أسئلة كثيرة تطرح بشأن أحلامنا في زمن العالم الافتراضي، بعدما تداخل هذا العالم في تفاصيل حياتنا الواقعية ومنها أحلامنا. ومن تلك الأسئلة هل يؤثر اعتمادنا على وسائل التواصل وما تقدمه لنا من معلومات وإعلانات على مدى الساعة في نوعية أحلامنا؟ وهل تؤثر نوعية حياتنا اليومية، وبالتالي الصور التي نشاهدها ونتلقاها، في سلوكنا ونظرتنا إلى الحياة، ما يرد إلى تغييرات جوهرية في نوع أحلامنا؟
ما أهمية الحلم؟
حاول البشر منذ أقدم العصور تفسير الأحلام، إما بكونها علامات تنبئية تدلنا على المستقبل، أو بأنها رسائل لأحداث ما زالت عالقة ويجب التفكير فيها لإرضاء الأرواح أو النفس المعذبة، وإما بأنها تعبير عن مكبوتات نفسية ويمكنها أن تدلنا إلى طرق لحل المشكلات النفسية. لكن ما رسا عليه كثيرون من العلماء هما طريقتان منهجيتان لتحليل الأحلام وفهمها، الأولى عبر اتباع التفسير الرمزي للأحلام، مثل تفسير حلم النبي يوسف ودلالته التنبئية، أشهر هذه الأحلام في الثقافة البشرية الراهنة، لما كان لتفسيره حلم الفرعون من تأثير في حياته وعلى بقاء الدولة كلها حسب التدوين الديني. أما المنهج الآخر فهو المنهج العلمي الذي اتبعه عالم النفس النمساوي صاحب نظرية "تفسير الأحلام"" سيغموند فرويد، وهو أب علم النفس الحديث، الذي اعتبر أن الأحلام تعبيرات من اللا وعي عن مكبوتات تتراكم فيه منذ الطفولة، فتظهر في الأحلام في محاولة منها للكشف عن نفسها بغية تفكيكها والوصول إلى كنه المشكلة النفسية للحالم أو لمحاولة تفسير معنى أحلامه التي قد تتكرر. واعتقد فرويد أن الحلم هو الطريق الأوسع إلى اللا وعي وعوالمه المتشابكة. وعلى الرغم من أن الحلم غالباً ما يكون مفككاً وغير منطقي، فإنه يمكن "تفسيره" من خلال تفاصيله. ويرى فرويد أن التنويم المغناطيسي هو طريقة مختصرة لدخول عالم اللا وعي في المريض، ولكن يمكن للطبيب حينها أن يسير المريض في حلمه خلال التنويم المغناطيسي فيسحب منه ما يشاء من معلومات، بينما لو طلبت من المريض أو الحالم أن يروي حلمه وهو في حالة الوعي فقد ينسى أجزاء منه أو قد يضيف إليه أجزاء أخرى. وعليه، استخدم فرويد التنويم المغناطيسي لسحب الأحلام من مرضاه، واستخدم التداعي الحر، أي أن يتكلم الحالم أو المريض على هواه وفي أي موضوع يشاء. واعتبر فرويد أن هذ التداعي الحر في التعبير عن لواعج النفس كما الأحلام، مفيد في إخراج ما يخبئه اللا وعي.
هل تؤثر وسائل التواصل في أحلامنا؟
من حيث المبدأ، يعتبر علم النفس أن الأحلام هي مجموعة هائلة من الصور التي تلتقطها عيوننا في كل يوم منذ ولادتنا ويتم تخزينها في اللا وعي. وترتبط هذه الصور بمشاعر معينة مخزنة، ويتم تحليلها في دماغ كل شخص بحسب حاجته إليها، وما يريد إظهاره وما يبقيه طي الكتمان لسبب ما، بل يعتقد البعض أن الجنين يحلم في رحم أمه، والأبحاث الطبية ما زالت ناشطة لتأكيد هذا الادعاء. وفي علم النفس، فإن الأحلام وموضوعاتها قد تكون تعبيراً عن أمر عالق في لا وعينا، أو تكون مجرد تنظيم الدماغ للصور الملتقطة يومياً في جوارير داخل أدمغتنا، بعضها نقوم بإغلاقه نهائياً في النسيان، وبعضها يتم محوه نهائياً لأنه بلا وظيفة مؤثرة.
في بحثه "تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العقل الباطن"، يكتب الدكتور دين ماكوبري، "نحن نستهلك الوسائط والمحتوى من خلال أعيننا. وبمجرد معالجتها في دماغنا يتم تخزينها في نظام التشغيل الخاص بنا (iOS)، وبالطبع، إذا كان هناك أمر مثير أو مزعج، فهذا يمكن أن يتجذر بعمق في نظامنا التخزيني، ما يمكنه من أن يغير طريقة نظرنا إلى العالم".
على سبيل المثال، برأي ماكوبري، فإن مواصلة النظر إلى محتوى معين، لو افترضنا أنه شكل أجساد النجوم والمشاهير وملابسهم وحياتهم المرفهة، فإن اعتيادنا على هذا المحتوي سيجعلنا نعتقد أننا نحن أيضاً على شاكلة ما نراه أي مثل النجوم، أي أن المحتوى الذي ندمنه على شبكة الإنترنت يشكل وجهة نظرنا عن أنفسنا ونعايشه ونصدقه، على الرغم من أننا نعلم جميعاً أن ما نراه على الإنترنت ليس بالضرورة صحيحاً، ومع ذلك يبقى تأثيره النفسي كبيراً فينا".
الأحلام والتأثير السلبي للعالم الافتراضي
مشاهدة التلفزيون بنهم أو ممارسة ألعاب الفيديو أو الاسترخاء أمام الكمبيوتر لساعات، يمكن أن تكون لها آثار في الأحلام، برأي مارك إل بينتون، المدير الطبي لخدمات النوم للمرضى الداخليين في "ساميت ميديكال جروب" في ماديسون. و"كل ما تفعله أو تفكر فيه حول الوقت الذي تذهب فيه للنوم يمكن أن يؤثر في محتوى أحلامك، فإن ما تفعله قبل النوم بما في ذلك وقت الشاشة يمكن أن يؤثر في الأشخاص جسدياً وعاطفياً، سواء كنت تقرأ وتكتب النصوص، أو تقوم ببث مقاطع الفيديو أو الانخراط في أشكال أخرى من التواصل المتاحة على تلك المنصة، سيحفز التفكير ويؤثر في عواطفك، وبالتالي في محتوى أحلامك".
وفي علوم النفس، فإن الأحلام المزعجة تقلل من وقت نومنا، وتزيد من مستويات القلق أو تؤثر سلباً في جودة النوم، وبالتالي تؤثر في صحتنا. وهذا بدوره يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب وتقلبات المزاج التي تشمل المشاكل الوظيفية للنعاس المفرط، ومشاكل في مدى الانتباه وضعف في الذاكرة والقدرة على حل المشاكل وتقديرها وبطء رد الفعل عليها، وبالطبع الاضطرابات في المزاج.
تجربة جديدة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأثير متابعة وسائل التواصل بشكل دائم سيكون كبيراً في أطفال الجيل الحالي ومواليد الأجيال اللاحقة الذين سيحيون في ظل وجود شبكة الإنترنت. وبذلك يكون مصدر معلوماتهم والصور التي يتلقونها هو هذه الشبكة. وبالتالي ستتألف حياتهم وتتقولب، ومنها أحلامهم حسب عوالم هذه الشبكة التي ما زالت قيد الدراسة والأبحاث النفسية، والنفس - اجتماعية، لأن العلوم الإنسانية ما زالت في داخل مختبرها الضخم لتحليل نفسيات البشر، لأن التجربة ما زالت جديدة نسبياً وتأثيراتها ما زالت ترد أمام العلماء والدارسين كل يوم جديد، وهم يبنون استنتاجاتهم وفقاً لها، على الرغم من أن هذه الاستنتاجات لم تصبح نهائية بعد، لأن تطور علاقتنا بالعالم الافتراضي ما زال يجري على قدم وساق، ولم تنتهِ إلى شكل واحد معين يمكن البناء عليه بشكل نهائي. فعلماء النفس والاجتماع والعلوم الجديدة المتعلقة بتأثيرات العالم الافتراضي في حياتنا ما زالوا في بداية الرحلة للوصول إلى استنتاجات قاطعة.
أما أن التأثير سيكون أكبر في الأطفال فيعود إلى سببين، الأول أن معظم البشر عايشوا فترة ما قبل عالم الإنترنت وما بعده، بينما الأطفال في هذا الوقت ينتقلون أمام أنظار أهلهم كلياً إلى عالم الشبكة الافتراضية. وكلنا يعلم أن العقل يبدأ بالتشكل منذ الطفولة، وأن عقل الطفل يمكن تشكيله بالطريقة التي يريدها الأهل أو المجتمع أو وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. فالطفل، كما قال الرومانسيون، صفحة بيضاء ونحن نملأها بالتربية. أما في العلم الحديث، فعقل الطفل ينشأ ويتطور ويتركز على حالته الأساسية عند سن 13 من العمر حسب فرويد، وحتى 30 عاماً، حسب العلم الحديث.
الأطفال الجدد في عالم المستقبل
في المرحلة الأساسية للغاية من تطورهم العصبي البيولوجي، يتلقى الأطفال معلوماتهم من مخزن هائل للمعلومات، هو شبكة الإنترنت. لذا، يتحول المخزن إلى مصدر أحلامهم وإلهامهم، بل مصدر تحديد الطريقة التي يرون فيها العالم والحياة التي يعيشونها. فالمقياس المتوفر أمامهم ليس حياة أهلهم أو عائلاتهم أو مجتمعاتهم الصغيرة في الحي أو في المدرسة، بل هو مكان أوسع بكثير، بل هو عالم مفتوح أوسع بما لا يقاس من العالم الواقعي. من هنا، انطلقت علوم عديدة تعمل على المقارنة ما بين ثلاثة أجيال، على كل المستويات، الأحلام، الأهداف في الحياة، النظرة إلى الحياة والمجتمع والعلاقات الاجتماعية.
والبحث يطال ثلاثة أجيال، جيل الأجداد الذين لم ينتسبوا إلى عالم الإنترنت، وجيل الأهل الذين عايشوا ما قبل الإنترنت وما بعده، وجيل الأطفال الذين لا يعرفون عالماً بديلاً للشبكة الافتراضية. وهذه العلوم تعمل بجهد لفهم الفرق الذي سيكون عليه البشر في المرحلة المقبلة عن البشر الحاليين، كما كانت حالنا مثلاً مع بشر ما قبل ثورة الاتصالات أو ما قبل الثورة الصناعية. وفي أي حال من الأحوال، لن يكون الجيل المقبل بعد عشر سنوات من الآن كالجيل الذي بلغ مراهقته قبل عشر سنوات. سيكونان نوعين مختلفين من البشر، ليس من حيث الشكل حتى الآن، ولكن من حيث المشاعر النفسية أولاً.
برأي الدكتور كارا س باجوت المدير الطبي في Mount Sinai-Center on Addiction Alliance، "يمكننا أن نقول بثقة إن وسائل التواصل الاجتماعي تغير الطريقة التي يتفاعل بها المراهقون بعضهم مع بعضهم ومع أقرانهم والعالم، وإن هذه التغيرات والتفاعلات تؤدي إلى تغيرات في السلوكيات، وتغيرات في الصحة النفسية والعقلية".