مع إعلان الولايات المتحدة فرض حظر على استيراد النفط الروسي بالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين، تزايدت الأنباء عن رغبة الغرب في عودة صادرات النفط الإيراني والفنزويلي بهدف ضمان الحفاظ على إمدادات كافية من النفط في الأسواق العالمية لتهدئة الأسعار التي تقترب من أعلى مستوياتها التاريخية. إلا أن باحثين في شؤون النفط أكدوا في تصريحات لـ "اندبندنت عربية"، إن اللجوء إلى النفط الإيراني والفنزويلي لا يمكن أن تعوض خسارة الخام الروسي". في الوقت ذاته أشاروا إلى أن تمسك السعودية وتحالف "أوبك+" يعززان استقرار الأسواق في ظل اضطرابات الحرب القائمة.
النووي الإيراني
ولفت باحثون إلى أن "أسعار النفط قفزت إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2008 بسبب التأخير في اختتام المحادثات النووية الإيرانية، بالتالي تأخير احتمال عودة الخام الإيراني إلى الأسواق العالمية التي تعاني بالفعل من تعطل الإمدادات الروسية". وشاب غموض محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية، في أعقاب مطالب روسيا بضمانات من الولايات المتحدة بأن العقوبات التي تواجهها بشأن الصراع في أوكرانيا لن تضر بتجارتها مع طهران. وذكرت مصادر أن الصين طرحت مطالب جديدة. ورداً على مطالب روسيا، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأحد الماضي ، إن العقوبات المفروضة على روسيا لا علاقة لها باتفاق نووي محتمل مع إيران.
يُشار إلى أنه لا توجد عقوبات على صادرات إيران من النفط، وتستطيع تصديره كما تشاء، ولكن توجد عقوبات على مشتري الخام الإيراني، كما أنه لا يمكن دفع ثمنه باستخدام نظام المدفوعات العالمي "سويفت"، ومن ثم فإن طهران تستطيع تصدير نفطها بحرية طالما أن هناك مَن يشتري بالإضافة إلى السوق السوداء.
إمدادات جاهزة
وتوقع تقرير لمصرف "بنك أوف أميركا" في مذكرة بحثية، أنه في حال التوصل إلى اتفاق شامل، أي أقرب ما يكون للعودة إلى اتفاق عام 2015 بما يتضمنه من وقف إيران نشاطها النووي، مقابل تخفيف العقوبات عنها. يمكن لإيران البدء في بيع ما تخزنه بالفعل، لكن لا يتوقع أن يرتفع إنتاجها من النفط بسرعة، لأن البنية الأساسية لمنشآتها النفطية تضررت بشدة جراء العقوبات، وتحتاج إلى وقت وأموال لإعادة التأهيل.
وتنتج إيران حالياً نحو 2.5 مليون برميل يومياً من النفط أغلبها للاستهلاك المحلي، وهي أقل بنحو 1.3 مليون برميل يومياً مما كانت عليه في عام 2018، عندما انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات ما أدى إلى انخفاض كبير في دخل طهران من النفط، ونتيجة العقوبات الصارمة على إيران لم تصدر سوى نحو 640 ألف برميل يومياً في المتوسط العام الماضي، حسب تقدير شركة "كبلر ليمتد". وتخطط طهران لزيادة الإنتاج إلى 3.8 مليون برميل يومياً إذا رفعت العقوبات. وتقدّر وكالة الطاقة الدولية أنه في حال التوصل إلى اتفاق شامل في مفاوضات فيينا، فإن ذلك يمكن أن يعيد 1.3 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني إلى السوق
النفط الفنزويلي
كذلك تسعى واشنطن للاستفادة من نفط فنزويلا، في الضغط على موسكو، ولكن المصادر المطلعة على مناقشات المسؤولين الفنزويليين والأميركيين في كاراكاس لبحث إمكانية تخفيف العقوبات النفطية على الدولة العضو في "أوبك"، لم تحقق تقدماً يذكر نحو التوصل إلى اتفاق في أول محادثات ثنائية رفيعة المستوى تجرى بين الجانبين منذ سنوات. وتسعى واشنطن إلى فصل روسيا عن أحد حلفائها الرئيسين، وقد استغل الجانبان الاجتماع في كراكاس لتقديم ما وصفه مصدر بالحد الأقصى من المطالب، مما يعكس التوترات القائمة منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة وأحد أكبر خصومها الأيديولوجيين. وقطع البلدان العلاقات الدبلوماسية في عام 2019 وسط حملة من العقوبات الأميركية والضغط الدبلوماسي بهدف الإطاحة بمادورو حليف بوتين منذ فترة طويلة. وتريد واشنطن أيضاً إيجاد إمدادات نفط بديلة لسد الفجوة إذا كانت ستسعى إلى فرض مقاطعة لصناعة الطاقة في موسكو. ويمكن أن تعزز فنزويلا صادراتها من النفط الخام إذا خففت واشنطن العقوبات. وبحسب وكالة "بلومبرغ"، دفعت احتمالات تخفيف الولايات المتحدة للعقوبات على شركة النفط الحكومية الفنزويلية "بتروليوس دي فنزويلا" لتعويض حظر النفط الروسي عن الأسواق العالمية المراقبين إلى التساؤل عن مقدار الخام الذي يُمكن لفنزويلا إضافته إلى السوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترى التوقعات الأكثر تفاؤلاً من "آي بي دي لاتين أميركا" لاستشارات الطاقة تضاعف الإنتاج تقريباً بحلول نهاية العام، في حال تدفقت الصادرات من الدولة الأمريكية الجنوبية بحرية، وكانت قادرة على استيراد الأجزاء والمعدات التي تحتاج إليها صناعة النفط المتداعية بشدة. وبافتراض أن المحادثات مع الولايات المتحدة ستؤدي في النهاية إلى فك سريع للحظر المفروض على ممارسة الأعمال التجارية مع شركة النفط الحكومية "بتروليوس دي فنزويلا" وحكومة الرئيس نيكولاس مادورو، فإن إنتاج فنزويلا قد يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً، بحسب ديفيد بوغت، العضو المنتدب في "آي بي دي"، و هو ما يُمثّل ارتفاعاً من 800 ألف حالياً. ويعادل إنتاج 1.5 مليون برميل يومياً ما ضخته فنزويلا في عام 1950 قبل تضاعف ذلك في أوائل السبعينيات. وقال الرئيس مادورو إن المحادثات مع المسؤولين الأمريكيين كانت ودية، وإن البلاد مستعدة لتصدير المزيد من النفط. وذكر في وقت متأخر من يوم الإثنين أن شركة "بتروليوس دي فنزويلا" مستعدة لرفع الإنتاج إلى "مليون واثنين وثلاثة ملايين برميل يومياً للعالم".
توفير بدائل مناسبة
وفي تعليقه، قال مدير مركز "كورم" للدراسات الاستراتيجية في لندن، طارق الرفاعي، إن "الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا يتجهون إلى توفير بدائل مناسبة لتلبية النقص مع حظر النفط الروسي، لذلك تبرز إيران وفنزويلا كمصادر أخرى، وذلك بهدف دعم الأسواق بعد صعود الأسعار قرب أعلى مستوى تاريخي لها". وتسائل الرفاعي " إلى أي مدى سترتفع الأسعار؟ لا أحد يعلم، لكن هذا الصعود قد ينعكس سلبيا على الاقتصاد العالمي". وأضاف الرفاعي أن "تخفيف العقوبات عن إيران وفنزويلا يأتي في إطار الرغبة في عودة إمدادات البلدين من الخام". في الوقت ذاته أشار إلى أن تحالف "أوبك+" سيواصل التزامه في السياسة الإنتاجية بشكل تدريجي بواقع 400 ألف برميل، متوقعاً أن يعقد التحالف اجتماعاً طارئاً بعد حظر واشنطن واردات روسيا من النفط.
إمدادات بديلة
ومن جهته يرى أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة "أوراسيا" الاستشارية للمخاطر السياسية، أن "الإدارة الأميركية تحاول إيجاد خيارات وإمدادات بديلة للتعامل مع ارتفاع أسعار النفط بخاصة ما بعد منع استيراد النفط الروسي". وقال كامل، إن "التواصل مع الرياض لم ولن يتوقف لامتلاك السعودية أكبر قدرة إنتاج نفط غير مستعملة في تحالف "أوبك+"، ولكن في المقابل بالنسبة إلى أكبر مصدر للنفط في العالم، لا مجال لتجاهل اتفاقية التعاون مع حلفائها من خارج منظمة "أوبك".