بعد أن احتل العراق المرتبة الأولى لأكثر بلد مستورد للسلع الإيرانية، بكلفة استيراد بلغت 7.295 مليار دولار سنوياً، تمكن وللمرة الأولى من التصدير إليها وتأمين حاجته من السلع خلال الشهور العشرة الأخيرة. وحصل على الترتيب التاسع بين الدول المصدرة لطهران وهي على الترتيب، الإمارات والصين وتركيا وألمانيا وسويسرا وروسيا والهند وبريطانيا.
وشملت المنتجات المصدرة من العراق "القمح والذرة وفول الصويا والشعير والزيوت والسكر". إضافة إلى نظيرتها في الثروة السمكية والألبان والمواشي وبقية المنتجات الزراعية مثل التمور العراقية وبعض محاصيل الخضروات، فقد بلغت ما يزيد على المليونين و660 ألف طن؛ أي ما يقدر بـ1.228 مليار دولار، فيما شملت بقية السلع مواد إنشاء ومعدات مختلفة.
يقول المتحدث باسم مصلحة الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي، في تصريح صحافي، "إن العراق لا يزال ثاني أكبر مستورد للسلع من إيران بعد الصين بمرور الشهور العشرة الأولى من العام الحالي". وأكد "استيراد إيران سلعاً من العراق بحجم أكثر من مليون و994 ألف طن بأكثر من 920.482 مليون دولار بنمو من ناحية الكم 2414 في المئة والسعر 793 في المئة".
إيران الشريك التجاري الأول تليها تركيا
وخلال لقائه الأخير مع رئيس الوزراء العراقي أشار رئيس اتحاد رجال الأعمال في العراق صبيح الهاشمي إلى أهمية السيطرة على المنافذ الحدودية، وتأكيد أن يُبنى التبادل التجاري على أساس الاستيراد والتصدير.
وبحسب الهاشمي "تعد إيران الشريك التجاري الأول للعراق، ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العامين الماضيين أكثر من 10 مليارات دولار، وتحتل تركيا المرتبة الثانية. في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة العراقية لاعتماد استراتيجية تبادل في التصدير والاستيراد بنسبة 100 في المئة إلا أن العراق لم يحقق أكثر من 30 في المئة".
وأضاف، "في الوقت الذي يسعى فيه رجال الأعمال في تركيا لرفع حجم التجارة بين البلدين إلى 50 مليار دولار بعد أن تجاوزت العام الماضي 20 مليار دولار، إذ فاقت العلامات التجارية التركية نظيرتها في السوق العراقية بنسبة 90 في المئة". و"يعد العراق ثاني أكبر مستورد من تركيا بعد ألمانيا وفق بيانات عام 2013". بحسب رئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال في تركيا والعراق، نوّاف قليج.
كما توفر بوابة "خابور" الحدودية بين تركيا والعراق ممرا لمرور ما يقرب من ألفي شاحنة يومياً بين البلدين. حيث تشهد زخماً لكونها البوابة الوحيدة التي تربط بينهما مقارنة بتسع بوابات حدودية تربط العراق مع إيران، لذا يطالب أصحاب الشأن التجاري بين البلدين بافتتاح خمس بوابات إضافية مع تركيا لتعزيز أواصر التبادل التجاري. ويعد إقليم كردستان العراق مركزاً لتوزيع السلع التركية إلى جميع أنحاء العراق.
الاقتصاد العراقي ريعي
الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم استهلت حديثها عن العراق بأنه "نشأ وعُرف كبلد زراعي في السابق إذ كان يعتمد عليها أكثر من النفط، ولكن مع الأسف مع استمرار السياسات الاقتصادية الخاطئة حدثت لدينا مشكلة في تحول الاقتصاد العراقي إلى ريعي بامتياز إذ قل الاعتماد على الزراعة".
تضيف، "لكن لحسن الحظ ازدادت هذا العام معدلات الصادرات الزراعية ويعد هذا مؤشراً مهماً لكن هل سيستمر ذلك، لا سيما مع استمرار أزمة الجفاف التي يتعرض لها العراق منذ فترة؟ في وقت تعد قضية الصادرات مسألة مهمة بحد ذاتها لأنها أولاً تدخل في باب التنوّع في إيرادات اقتصاد البلاد، بالتالي إيرادات الموازنة العامة، ثانياً تُنشط القطاع الخاص، وثالثاً للزراعة ديمومة أكثر من النفط، كون النفط "ريعي" أي ثروة قابلة للنفاد. في الوقت الذي يمكن للزراعة أن تتطور وتنمو وتتغير إنتاجية خطوطها".
وفي مقترح سابق لسميسم مع عدد من الاقتصاديين العراقيين أفادت، بأن "حتى لو تعذر تصدير المنتجات الزراعية واكتفى البلد بتحقيق مفردات البطاقة التموينية، فذلك يعني أننا حققنا قفزة في هذا المجال، لذا حين نقول إننا صدرنا فإن في ذلك قفزة نوعية كبيرة تمنح بادرة أمل للاقتصاد العراقي في العديد من الجوانب؛ أولها تنويع الموارد كي لا يبقى رهين النفط فقط، وثانيها مصدراً للحصول على الأموال، لا سيما الأجنبية التي عادة ما تكون بالدولار، وثالثها تشجيع القطاع الخاص للدخول إلى مجالات إنتاجية أخرى غير الخدمات".
دعم المزارع والمنتج والتاجر
في السياق نفسه أكد الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، أنه "يتحتم على الدولة أن تفتح باب التصدير أمام التجار للإفادة من العملات الأجنبية التي تدخل البلد عن هذا الطريق. مع وجود فائض لبعض المحاصيل الزراعية والمنتجات الصناعية". ويقترح، "حتى مع قلة هذه الصادرات يجب العمل على تشجيعها لأن استمرارية ذلك تعطي دافعاً للمزارع والمنتج والتاجر وأن يفكر في رفع كميات ونوعية المنتجات والمحاصيل، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن المحاصيل الزراعية العراقية مرغوبة لدى المستهلك الخليجي بشكل خاص، فضلاً عن أن الكثير من المنتجات الصناعية كانت متداولة سابقاً أيضاً في العديد من بلدان العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتابع، "هنا يطرح السؤال نفسه، هل هذا يعني أن البلد بدأت فيه نهضة وحركة صناعية وزراعية أدت لهذا الأمر؟ نعم. نعتقد أن المزارعين والمنتجين الصناعيين أخذوا يفكرون بطريقة مختلفة عن السابق بعيداً من الحكومة، فأخذ الكثير منهم يعتني بالسلعة التي ينتجها ويحاول زيادة كمياتها، خصوصاً في القطاع الزراعي وهو أمر يعود عليه بالفائدة المادية، فضلاً عن كونه يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني".
العراق يتجنب الصراع
وأوضح الخبير المالي والاقتصادي صفوان قصي، "أن أسعار النفط للعام 2021 ارتفعت عما كانت عليه في تقديرات الموازنة الاتحادية، بسبب إمكانية زيادة مستوى صادرات البلاد من النفط من حيث السعر بما لا يقل عن 15 إلى 20 مليار دولار، وبالتأكيد كان هذا بالمقارنة مع 2020، التي تدنّت فيها أسعار النفط بنسبة لا تتجاوز الـ40 دولاراً، وأعطت انطباعاً أن انخفاض الصادرات في كمية النفط خلال 2021 كانت بسبب تخفيضات أوبك وحلفائها من روسيا، لكنها ارتفعت من حيث القيمة وهذا يعطي مؤشراً لاستمرار النظرة الإيجابية للاقتصاد العراقي بخاصة مع وجود منطقة توازن في الصادرات ما يعني أن العراق استطاع أن يجنب نفسه منطقة الصراع، ولا تزال حظوظه عالية لأن يبقى كذلك". يضيف، "يمكن أن نستثمر هذه اللحظة الزمنية من أجل تعزيز علاقتنا بالأسواق النفطية العالمية سواء في الشرق أو الغرب".
وبصدد الحديث عن الصادرات من السلع الأخرى كشف، "لم ترتفع الصادرات بشكل ملموس سواء من ناحية الزراعة أو الصناعة، بل بالعكس، تزايد حجم الاستيراد بخاصة على مستوى الانتاج الزراعي إذ يتم استيراد أكثر من 70 في المئة من المواد الغذائية". وأضاف، "قد تكون هناك بعض الصادرات من الصناعات الخفيفة إلا أنها لا تشكل أكثر من واحد إلى اثنين في المئة من حجم الصادرات العراقية" .
وأعلن المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي "أن قیمة الصادرات السلعیة في العراق بلغت 4.6 تریلیون دینار لسنة 2020 مسجلة نسبة ارتفاع بمقدار 19.9 في المئة قياساً بعام 2019 حیث بلغت 3.9 تریلیون دینار".
وتوضح بيانات الجهاز المركزي للإحصاء بتقريرها السنوي الأخير، "أن أهم الصادرات السلعية العراقية في العام 2020 كانت مواد نفطية حيث بلغت قيمة مشتقات النفط بالدولار 3.765.3 مليار دولار، أما الأهمية النسبية فقد بلغت 100 في المئة".
وتضمن جدول الصادرات وقود، وبنزين محركات عدا القطارات، وزيوت ومحظرات تشحيم، مخاليط قارية أساسها الأسفلت أو القار الطبيعيان، أو الغاز النفطي أو القطران المعدني، بنزول البنزين، وفضلات الزيوت، وزيوت نفط ومواد خام.
وبلغت قيمة السلع الأخرى 45.0 مليون دولار، أما أهميتها النسبية فقد بلغت 1.1 في المئة، كما بلغت قيمة الصادرات السلعية لأهم الشركاء التجاريين للعراق في 2020 بالدولار 3.765.3 مليار دولار، وشملت هذه الدول الهند والإمارات وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية وإيران ولبنان وسوريا والأردن ومصر ودول أخرى.
التهريب... مؤثر سلبي على الإنتاج المحلي
يقول الخبير الاقتصادي العراقي رشيد السعدي، "إن هوية العراق زراعية ومقومات نهوضه موجودة، ولا يعد العراق حالياً من الدول المُصدِّرة الكبيرة بسبب قصور الإنتاج لديه سواء في الزراعة أو الصناعة، وجميعنا يعلم أن مُخرجات الإنتاج الزراعي هي مُدخلات للصناعة، كالصناعات التحويلية والغذائية والاستهلاكية والمنسوجات وغيرها، كذلك مخرجات الأخيرة تُعد مُدخلات للأولى كالأسمدة والمبيدات، والمكائن الزراعية الأخرى، وما يؤثر سلباً في الإنتاج الداخلي في العراق هي مسألة التهريب".
يضيف، "من الضروري تفعيل قانون حماية الإنتاج لسنة 2010، إذ تؤثر إيجابياً في زيادة وتطوير ونمو الإنتاج الزراعي، وعموماً بدأ العراق بتصدير بعض المنتجات الزراعية كالتمور والفواكه والخضار الفائضة جزئياً عن الإنتاج المحلي، كما صُدَّر أخيراً كميات من الكبريت، وتتصدر السعودية والإمارات وألمانيا". وأشار إلى أن "الدول المستوردة للمنتجات الزراعية العراقية، وإن كانت بكميات قليلة فإنها تعد مؤشراً جيداً تستدعي التوقف عنده وتطويره".
و"لغرض تسديد مستحقات الغاز المصدر من إيران للعراق، بدأ العراق مباحثاته مع طهران بأن يكون المقابل تصدير سلع وبضائع عراقية وعلى مدى ثلاث سنوات، وهذه خطوة جيدة في سبيل تطوير الإنتاج المحلي فضلاً عن زيادة كميات الصادرات العراقية". كما أوضح السعدي.