أدت تظاهرات نظّمها أبناء قبيلة "البدور" في محافظة ذي قار (359 كلم جنوب بغداد)، مستمرة منذ نحو أسبوعين، إلى وقف عمل حقل نفطي في المحافظة ينتج حوالى 80 ألف برميل وباحتياطي أوّلي يبلغ 7 مليارات برميل.
وطالب أبناء قبيلة "البدور" التي تسكن في منطقة الكطيعة غرب الناصرية والتي يقع فيها الحقل، بتعيينات كبيرة في الحقل الذي تديره شركة نفط ذي قار، وقطعوا الطريق المؤدي إلى الحقل النفطي بشكل كامل، ما عطّل وصول العاملين إليه، ومن ثم الإعلان عن إيقاف العمل به خلال الساعات الماضية.
ولا تُعدّ هذه التظاهرة الأولى من نوعها أمام الحقل خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لكنها في السابق لم تشهد قطع الطرق المؤدية إليه من الجهات كافة ومنع دخوله والخروج منه .
مطالبات غير معقولة
وقال مدير شركة نفط ذي قار علي خضير إن الشركة اتخذت قراراً بإيقاف عملها في حقل الناصرية بسبب التهديدات المتزايدة على كوادر الشركة بعد مطالبة بعض العشائر بمسائل لا تملك الشركة القدرة على تنفيذها كونها مطالب مركزية.
وصرّح خضير لـ"وكالة الأنباء العراقية" أن "الشركة تصدّر ما يقارب من 70 إلى 75 ألف برميل من حقل الناصرية، بالتالي هذا الإيقاف سيضرّ بالموازنة الاتحادية، فضلاً عن تأثر واردات المحافظة وأرباحها ورواتبها وحوافزها ومشترياتها وخدماتها الاجتماعية".
وأوضح أن "الضرر الثاني هو أن الشركة تعمل على تجهيز شركة فلود الإيطالية بالغاز، لكونها وقّعت على عقد استثمار غاز حقل الناصرية المبكر بعقد مباشر بين فلود الإيطالية وغاز الجنوب".
وأضاف خضير أن "الضرر الثالث هو عدم إمكانية تدشين أنبوب 14 عقدة الممتد من حقل الناصرية، المحطة المركبة لإنتاج الطاقة الكهربائية، إضافة إلى أضرار كثيرة من بينها تسريح العمال من الحقل بسبب توقفه".
وتابع أن "إيقاف الحقل سيكون لفترة غير معلومة بسبب ما تتعرّض له الشركة من تهديد وحفاظاً على أرواح كوادرها والمعتصمين أيضاً"، مبيّناً أن حجم الضرر سيكون كبيراً جداً كون عائدات الشركة تعتمد على الصادرات الداخلية.
تعزيزات عسكرية لحماية الحقل
ولم تمضِ أيام على قرار إغلاق حقل الناصرية، حتى وصلت تعزيزات عسكرية إلى ذي قار في خطوة تهدف إلى حماية الحقل ومعداته.
وقال قائد عمليات سومر الفريق سعد حربية إن "القيادة أرسلت تعزيزات لحماية حقول الناصرية ومحطة العزل".
وأضاف أن "التعزيزات كانت بحجم فوج كامل تم توزيعها على تلك الحقول"، مبيّناً أن "الهدف حماية الحقول ومعداتها".
غير مؤثر
بدوره، قال الخبير النفطي حمزة الجواهري إن عمليات إنتاج النفط وتصديره لن تتأثر بإيقاف الحقل، لوجود فائض بالإنتاج النفطي العراقي يصل إلى 600 ألف برميل .
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "الحقل تم تطويره بالجهد الوطني العراقي وينتج 80 ألف برميل، وهي كمية ليست قليلة، ومن الممكن أن تضيف إلى العراق مبلغاً جيداً"، مشيراً إلى وجود مفاوضات مع شركة "شيفرون" الأميركية لتطوير الحقل كبقية شركات جولات التراخيص.
وتمكّنت جولات التراخيص من رفع إنتاج النفط العراقي الذي بلغ أدنى مراحله عام 2007 بمليون ونصف برميل يومياً، ليصل إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً، بعد قيام هذه الشركات بعملية تطوير شاملة لحقول النفط العراقية في جنوب البلاد في مختلف نواحي هذا القطاع، إنتاجاً وتصديراً واستخراجاً، لكنها وُوجهت بانتقادات لاذاعة من قبل سياسيين منذ أعوام، باعتبار أنه ترتب عليها ارتفاع التكلفة وتأثير هذا الأمر في إيرادات العراق السنوية من النفط.
13 مليار برميل
وتابع الجواهري أن "الحقل لم تُحدد حدود مكامنه، وكانت التوقعات تشير في البداية إلى وجود 500 مليون برميل، وبعد عمليات الحفر الاستقصائي وصلت التوقعات إلى سبعة مليارات، ومن ثم أصبح الحديث عن 13 مليار برميل"، مشيراً إلى أن عمليات الاستقصاء غير منتهية والمفاوضات مع "شيفرون" ما زالت مستمرة، ولم يتم التوصل إلى نتائج حتى الآن بسبب الانسداد السياسي، الذي يقف وراءه كثير من السياسيين.
وخوّلت الحكومة العراقية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي شركة النفط الوطنية، المملوكة للدولة، صلاحية التفاوض المباشر مع شركة "شيفرون" الأميركية لتطوير 4 رقع استكشافية لتطوير الحقول النفطية في محافظة ذي قار، وذلك من خلال تنفيذ مشروع مقاطعة الناصرية لإنتاج النفط والغاز.
التزام "أوبك+"
واستبعد الجواهري أن تتأثر البلاد بالكميات التي ستلحظ انخفاضاً من الإنتاج العراقي على التصدير، "فلدينا كميات من النفظ فائضة من الإنتاج تصل إلى 600 ألف برميل باليوم بسبب التزام العراق مع أوبك+ لم نستخدمها"، لافتاً إلى أن هذه الكميات ممكن أن تسدّ النقص من حقل غرب القرنة 2 الذي توقف من أجل الصيانة .
وتابع أن الشركات الأجنبية تعلم واقع العراق وتابعت كثيراً من الحوادث التي لم يُصب فيها أي عامل في الحقول النفطية العراقية، وعزا سبب تأثر هذا الحقل بالتظاهرات إلى أنه من بين الحقول التي تم تطويرها حديثاً، ولم تتخذ إجراءات في سبيل تحصينها.
البطالة السبب
بدوره، قال كوفند شيراوني، المتخصص في شؤون الطاقة إن التظاهرات سببها نسبة البطالة العالية في الجنوب التي وصلت إلى 40 في المئة.
وأضاف أن "أهالي المناطق حيث الحقول النفطية موجودة، يرغبون باستفادة أبنائهم الذين يعانون من البطالة، إذ إن نسبة هؤلاء في الجنوب تشكل ما بين 30 إلى 40 في المئة على الرغم من أنها من المناطق الغنية بالنفط، لافتاً إلى أن هناك مركز تشغيل يعمل على تنظيم وتوظيف العاملين في هذه الشركات، وحتى لو وفرت الدولة كثيراً من الوظائف إلا أنها لا يمكن أن تستوعب الجميع.
وبيّن أن مجموع خسارة العراق نتيجة إيقاف عمل حقل الناصرية النفطي ما يقارب 8 ملايين دولار في اليوم، وإذا ما كان هذا الإنتاج موجّه إلى المصافي، فإن عملها سيتأثر بسبب قلة الإنتاج.
توفير فرص عمل
من جانبه، دعا المتخصص في الشأن الاقتصادي صالح الهماشي إلى توفير فرص عمل للخريجين في الجامعات العراقية، معتبراً أن زيادة أعداد العاطلين من العمل أدت إلى حدوث كثير من المشكلات.
وقال إن عدداً أكبر من الخريجين أدى إلى تنامي أعداد العاطلين من العمل وزيادة حجم الأعباء الناجمة عن ارتفاع أعدادهم، مبيّناً أن ما حدث في حقل الناصرية من تظاهرات وتهديدات أحد أسباب البطالة".
وأضاف أن المطالبات مشروعة إلا أن الأسلوب غير صحيح، لا سيما أن الحقل ينتج 80 ألف برميل يومياً، لافتاً إلى أن توقفه سيؤدي إلى تراجع إنتاج النفط العراقي ويؤثر في البيئة الاستثمارية.
وتابع أن عمل الشركات في هذه الظروف سيتسبب في ارتفاع تكاليف إنتاج الحقل لأن الشركات ستعمل في بيئة عالية المخاطر، ما يسفر عن زيادة تكلفة التأمين والحماية، مشيراً إلى أن الشركات سترفع أجور العاملين، ما يؤدي إلى تقليل الأرباح.
ويخطط العراق لزيادة إنتاجه إلى 8 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2027.