من المحتمل أن يمتلك البنك المركزي الروسي وصندوق الثروة السيادية في روسيا ما قيمته 140 مليار دولار أميركي من السندات الصينية، وهي أصول قد يسعون إلى الوصول إليها في ظل العقوبات العالمية، وفق تقديرات مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية.
وكتب باحثون ماليون بينهم ريموند يونغ في تقرير يوم الأربعاء الثاني من مارس (آذار) الحالي، أن "بنك روسيا يمكن أن يمتلك 80 مليار دولار من ديون اليوان، بينما يتوقع أن يمتلك صندوق الثروة الوطني 60 مليار دولار". وقالوا إن "هذا يمثل ما يقرب من ربع الملكية الأجنبية في سوق السندات المحلية في الصين". وأضاف الباحثون بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورننغ بوست"، أن "حيازات السندات الصينية - الروسية واليوان الصيني يمكن أن تكون أصولاً أجنبية رئيسة وعملة يمكن لروسيا الوصول إليها، ونحن نراقب ما إذا كانت روسيا ستعمل على تصفية الأصول إذا كانت هناك حاجة إلى النقد (اليوان الصيني) للوفاء بالتزامات الدفع الأخرى".
وتابع الباحثون أنه "من المحتمل أن تستخدم روسيا أصولها باليوان ونظام الدفع الصيني عبر الحدود لمواجهة تأثير العقوبات الغربية".
الصين قد تصبح شريان حياة لروسيا
وفي حين يمكن أن توفر الصين شريان حياة مالي لروسيا في حال قررت بكين مجابهة الجهود الغربية لإبعاد شريكها الاستراتيجي عن النظام المالي العالمي، إذ يقوم البنك المركزي في البلاد بمقايضة عملات بمليارات الدولارات مع نظيره الروسي، مما يسمح للبلدين بتوفير السيولة للشركات.
وتحركت الولايات المتحدة وأوروبا لعزل العديد من البنوك الروسية من نظام المدفوعات العالمي (سويفت) مما يجعل من الصعب على روسيا المشاركة في الاقتصاد العالمي والربح منه، لكن يمكن للغرب أيضاً دفع روسيا بعيداً من التعاملات التي تتم بالدولار الأميركي، مما سيدفع موسكو نحو أنظمة الدفع البديلة بما في ذلك نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك الصينية (CIPS)، وهو نظام دفع يوفر خدمات المقاصة والتسوية للمشاركين في عمليات الدفع والتجارة عبر الحدود بـ"الرنمينبي" (العملة الرسمية للجزء القاري من الصين)، ويمثل بنية أساساً للسوق المالية في الصين، وهو أمر قد يقلق الولايات المتحدة وحلفاءها كثيراً.
ويربط نظام الدفع الصيني (CIPS) بين المشاركين داخل الصين وخارجها بغرض التجارة أو الاستثمار ومن ثم تسوية تلك المعاملات باستخدام الـ "يوان" أو الـ "رنمينبي" الصيني.
وقال محللون إنه من غير المرجح أن تسمح الصين للبنوك الروسية المحظورة من نظام المراسلة المالية (سويفت) باستخدام شبكة الدفع الخاصة بها عبر الحدود للالتفاف على العقوبات، مع حذر بكين من إثارة إجراءات عقابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضدها.
وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون قرووا استبعاد بنوك روسية مختارة من نظام "سويفت" كجزء من حزمة عقوبات تهدف إلى الضغط على موسكو للتخلي عن غزوها لأوكرانيا.
ويعني منع روسيا من نظام الرسائل المالية أن البنوك الروسية لم يعد بإمكانها استخدامه لترتيب المدفوعات مع المؤسسات المالية الأجنبية.
حذر صيني من التورط في ديون روسيا المعدومة
في السياق، قال رئيس الأبحاث في جمعية القانون الصينية إيغور سزبوتاكوفسكي، "ستحاول الصين رسمياً الحفاظ على الوضع الراهن في ما يتعلق بعلاقاتها التجارية مع روسيا، بقدر ما نعلم الآن أن نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك الصينية (CIPS) سيكون بديلاً مؤقتاً لـ (سويفت)".
ويعتمد نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك الصينية على نظام "سويفت" للرسائل عبر الحدود، ولكن لديه القدرة على العمل بشكل مستقل ولديه خط اتصال مباشر خاص به بين المؤسسات المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك ستستغرق البنوك الروسية وقتاً وكلفاً للتحول إلى نظام بديل مثل نظامها الخاص لنقل الرسائل المالية الذي طوره البنك المركزي الروسي منذ عام 2014 (SPFS) وهو مكافىء لنظام "سويفت"، أو عبر نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك (CIPS)، وكلاهما لديه عدد أقل بكثير من المؤسسات المالية التي تستخدمهما.
وقال الباحث الصيني المستقل والمؤلف المشارك لكتاب الرأسمالية الحمراء (Red Capitalism) فريزر هوي، "ليس لدي إعجاب مباشر بالتبديل المماثل إذا انتقلت إلى البنية التحتية الصينية. قد يؤدي الضغط من الدول الغربية إلى تسريع الاتصال بين أنظمة الدفع الصينية والروسية، لكن استعداد الصين العام لدعم روسيا لا يزال غير واضح".
واليوم يقيد اثنان من أكبر البنوك المملوكة للدولة في الصين، البنك الصناعي والتجاري الصيني (ICBC) وبنك الصين، تمويل السلع الروسية، بخاصة بالدولار الأميركي وفقاً لـ "بلومبيرغ"، نقلاً عن مصادر لم تسمها، كما أن الصين حذرة من أن تتورط في كم كبير من الديون الروسية المعدومة، إذ قال الزميل الأول غير المقيم في معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي غاري كلايد هوفباور، "هذا هو سبب وقف تمويل تجارة السلع الأساس الروسية". وأضاف، "بمجرد أن تكتشف روسيا طريقة لضمان حصول الصين على الأموال، على سبيل المثال من طريق شحن الذهب إلى الصين كضمان، أعتقد أن التمويل سيستأنف".
وقال أستاذ المالية في جامعة "رينمين" تشاو شيجون، إنه "سيتعين على البنوك الصينية تقويم الأخطار عند التعامل مع العملاء الروس، بخاصة في ظل تشديد العقوبات الغربية، لكن بعض البنوك الصينية الصغيرة ذات التعرض الدولي المحدود قد تكون على استعداد لتحمل الأخطار".
من جانبه، قال كبير الاقتصاديين الآسيويين في "كابيتال إيكونوميكس" مارك وليامز، إنه "بعد استبعاد إيران من نظام "سويفت" عام 2012 كانت البنوك الإيرانية قادرة على سداد وتسلم المدفوعات باستخدام مؤسسات مالية في دول ثالثة، على الرغم من أن ذلك جاء بكلفة كبيرة".
في غضون ذلك، يعتقد باحثون أن الصين ستواصل شراء الهيدروكربونات الروسية والحبوب والسلع الأخرى، فيما ستحل واردات التكنولوجيا المتقدمة من الصين محل بعض تلك التي كانت تأتي تقليدياً من الغرب، بينما سيعتمد القطاع المالي الروسي بشكل أكبر على الصين.
وقال إيغور سزبوتاكوفسكي، "ومع ذلك فإن مزيداً من التعاون بين بنك الشعب الصيني ونظيره الروسي يمكن أن يشكل تهديداً كبيراً للاقتصاد الصيني". وأضاف أن "توسيع نظام الدفع بين البنوك الصينية (CIPS) في الصين ليشمل روسيا، حتى لو أصبح حلاً حقيقياً، لن يكون بالتأكيد عملية سريعة، والحقيقة هي أن الصين لديها ما تخسره أكثر من روسيا".
وقد ينظر إلى الانخفاض الكبير والمفاجئ في الروبل الروسي يوم الإثنين الـ 28 من فبراير (شباط) الماضي، على أنه درس جيد لما يمكن أن يحدث للعملة الوطنية بسبب العقوبات الدولية، وصناع السياسة الصينيون على دراية كاملة بذلك.
وعبر الباحث فريزر هوي عن مجموعة من المخاوف الاقتصادية المحلية. وقال "دعونا لا ننسى أن الصين تعاني أزمة ديون ضخمة، ولا يمكنها إنقاذ أي من مقاطعاتها أو شركة إيفرغراند التي تمثل حوالي ثلاثة في المئة من سوق الإسكان، فمن أين سيحصلون على الأموال لإنقاذ روسيا؟".