على الرغم من قصر المقطع التي ظهرت فيه المغنية الأميركية أليشا كيز وهي تتفاعل وتدندن على مقطع أغنية "جاني الأسمر" للفنانة السعودية الراحلة عتاب، في مسرح مرايا العلا الأسبوع الماضي، فإنه انتشر بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي أوصلها للعالمية بعد وفاتها في 2007.
وعلى الرغم من أن "عتاب" فنانة معروفة، ولكن شهرتها لم تتجاوز الوطن العربي، واستطاعت أن تسجل اسمها كأيقونة للفن السعودي والخليجي، كما أنها شكلت حالة منفردة لم تتكرر في الأوساط مرة أخرى، لدى اقتحامها الوسط الفني المصري لتصل كل بيت عربي، لكن الغموض تخلل حياتها خصوصاً في السنوات الأخيرة التي ابتعدت فيها عن الأضواء إثر إصابتها بمرض "السرطان" إلى أن توفيت نتيجة مضاعفات المرض ورحلت بصمت دون ضجيج.
وعلى الرغم من الغياب الذي واكب آخر حياتها، فإن تفاعل المغنية الأميركية المشار إليها سريعاً ما أعاد الفنانة الأثيرة إلى الواجهة، وهي التي احتفل محرك "غوغل" قبل بضع سنوات، بتاريخ ميلادها في 30 ديسمبر (كانون الأول) 1947م.
من هي عتاب؟
"عتاب" كان اسم الشهرة للراحلة، أما اسمها فهو طروف عبد الخير آدم هوساوي، من مواليد العاصمة السعودية الرياض، بدأت الغناء في سن مبكرة عندما كانت تبلغ من العمر 13 عاماً. وتزامنت رحلتها الفنية مع فنانتين محليتين هما توحة وابتسام لطفي، إلا أن أسلوبها المميز في الغناء، إضافة إلى تقديمها الأغنية الراقصة الاستعراضية على المسرح في أداء تفاعلي، أكسباها شهرة أكثر وجماهيرية أوسع.
وعن اختيارها اسم "عتاب" اسماً فنياً عرفت به فهو معلمتها في المدرسة، التي طلبت من زميلاتها في الفصل ترشيح اسم للتلميذة المحبة للنشيد والغناء فكان (عتاب) لرمزيته العاطفية، وفي تلك الفترة من "خمسينيات" القرن الماضي كانت الطفلة السمراء البشوشة تغني في الأفراح والمناسبات داخل الرياض، فانتشر اسمهما بين أوساط كبيرة.
انتقلت عتاب في الستينيات إلى مدينة جدة غرب البلاد، وهنالك توقع الفنان الراحل طلال مداح أن يكون لها شأن في الأغنية وشجعها على الاستمرار، وأصدرت أول أغنية لها بعنوان "يابنت" في عام 1966، من ألحان فوزي السيموني.
وبعد أن حققت عتاب شهرة في المدن السعودية كفنانة متخصصة في أحياء الحفلات خصوصاً العائلية، انتقلت للكويت، وهناك اكتسبت شهرة على مستوى الخليج العربي، لا سيما بعد أن شكلت مع الفنان حيدر فكري ثنائياً في الحفلات، كما قدمت معه سهرات طربية في تلفزيون الكويت في تلك الحقبة الزمنية.
وفي بدايات السبعينيات كانت عتاب أحد أشهر مطربات الخليج والوطن العربي، لا سيما بعد أن قدامها الفنان عبد الحليم حافظ في أحد حفلاته عام 1972 وقدمت لوناً من الفلكلور السعودي بصحبة فرقة نسائية.
الاستقرار في القاهرة
في مطلع الثمانينيات انتقلت عتاب مع زوجها الثاني محب عبد الصبور إلى القاهرة، واستقرت هناك ما يزيد على 20 عاماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي القاهرة توسع نشاط الفنانة الراحلة بشكل لافت، وأصبحت تشارك في حفلات الصيف بالعاصمة المصرية، وغنت لكبار الملحنين في ذلك الوقت، منهم الموسيقار محمد الموجي الذي تعاونت معه في عملين هما "فك القيود" و"لو فات الأوان"، كما افتتحت مسرحاً غنائياً حمل اسمها. وعلى الرغم من إقامتها الدائمة في مصر ما يزيد على العقدين، فإن الفنانة السعودية حافظت على هويتها من جميع النواحي، فلم تقدم أي أغنية باللهجة غير المحلية، وفي أحد حواراتها أكدت أن الفنان لا يمكن أن يشعر بالكلمات طالما يغني بلهجة غير لهجته.
ولم ينحصر نشاط عتاب الفني في فترة نجوميتها على تقديم الأغاني والاستعراضات الراقصة على مسرحها الخاص والمشاركة في الحفلات الغنائية في القاهرة، بل تعدى ذلك إلى الفضائيات، حيث قدمت برنامج "جلسة طرب" على قناة "أوربت" الفضائية.
لعتاب محاولة تمثلية واحدة لم يكتب لها النجاح، وهو فيلم "عتاب رائدة فضاء" شاركت في بطولته مع الفنانة المصرية فايزة كمال، ويعود السبب لعدم رؤيته النور إلى الخلاف الذي حدث مع زوجها في عام 1999.
النكسة والابتعاد عن الأضواء
بدأت الأوضاع المالية لدى الفنانة السعودية تسوء في أواخر القرن الماضي، إذ بدأت الصحف تكتب عن خلاف كبير بينها وبين زوجها محب عبد الصبور على أموالها، والذي اتهمته عتاب بسرقة 5 ملايين دولار، ووصلت القضية للمحاكم المصرية وانتهت القضية بانفصال الزوجين.
ووصفت ابنتها من زوجها الأول الإعلامية الراحلة ابتسام سعيد في أحد اللقاءات الصحافية تلك الفترة من حياة والدتها بالقول، "وصلت في أيامها الأخيرة مع طليقها إلى مرحلة الاكتئاب، وبعد انفصالها عنه قررت العودة للوطن وبدأت نشاطها الغنائي من جديد، وأنتجت شريطاً يحمل عنوان "وش لي بالتعب".
وانتقلت عتاب في سنواتها الأخيرة بحسب ابنتها للعيش معها في الإمارات مع أبنائها دارين وأحمد، لا سيما أن ابتسام سعيد وهي الابنة البكر لها كانت تعمل هنالك.
مسيرة 40 عاماً الفنية التي كانت تحمل في طياتها الكثير من الأعمال المميزة لعتاب كان من أبرزها أغنية "جاني الأسمر"، كلمات ثريا قابل وألحان فوزي محسون، و"اسمعوا شكوتي"، كلمات عبد الله الناصر وألحان فهد بن سعيد، و"أحطك في قلبي"، فلكلور سعودي، و"هذا قمرنا"، كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن وألحان سراج عمر، و"من فينا يا هل ترى"، كلمات يوسف رجب وألحان سراج عمر.
توقفت الراحلة بعد إصابتها بمرض السرطان، وبعد تفاقم حالتها الصحية، غادرت عتاب إلى دار البقاء في 17 أغسطس (آب) 2007 بعد يوم من عودتها إلى القاهرة ودفنت فيها.