ضمن سلسلة الإصلاحات القضائية التي تعمل عليها السعودية، أصدرت البلاد أول نظام متكامل لـ "الأحوال الشخصية"، بعد عقود من إثارة الموضوعات التي تضمنها جدل واسع، بوصفها تتعلق بـ "المرأة"، أكثر مفردات السجال حساسية في المجتمع المحافظ.
واطلعت "اندبندنت عربية" على مشروع النظام الذي أقر من مجلس الوزراء هذا الأسبوع تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس (آذار)، تمهيداً لنشره لاحقاً في الجريدة الرسمية السعودية (أم القرى) قبل أن يجري العمل به رسمياً في محاكم البلاد بعد 90 يوماً من النشر، وقد تضمن 248 مادة، مقسمة على 8 أبواب.
وتعول الجهات القانونية في البلاد على أن يساعد النظام الجديد في تحقيق التوازن والعدل بين الرجل والمرأة في مجال العلاقات الأسرية التي تعد الأشد صلة بحياة الأفراد وتؤثر في الوحدة الأساسية للمجتمع، إذ أوضح بجلاء في مواده حقوق المرأة والطفل، وتناول القضايا المتوقع حدوثها، منذ مقدمات الزواج من الخطبة والمهر، إلى "النكاح وأركانه وشروطه وواجباته وقضايا الإرث بجميع أنواعه والهبات وحقوق الأبناء وقضايا النفقة والحضانة وحق النسب"، وسط آمال بأن ينهي تفاوت الأحكام الذي كان سائداً في وقت سابق بين الأحكام القضائية، تبعاً لاجتهادات القضاة والأحكام الفقهية التي ينتقونها سنداً لأحكامهم.
الطرف الأضعف في الزواج
ويبدو أن المرأة السعودية ستتخلص من كونها الطرف الأضعف في عقد الزواج بعد صدور النظام، فقد مكن القانون المرأة من توثيق الطلاق ومراجعته حتى مع عدم موافقة الزوج، وتعويضها إن لم تعلم بطلاقها، واشترط لصحة عقد الزواج الإيجاب والقبول وأن يكون الزوجان متوافقين صراحة ومقترنين في مجلس واحد، "كما يحق للزوجة الامتناع عن دخول بيت الزوجية حتى تقبض مهرها ويُهيأ لها المسكن وإذا رضيت بالدخول قبل أن تقبض مهرها فيصبح ديناً في ذمة الزوج، لها المطالبة به"، وحدد النظام نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة فإن "نفقتها على زوجها ولو كانت موسرة".
كما تناول آلية سكن الزوجين فلا يسمح لأي من الزوجين أن يسكن معهما في بيت الزوجية أي طرف باستثناء والدي الزوج وأولاده من غيرها ما لم يلحق الزوجة ضرر أو تشترط منزلاً منفرداً، أما الزوجة فيحق لها "إسكان والديها وأولادها من غير زوجها إذا كان بيت الزوجية مملوكاً لها".
لم يمنع القانون زواج القاصرات بشكل قاطع، ولكن جعله في أضيق نطاق، فقررت المادة التاسعة منه أن الأصل هو "منع توثيق عقد الزواج مالم يتم الزوجان 18سنة"، إلا أنه أعطى المحاكم صلاحية الاستثناء من تلك القاعدة بأن "تأذن بزواج من لم يتم الـ 18 من عمره ذكراً كان أو أنثى، إذا كان بالغاً بعد التحقق من مصلحته في هذا الزواج وفق الإجراءات المنظمة لذلك".
زواج المجانين والمعتوهين
من المواد اللافتة في النظام سماحه بزواج المجانين بشروط، إذا قام أولياؤهم بالمسؤولية الضرورية لذلك، فنصت المادة الحادية عشرة على "أن يقدم الولي تقريراً طبياً معتمداً عن حالة الجنون أو العته وأن يكون الطرف الثاني على علم بحالته، وأن يكون له مصلحة من الزواج"، وهي نقطة انتقدتها الكاتبة السعودية سهيلة زين العابدين في سلسلة مقالات لها في صحيفة "المدينة" المحلية، اعتبرت فيها إباحة زواج المجانين والمعتوهين فيه إضرار بنظام الزواج والكيان الأسري، مرجحة أن الإذن به سيكون غالباً "على حساب حقوق الزوجة والأولاد"، لا فتة إلى أن هناك فرق بين المعاقين بدنياً والمعاقين عقلياً، في إشارة منها إلى أن الفئة الأخيرة غير مؤهلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من إلغاء السعودية الولاية على النساء في أغلب أنظمتها، إلا أنها أبقت عليها في الزواج بحسب "نظام الأحوال الشخصية" الجديد، لكنها وضعت لها حدوداً، فجعلت الأب هو الولي الأول ثم يأتي من بعده وصيه ثم الجد ثم الابن.. إلخ، ونبه النظام مع ذلك إلى أنه ليس للولي ولو كان الأب أن يزوج ابنته بغير رضاها، كما منح القضاة حق تزويج من يماطل والدها في تزويجها لأي سبب كان.
وكان ولي العهد السعودي ذكر في مقابلته الأولى مع مجلة "ذا أتلانتيك" حول إلغاء قوانين الولاية، أنه إذا قال "نعم" على هذا السؤال "فهذا يعني أنني أخلق مشكلات للعائلات التي لا تريد إعطاء الحرية لبناتها. السعوديون لا يريدون أن يفقدوا هويتهم، صحيح أننا نريد أن نكون جزءاً من الثقافة العالمية، ولكننا نريد دمج ثقافتنا مع الهوية العالمية بما لا يؤثر فيها".
وحسم النظام قضية "تكافؤ النسب"، التي كانت سبباً في إنهاء علاقات زوجية عدة وأثارت جدلاً اجتماعياً، فحدد النظام "الدين" معياراً واحداً للكفاءة من دون بقية المعايير مثل "القبيلة، والنسب، والحالة المادية"، وبذلك يكون الاجتهاد في نظر دعاوى "عدم التكافؤ" في غير الدين مرفوضة.
خلافات المخطوبين
ولم يغفل نظام الأحوال الشخصية السعودي فترة الخطوبة، وهي التي تسبق الزواج، ويجري فيها عادة تبادل الهدايا بين المخطوبين حسب المتبع في المجتمع، مما جعل الخلافات تكثر حول تلك الهدايا في حال فشل مشروع الارتباط، لهذا حسم النظام النزاعات في مراحل الزواج الأولى، وأقر "رد الهدايا والشبكة والمهر" بعد فشل الخطوبة بين الطرفين، ووضع شروطاً لاسترداد الهدايا وكذا المطالبة بالتعويض عن الضرر في حالة عدول أحد الطرفين عن الخطبة.
إثبات نسب الطفل
إلى ذلك كشفت وزارة العدل أن نظام الأحوال الشخصية بين المسائل اللافتة التي يتناولها قضية "إلحاق الأبناء بأنسابهم" حتى وإن حدث الحمل في "زواج فاسد".
وذكرت الوزارة أن النظام اهتم بـ "حفظ نسب الطفل وتضييق السبل أمام طلب نفيه، من خلال إعمال الطرق الحديثة DNA)) في ما يتعلق بإثبات النسب".
وكانت المحكمة العليا في السعودية قد وافقت من قبل على النظر في هذا النوع من القضايا منذ 2013، إذ حمل تعميم نشره مجلس القضاء الأعلى على موقعه الإلكتروني، طلب الحكومة "دراسة إثبات نسب أطفال أنجبوا قبل إتمام عقد الزواج إلى آبائهم وتقرير مبدأ قضائي والرفع بالنتيجة"، فكان رد المحكمة المتضمن توقيع رئيسها وأعضائها أنه "تقرر بقاء الأمر في هذا للنظر القضائي للحكم في قضية حسب ظروفها وملابساتها"، لكن "الأحوال الشخصية" الصادر حديثاً نظم المسألة على نحو أكثر دقة، فنص على إمكان إلحاق الولد بأبيه حتى وإن تم الحمل خارج نطاق الزواج الصحيح الذي أقره النظام، وذلك وفق آلية معينة فصلتها المواد.
بدوره أكد وزير العدل السعودي وليد الصمعاني أن نظام الأحوال الشخصية كان "بُني وفق مقاصد الشريعة الإسلامية، وأخذ بأفضل الممارسات القضائية والدراسات الحديثة، ليكون نظاماً متواكباً مع المتغيرات ويستجيب للتحديثات والتحديات".
ورأى أن النظام سيسهم في "سرعة إنجاز القضايا المتعلقة بالأسرة، وسيعزز من القدرة على التنبؤ بالأحكام القضائية واستقرارها، ويحد من تباينها، كما سيرفع جودة وكفاءة الأحكام".