الحالي إلى كتل متنافسة بين القوى العظمى. فالتوتر الشديد يطغى على العلاقة بين الولايات المتحدة والصين من جهة، بينما ترخي أزمة أوكرانيا بثقلها على العلاقة بين واشنطن وموسكو من جهة ثانية.
فلنأمل ألا يسهم أي كان في تحويل الأحداث الجارية إلى مسرحية تراجيدية بدل العرض الأوبرالي.
تحية طيبة،
ديفيد هاردينغ
محرر الشؤون الدولية
© The Independent