في قتال مايو (أيار) 2021، نزح نحو 70 ألف مواطن من سكان قطاع غزة إلى مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، التي بدورها حوّلت جزءاً من مرافقها التعليمية إلى مراكز إيواء.
ووصل الهاربون من القصف الإسرائيلي حينها إلى مدارس "أونروا"، من دون أن تعلن الوكالة الأممية عن فتح مرافقها التعليمية كمراكز للجوء والإيواء. لكن بعد مكوثهم داخل المدارس، اضطرت إدارة غوث اللاجئين الفلسطينيين إلى تحويل المدارس نقاط إيواء النازحين.
لا مراكز إيواء في غزة
في الحقيقة، لا يوجد في غزة أيّ مراكز إيواء للسكان أثناء أوقات الصراع، ولا تمتلك السلطات في القطاع ولا "أونروا" أي ملاجئ لحماية السكان بعمومهم، أو مراكز إيواء للنازحين في أوقات الطوارئ والقصف غير الممنهج.
يقول المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني، إنه خلال النزاع الأخير في غزة كانت "أونروا" تلعب دوراً حاسماً في مكان لا يوجد فيه مقر للاختباء من الضربات الجوية والصواريخ، وحينها وجد أكثر من 70 ألف شخص الملاذ في ملاجئ الطوارئ المخصصة لـ"أونروا"، وكانت هذه الأعداد تفوق القدرة الاستيعابية للمدارس التي استقبلت النازحين.
وكانت المدارس التي استقبلت النازحين مزدحمة، وعاشوا فيها وسط ظروف غير صحية، وأثيرت حينها مخاوف حول احتمال انتشار الأمراض، إذ إن الغرض من هذه المدارس لم يكن تحويلها إلى مساحات تصلح لمعيشة عدد كبير من الأشخاص في أوقات الطوارئ.
مخاوف من تصعيد
ويضيف لازاريني "أونروا واحدة من أكثر المنظمات فعالية داخل غزة من جانب إنساني وتنموي، وعادة تشكل ملجأ آمناً للأشخاص المتضررين من القتال العسكري، لذلك نحن بحاجة إلى الاستثمار والتأهب من خلال إيجاد مراكز إيواء لا سيما في القطاع، خصوصاً في وقت يخشى الناس فيه بدء جولة جديدة من العنف في أي لحظة".
في الواقع، كثيرة هي المؤشرات التي تدل على احتمالية حدوث عملية عسكرية جديدة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، إذ لا يزال المستوطنون يقتحمون حي الشيخ جراح، الأمر الذي دفع الفصائل إلى تهديد إسرائيل بالانجرار إلى عملية عسكرية. وردت تل أبيب بتوعد "حماس" وتحذيرها من التدخل في القدس لأن ذلك يدفعها إلى ضرب القطاع عسكرياً. وهذا ما أثار تخوف سكان غزة من نشوب عملية عسكرية واسعة.
مراكز إيواء
تخوف السكان هذا، دفع "أونروا" إلى تجهيز 54 مركز إيواء في قطاع غزة، لاستقبال النازحين. وتعد هذه المرة الأولى التي تجهز فيها محطات للاجئين الفلسطينيين، بعد أن كانت تحول مدارسها إلى نقاط لاستقبال الهاربين من القتال العسكري.
ويقول مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة توماس وايت، إن مراكز الإيواء التي جهزتها "أونروا" ستعمل خلال أوقات الأزمات، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان كالحرب، وهذه الخطوة جاءت بعد استخلاص النتائج من التجارب السابقة.
ومنذ سيطرة "حماس" على سدة الحكم في القطاع، مرت غزة بأربع عمليات عسكرية كبيرة، شنتها عليها إسرائيل. وفي كل مرة كان يجري نزوح للمواطنين تعمل "أونروا" على تحويل مرافقها التعليمية إلى مراكز إيواء، إذ لا يوجد لديها محطات خاصة لذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف وايت "لدينا طموح كبير لزيادة عدد مراكز الإيواء حتى نتمكن من الإيفاء بمتطلبات أي احتياج طارئ في غزة. وفي ضوء ذلك نسعى لتأمين مراكز إيواء متنقلة يمكن استعمالها في أوقات الطوارئ القصوى".
ويشير إلى أن "أونروا" تستعد فعلياً لإجراء مناورة قريباً لاختبار جهوزية الطواقم في التصدي للطوارئ، لافتاً إلى أن عام 2021 كان سيئاً جداً لما شهده من آثار على السكان بسبب القتال العسكري، الذي ترتب عليه أن يكون هناك ما يقارب من 50 في المئة من الأطفال في غزة بمعدل يزيد على 290 ألف تلميذ في المدارس بحاجة إلى دعم الصحة النفسية.
ويعتقد باحثون سياسيون أن هذه الخطوة تعد مؤشراً على إمكانية نشوب عملية عسكرية واسعة، لذلك تجري تحضيرات مسبقة لتفادي نزوح المواطنين إلى مرافقها التعليمية.
أهمية كبيرة لمراكز الإيواء
ويقول الباحث السياسي أحمد الحلو إن المنظمة أولت أهمية كبيرة لبناء مراكز إيواء للنازحين، فيما لا زالت تراوغ في إعادة الإعمار، وهذا يحمل بعداً سياسياً معناه أن هناك ثمة مؤشرات لإمكانية نشوب عملية عسكرية واسعة.
ويضيف الحلو "اتخاذ خطوة بناء مراكز إيواء للمرة الأولى في قطاع غزة يدل على أن المنظمات الدولية المهتمة في هذا الشأن استفادت من الدروس المستخلصة من العمليات العسكرية السابقة، لذلك من الجيد أن تكون هذه المراكز تابعة لمنظمات هيئة الأمم المتحدة، حتى يكون لها حماية، ولا يتجرأ الجيش الإسرائيلي على الاعتداء عليها".
وحسب الحلو، فإنه من المستبعد أن يكون هناك أي معلومات تمتلكها "أونروا" بشأن نشوب عملية عسكرية جديدة، لكن هذه المبادرة توحي بأن المؤسسة الأممية تجري استعداداً لأي حالة طوارئ، إذ تعيش غزة دائماً فوق صفيح ساخن، وليس من المستبعد وجود مؤشرات اندلاع قتال جديد.