في إطار البحث عن خطط بديلة لتمويل واردات مصر من القمح الروسي والأوكراني، رفعت الحكومة المصرية مستهدفها لمشتريات القمح المحلي مع احتدام الصراع الروسي - الأوكراني، خصوصاً وأن واردات مصر من القمح الروسي والأوكراني تشكل نحو 52 في المئة من إجمالي الواردات المصرية.
وتسعى الحكومة المصرية إلى شراء نحو 5.5 مليون طن من القمح من المزارعين المحليين خلال الموسم المقبل. وبذلك، رفعت الحكومة مستهدفاتها لمشتريات القمح بأكثر من الثلث، مع حالة الفوضى التي تضرب سوق الحبوب العالمية حالياً، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ووفق البيانات، فإن هذه زيادة بنسبة 38 في المئة عن المستهدف السابق، فقد أعلنت الحكومة المصرية في وقت سابق أنها تستهدف شراء نحو 4 ملايين طن من القمح، للمساعدة في تغطية احتياجات البلاد حتى نهاية العام، جنباً إلى جنب مع الاحتياطي الاستراتيجي الحالي الذي يكفي لمدة أربعة أشهر. وتغطي الـ5.5 مليون طن التي تخطط الحكومة لشرائها الآن ما يعادل نحو ربع الاستهلاك المحلي لمدة 12 شهراً حتى نهاية سبتمبر (أيلول) 2022، وفق التقديرات الرسمية.
تحركات لاحتواء الأزمة وتنويع المصادر
يوم الإثنين الماضي، اضطرت الهيئة العامة للسلع التموينية في مصر، إلى إلغاء مناقصتين لشراء القمح في الأيام الأخيرة بسبب قلة العروض وارتفاع الأسعار مع تأثر أسواق الحبوب بالغزو الروسي. وتمثل روسيا وأوكرانيا معاً ما يقرب من ثلث إمدادات القمح في العالم، وما بين 60 و80 في المئة من واردات مصر من القمح.
وأصدر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، تعليمات بزيادة عدد نقاط تجميع القمح وتيسير الإجراءات لتسهيل زراعة القمح من قبل صغار المزارعين. وأعادت الحكومة إحياء مشروع توشكى الزراعي في ديسمبر (كانون الأول)، والذي قال وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، علي المصيلحي، إنه من المتوقع أن يوفر نحو مليار دولار من فاتورة القمح في الموازنة بحلول عام 2025.
ووفق بيانات وزارة الزراعة المصرية، تستهدف مصر تحقيق ما بين 60 و62 في المئة من الاكتفاء الذاتي من القمح خلال هذا الموسم، وقامت البلاد بزراعة نحو 3.6 مليون فدان بالقمح، والذي من المقرر أن ينتج ما بين 9.5 و10 ملايين طن.
في الوقت نفسه، فإن القمح المحلي ليس بمعزل تماماً عن ارتفاع الأسعار العالمية. وحتى قبل اندلاع الحرب، وافقت الحكومة المصرية على دفع 13 في المئة للقمح المحلي هذا الموسم أكثر مما كانت عليه في عام 2021، بعد أن أدت ضغوط الإمدادات العالمية إلى ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياتها في عشر سنوات. وكان من المتوقع أن يكلف الارتفاع في أسعار القمح العالمية البلاد 12 مليار جنيه (0.767 مليار دولار) إضافية خلال العام المالي الحالي، قبل اشتعال الصراع في البحر الأسود وارتفاع الأسعار بصورة أكبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحذيرات من أزمة غذاء في أفريقيا
وعلى صعيد الواردات، ما زالت الحكومة المصرية تحاول تنويع المصادر. ومددت الحكومة مهلة تحديد نسبة الرطوبة بالقمح المستورد لمدة عام، إذ تسعى إلى تنويع مصادر التوريد وسط الأزمة الروسية - الأوكرانية، وفقاً لبيان حديث صادر عن وزارة التجارة والصناعة. ويحد القرار الذي سيسري حتى أبريل (نيسان) 2023، من محتوى الرطوبة في شحنات القمح بنسبة 13.5 في المئة، بزيادة 0.5 نقطة مئوية عن الحد المعتاد البالغ 13 في المئة. كما أن الحكومة لا تزال تدرس التحوط ضد تقلبات أسعار القمح.
ومع ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والأسمدة على خلفية الحرب الروسية، حذر أستاذا الأمن الغذائي مايكل جيه بوما وميغان كونر في تصريحات لصحيفة "نيويورك تايمز"، من "أزمة غذائية متسارعة تنتشر من أوكرانيا" إلى الدول الأفريقية الضعيفة، وطالبا الدول الغربية بتجنب تقييد صادرات الحبوب، والتأكد من أن العقوبات لا تهدد الأمن الغذائي، والعمل على تقليل تكاليف الأسمدة عن طريق السيطرة على أسعار الطاقة، وتحويل بعض الزيت والذرة المستخدم حالياً لإنتاج الوقود والإيثانول إلى أسواق المواد الغذائية، وزيادة تمويل المساعدات الإنسانية.
لا توجد أزمة حتى الآن
وكان وزير التموين المصري، قد أعلن أنه لا توجد أزمة في توفير القمح حتى الآن، مشيراً إلى أن الاحتياطي الاستراتيجي من القمح يكفي حتى 4 أشهر، ما يعادل 3.8 مليون طن منهم نحو نصف مليون طن قمح محلي مخزون من العام الماضي.
ولفت إلى أن فاتورة شراء القمح تسجل نحو 40 مليار جنيه (2.557 مليار دولار) سنوياً، منها نحو 18 مليار جنيه (1.15 مليار دولار) قمح محلي، وما يتراوح من 20 إلى 22 مليار جنيه (1.278 إلى 1.406 مليار دولار) فاتورة استيراد القمح من الخارج. ولمح إلى أن سعر طن القمح عالمياً زاد خلال عام من 250 دولاراً إلى ما يتراوح من 334 و350 دولاراً للطن، أي زيادة بنحو 100 دولار في الطن عالمياً خلال عام.
وأشار إلى أن ما يحدث بين أوكرانيا وروسيا لا يؤثر على مصر فقط بل على العالم كله وعلى كافة الأسواق العالمية، وعلى السلع خصوصاً البترول والغاز والقمح، منوهاً بأن أي تغيير في تلك السلع يؤثر على باقي السلع، كاشفاً أن نحو 30 في المئة من حجم القمح المعروض في العالم يأتي من روسيا وأوكرانيا.
وشدد وزير التموين المصري على حرص الحكومة على تنويع منشأها إذ يتم الاستيراد من نحو 14 دولة، وخلال العام الحالي تم استيراد نحو 29 في المئة من القمح الروسي و34 في المئة من القمح الروماني و23 في المئة من أوكرانيا والباقي من فرنسا، مشيراً إلى أنه عقد اجتماعاً مع سفير فرنسا قبل الأزمة الروسية- الأوكرانية، والذي أبدى فيه استعداد بلاده لتوفير أي كمية من القمح.
وأشار المصيلحي إلى أنه في مارس (آذار) 2017، كان الاحتياطي الاستراتيجي للقمح ضعيفاً يكفي 18 يوماً فقط، مضيفاً أن القيادة السياسية وجهت بزيادة الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية لتبلغ 6 أشهر وبحد أدنى 3 أشهر، لافتاً إلى أنه تم توفير اعتمادات مالية بما يعادل 1.8 مليار دولار.
وذكر أنه من المستهدف توريد 5.5 مليون طن قمح محلي خلال موسم التوريد الذي سيبدأ في منتصف أبريل المقبل. وأوضح أنه تم عقد الاجتماع الثاني للجنة العليا للقمح والتنسيق مع وزارة الزراعة، مشيراً إلى أن مساحة الأراضي المزروعة خلال العام الحالي بلغ 3.6 مليون فدان، تنتج ما يتراوح من 9 إلى 10 ملايين طن قمح.